الجارديان: مصير مبارك يطارد السيسي ويعطي الأمل للشعب

السبت 29 فبراير 2020 11:16 ص

في 28 يناير/كانون الثاني 2011، ركبت قطار أنفاق في القاهرة يسافر شرقا تحت النيل برفقة مراسل زميل من الجيزة إلى وسط المدينة. وفوقنا بأمتار، كانت العاصمة مشتعلة. اندلعت الاشتباكات بين المتظاهرين المناهضين للحكومة والشرطة في الشوارع، وكانت الكباري فوق النهر ساحات معركة ثورية.

وملأت أعمدة الدخان والغاز المسيل للدموع السماء. وفي محاولة أخيرة غير مجدية لضمان بقائه، أغلق النظام الاستبدادي في البلاد شبكات الهاتف المحمول وقطع الإنترنت، لذلك كان من الصعب الحصول على أخبار موثوق بها، ولم نكن نعرف من سيخرج منتصرا مما سُمي في ما بعد في مصر بـ"يوم الغضب".

وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه تحت محطة سكة حديد رمسيس، كان لدينا الجواب. كانت المحطة مظلمة إلى حد كبير، تتخللها الأبخرة، لكن على ضوء لمبة صغيرة نورها يتقطع، تمكننا من رؤية اسم المحطة مطبوعا بخط كبير على طول الجدران المكسورة. لقد كانت هذه محطة "مبارك"، وتم تدميرها.

واستغرق الأمر أسبوعين آخرين للإطاحة أخيرا بواحد من آخر الديكتاتوريين في العالم، ومع ذلك، كان من الواضح حينها، مع فرار رجال الأمن التابعين له في الليل، وحرق مقر حزبه الحاكم، أن قبضة "حسني مبارك"، التي استمرت 30 عاما في أكثر دول العالم العربي اكتظاظا بالسكان، قد وصلت إلى نهايتها.

وبحسب ما ورد، أمضت زوجته "سوزان" اللحظات الأخيرة في القصر الرئاسي في العويل والبكاء بين الضباط الذين كانوا يرافقون الزوجين إلى طائرة مروحية تابعة للجيش. وكانت تقول: "هل تعتقدون أنه يمكنهم الدخول هنا؟ أرجوكم. من فضلكم لا تدعوهم يدخلون".

وكان الشعب المصري المقصود بـ"هم". ومن بين أحد موروثات الحقبة المباركية أن نظام السلطة، المبني على فكرة أن المواطنين يتواجدون فقط خارج القلعة، قد انتهى مع خرق تلك المتاريس حول القصر. وكانت تلك الفكرة متكررة لدى النخبة. ويعد هذا أحد السمات العديدة لعصر "مبارك" التي تساعد في شرح الكثير من التكرار الحالي والأكثر عنفا للسلطوية في البلاد.

وتوفر وفاة "مبارك" هذا الأسبوع، عن عمر يناهز 92 عاما، فرصة مفيدة للتفكير من خلال العلاقة المعقدة بين دكتاتوريته ودكتاتورية "عبد الفتاح السيسي" اليوم.

أولا، يمكن النظر في الطريقة التي تشابك بها كلا النظامين مع القوى الخارجية. كان "مبارك" صديقا شخصيا للرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون". أما رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "توني بلير"، الذي قضت عائلته إجازاتها في شرم الشيخ في ضيافة الديكتاتور، فقد أشاد بـ"مبارك" باعتباره "شجاعا للغاية وسلطة تعمل من أجل الخير".

وكان "مبارك" أحد الشركاء الرئيسيين لبرنامج الترحيل الاستثنائي لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وهو محبوب من قبل مجتمع الأعمال العالمي، الذي فتحت له مصر تعديلات هيكلية رعاها صندوق النقد الدولي سمحت بمجموعة من صفقات الاستثمار المربحة، حتى مع تضاعف عدد المصريين تحت خط الفقر. وبالتأكيد كان من الواضح أن ​​فساد "مبارك" وقمعه وسجل حقوق الإنسان المروع في عصره لم يزعج حلفائه العديدين في العالم.

