أزمة وشيكة.. تداعيات تراجع الطلب على العمالة المصرية بالخارج

الثلاثاء 3 مارس 2020 08:41 م

تراجعت مصر مؤخرا من المركز الرابع إلى المركز السادس عالميا في قائمة الدول المصدرة للعمالة إلى الخارج، وهو تراجع كبير لدولة ظلت لعقود طويلة تحتكر تصدير العمالة للأسواق العربية، وذلك بعد حزمة من الإجراءات الاقتصادية والقانونية المتسارعة التي اتخذتها الدول العربية عامة، والخليجية خاصة، بهدف تقليص العمالة الأجنبية.

وإزاء ذلك، وجد كثير من المصريين أنفسهم مجبرين على العودة إلى بلادهم، فيما يفكر آخرون في الخطوة نفسها. وشهدت الفترة الأخيرة حالات نزوح عكسية لأعداد كبيرة من المصريين وأسرهم؛ إما بسبب الإنهاء الإجباري لأعمالهم من قبل أرباب العمل، أو لإدراكهم أن رواتبهم لا تستحق عناء الغربة في ظل غلاء المعيشة والضرائب وفرض رسوم جديدة على إقامتهم ومرافقيهم.

ووفق إحصاءات وزارة الخارجية المصرية، فإن عدد المصريين بالخارج يتجاوز الـ10 ملايين، معظمهم في الدول العربية بنسبة 68.4%؛ حيث تستحوذ السعودية وحدها على حوالي 35% من العمالة المصرية بالخارج، ثم الأردن بنسبة 17.8%.

وتقدر شعبة إلحاق العمالة في الخارج بغرفة القاهرة التجارية عدد العاملين العائدين من الخارج بنحو 500 ألف عامل في العام المالي الجاري، نصفهم عادوا من السعودية فقط، من أصل 5 ملايين حصلوا على تراخيص عمل من وزارة القوى العاملة المصرية.

ورغم هذا التراجع في الطلب على العمالة المصرية، تشير أرقام البنك المركزي المصري إلى زيادة نسبة تحويلات المصريين بالخارج؛ حيث بلغت خلال أول 5 أشهر من العام المالي الحالي 11.1 مليار دولار، مقابل 9.9 مليارات دولار في الفترة المقابلة من العام المالي الماضي، بزيادة قدرها 1.2 مليار، وبنسبة 12.1%.

لكن هذه الأرقام خادعة بشكل كبير؛ لأنها جاءت نتيجة ارتفاع تكاليف إقامات المرافقين للعمالة في بعض الدول مثل السعودية، وهو ما دفع الكثيرين من العاملين لإعادة أسرهم مع ما تبع ذلك من زيادة النفقات الأسرية المرسلة إلى مصر، وفقا لما نقله موقع "الجزيرة.نت" عن "عبد الرحيم المرسي" نائب رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج.

لذا يحذر خبراء، بينهم عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشورى المصري السابق "طارق مرسي"، ومسؤول التصنيفات السيادية لدى مؤسسة "فيتش" المالية "جيمس ماكورمالك"، من أن تأثير تراجع أعداد المصريين العاملين بالخارج ربما يؤثر لاحقا على تحويلاتهم المالية، وبالتالي قد يتسبب في مزيد من التأزم الاقتصادي، باعتبار أن تلك التحويلات تمثل واحدة من أهم روافد العملة الأجنبية لمصر.

ويشير "ماكورماك"، في هذا الصدد، إلى أن تحويلات المغتربين تمثل مصدرا مستقرا نسبيا للعملة الأجنبية في الحساب الجاري، وهو ما يغذي مباشرة تصنيفات المؤسسات المالية السيادية، وفي حالة بلدان مثل مصر، ستكون أوضاع الحساب الجاري أضعف بكثير لولا هذه التدفقات.

وفي هذا الإطار، جاء توجيه عضوة مجلس النواب عن المصريين في الخارج "منى الشبراوي" سؤالا برلمانيا إلى رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي" عن الأسباب الرئيسية لتراجع الطلب على العمالة المصرية في الخارج، محذرة من أن "هذا التراجع له تبعات سلبية على معدلات البطالة، وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج من الأموال؛ مما يؤثر على الاقتصاد المصري، خاصة أن تلك التحويلات تعد إحدى ركائز الدخل القومي بالنسبة لمصر".

  • أسباب التراجع

وتعود أسباب هذا التراجع بالأساس إلى تغير خارطة الأسواق العربية؛ بسبب تراجع الاقتصادات الخليجية، والحصار على دولة قطر (ثالث دولة خليجية من حيث عدد العمالة المصرية) من جانب، وخروج دول مثل العراق وليبيا والأردن من السوق بسبب الاضطرابات السياسية من جانب آخر.

ويرتبط تراجع الاقتصادات الخليجية مباشرة بالحرب السعودية الإماراتية في اليمن، التي بدأت عام 2015؛ حيث تراجعت العمالة المصرية بنسبة 30% في الدولتين الخليجيتين منذ ذلك التوقيت وفقا لما نقله "الجزيرة.نت" عن رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج بالغرفة التجارية في القاهرة "حمدي إمام".