وينطبق الشيء نفسه على "السيسي"، الذي سجن ما يقدر بنحو 60 ألف سجين سياسي، فضلا عن التعذيب الممنهج من قبل الدولة الذي أصبح شائعا لدرجة أن "هيومن رايتس ووتش" تعتبره جريمة ضد الإنسانية. وفي الوقت نفسه، تزود أوروبا والولايات المتحدة مصر بمليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة، ووصفت "بلومبرج" مصر، بعد جولة أخرى من إصلاحات صندوق النقد الدولي، بأنها "سوق ناشئة جذابة".

وفي بعد آخر من التشابه، في عهد "مبارك"، كانت المقاومة ضده شديدة على الأرض؛ حيث تصاعدت الاحتجاجات والاعتصامات والاشتباكات مع رجال الشرطة قبل فترة طويلة من الانتفاضة المناهضة لـ"مبارك" في عام 2011، لكنها نادرا ما كانت تتصدر العناوين الدولية.

ومن موجات الإضراب العمالي في المدن الصناعية، مثل كفر الدوار والمحلة الكبرى، إلى المعارك ضد الإصلاح الزراعي والإخلاء القسري لسكان مجتمعات مثل قرية "ساراندو" وجزيرة "القرصاية"، كان هناك دائما غضب من نظام "مبارك"، بالرغم أن المعارضة لم تلتق على هدف واحد جامع على مستوى البلاد.

على النقيض من ذلك، فإن مصر "السيسي" غير متسامحة تماما مع أي نقد، حتى وإن كان معتدلا. وعلى عكس "مبارك"، الذي أبقى على ما يكفي من صمامات تنفيس الضغط للحفاظ على درجة من الاستقرار السياسي، مثل شكل من أشكال القضاء المستقل، على سبيل المثال، وبدايات وجود وسائل إعلام شبه مستقلة، لا يمكن لـ"السيسي" السماح حتى لطفل بأن يكون لديه نوع خاطئ من المحتوى على هاتفه.

وكما يقول الكاتب "وائل إسكندر" فإن الهدف الآن لم يعد مجرد الفوز في ساحة المعركة السياسية؛ بل القضاء على الساحة السياسية تماما.

ولا يمكن تحمل هذا المستوى من الاختناق الجماعي (بغض النظر عن مدى تجاهله من قبل الزعماء الغربيين) على المدى الطويل داخل بلد يضم 100 مليون شخص. ولا تنبع شدة هذا الاختناق من قوة ساحقة لمن هم في السلطة، بل من ضعف واضح في الحراك المناهض.

ورغم كل ذلك، تبدو مصر اليوم وكأنها صورة من أسوأ تجاوزات فترة "مبارك". وفي الواقع، يختلف مضمون الدولة التي يرأسها "السيسي" الآن اختلافا كبيرا؛ لأنها متشبعة بذاكرة قريبة جدا حول سلطة حاكمة أخرى تم تحطيمها.

إن الذعر الذي شعر به أشخاص مثل "سوزان مبارك"، بسبب رفض المصريين فجأة الإذعان للغة الأبوية والسلطة القسرية، بشكل يجعلهم يحطمون محطات "المترو" التي تحمل اسم الحاكم، ينتشر بنفس القدر داخل القصر الرئاسي اليوم كما فعل في تلك الأيام عام 2011. لقد مات "حسني مبارك"، ويعيش خلفه اليوم في رعب من مصيره.

المصدر | جاك شنكر/الجارديان - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

وفاة مبارك نظام السيسي ثورة يناير 2011

هيرست: جنون العظمة يقود السيسي لمصير مبارك

فورين بوليسي: السيسي تعلم الدرس الخطأ من مبارك وهذه أكبر مخاوفه

11 عاما على تنحي مبارك.. السيسي على خطى "الفرعون" ومصر نحو الأسوأ