كما أثر انخفاض أسعار النفط على مشروعات التنمية في دول الخليج؛ وبالتالي تسبب في تراجع الطلب على العمالة.

وإزاء ذلك، اتجهت دول الخليج إلى توطين العديد من الوظائف، مثل المدرسين والمحاسبين والصيادلة، وفرض رسوم إضافية على العمالة الأجنبية؛ ما أدى إلى انخفاض نسبة الطلب على العمالة المصرية في دول الخليج وحدها إلى 80%، حسبما أفاد "إمام".

وتعاظمت الأزمة مع الانحسار الشديد لفرص العمل بالعراق منذ سنوات، الذي كان من قبل هدفا للعمالة المصرية، ما ساهم في تراجع يصل إلى 90% في الطلب على المصريين من أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة، و70% بالنسبة للأطباء والمهندسين، وانحصرت المهن المطلوبة في العمالة الفنية كفنيي التبريد والتكييف والكهرباء والسباكين.

بدوره، يمكن إرجاع تراجع الطلب على العمالة المصرية في الأردن إلى سياسة تقنين العمالة الخارجية، واتجاه عمان إلى تقليص أعداد العاملين الأجانب، وفقا لما نقله موقع "عربي.21" عن المحلل الاقتصادي "محمد السيد".

أما ليبيا، التي كانت سوقا كبيرا للعمالة المصرية، فقد تحولت إلى سوق طارد لها بفعل التنازع على السلطة محليا، وتأثير الحرب والصراعات الإقليمية.

وقدرت الإحصاءات الرسمية عدد العاملين المصريين في ليبيا قبل عام 2015 بما يزيد على المليونين، عاد معظمهم بسبب الصراعات المسلحة هناك.

غير أن الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية "رشاد عبده" يشير إلى سبب آخر لتراجع الطلب على العمالة المصرية بالخارج، وهو ظهور منافسين للعمالة المصرية، وفقا لما أوردته صحيفة "أخبار اليوم" (مصرية حكومية).

ويلفت "عبده"، في هذا الصدد، إلى أن طائفة المعمار كانت في السابق حِكرا على المصريين، لكن بعد ظهور تقنيات جديدة وازدهار سوق العمالة من جنوب شرق آسيا لم تعد كذلك، هذا ناهيك عن "تراجع المستوى الفني للعمالة المصرية مقارنة بالمنافسين وعدم عنايتها بتطوير نفسها، بعكس العمالة الأجنبية التي تطور نفسها باستمرار"، حسب "عبده".

  • تأهيل ضروري

في ضوء هذه التطورات، باتت العمالة المصرية بحاجة إلى أسواق أخرى بديلة، وهو ما لا يبدو متاحا سوى في بعض الدول الأفريقية التي تحتاج لبنية تحتية مثل رواندا وغانا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، وبعض الدول الآسيوية القوية اقتصاديا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا، وحتى اليابان التي أقرت قانونا نهاية العام الماضي يسمح بجلب مزيد من العمالة الأجنبية لسد نقص كبير في العمال اليابانيين.

لكن المشكلة تكمن في أن تلك الدول تطلب عمالة بنوعية مختلفة عن التي كانت تذهب للخليج، وتشترط عمالة فنية ماهرة، وهو ما يحمل شعبة إلحاق العمالة بالخارج مسؤولية إعداد برامج تدريبية تؤهل العمالة المصرية لمتطلبات الأسواق الأسيوية والأفريقية الجديدة.

وهنا يأتي دور وزارة القوى العاملة بمصر في تأهيل العمالة، حسب الناشط العمالي "سيد حماد"، الذي أشار إلى أن أهمية ضمان توفير العمالة المدربة، في وقت باتت فيه الأسواق تبحث عن عمالة غير عادية.

لكن نتيجة لضعف الكوادر البشرية في مكاتب التمثيل العمالي التابعة لوزارة القوى العاملة المصرية؛ اقتصر دورها على حل مشكلات الجالية المصرية العمالية بالخارج، وفقا لما أوردته "أخبار اليوم" عن الخبير المصري.

بالنظر إلى هذه المتغيرات، تبقى أزمة العمالة في الخارج أحد القنابل الموقوتة التي تهدد الاقتصاد المصري. ففي ظل تراجع الطلب على العمالة المصرية، فإن السلطات في القاهرة لن تفقد أحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد فحسب، بل ستجد نفسها أمام تحد كبير لتوفير أعداد ضخمة من الوظائف لاستيعاب العمال العائدين من الخارج.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تحويلات المصريين بالخارج الخارجية المصرية البنك المركزي المصري مصطفى مدبولي

رايتس ووتش تطالب ببدائل غير الاحتجاز للمرحلين في الخليج

للمرة الأولى منذ كورونا.. دول خليجية تستأنف طلب العمالة المصرية

وزير القوى العاملة: دول الخليج لا يمكنها الاستغناء عن العناصر البشرية المصرية