ماذا بعد تخلف لبنان عن سداد ديونه؟

الاثنين 9 مارس 2020 09:05 ص

تخلف لبنان عن سداد سندات أوروبية بقيمة 1.2 مليار دولار، مدتها 10 أعوام، ;كانت مستحقة في 9 مارس/آذار. وسوف يؤدي هذا إلى تسريع أزمة القطاع المصرفي المتعثر في البلاد، وربما تعميق أزمة العملة الحالية، مع إحداث دوامة اقتصادية تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

وقررت الحكومة أن تتخلف عن السداد الآن بدلا من استخدام النقد الأجنبي الشحيح وتأجيل ما تعتبره الأسواق المالية أمرا لا مفر منه. والسؤال الحقيقي الوحيد هو ما إذا كانت الحكومة قادرة على حشد الإرادة السياسية للتصرف الآن، ومعاقبة النخبة السياسية والمالية التي تستفيد من الاقتصاد الريعي في لبنان، الذي يعتمد المواطنون فيه على سخاء الحكومة في الغالب وفقا للطائفة والانتماء السياسي، أو ما إذا كانت ستعطي الأولوية للدائنين الخارجيين على حساب الطبقة الوسطى اللبنانية، بحيث يتم تقييدها من الوصول إلى ودائعها المصرفية.

ويتطلب الخيار الأول مسارا موثوقا لتحقيق الاستقرار في المالية العامة وإعادة هيكلة الديون، ربما مع نوع من الدعم الدولي، فضلا عن تخفيض محتمل للعملة اللبنانية. وسيؤدي الانتظار حتما إلى زيادة حجم التعديل الاقتصادي المطلوب، لأنه في نهاية المطاف لا يوجد بديل للتغيرات الاقتصادية المطلوبة.

وستتحمل الحكومة التي تشكلت حديثا، برئاسة رئيس الوزراء "حسن دياب"، وطأة التراجع السلبي الذي لا مفر منه. وعلى المدى الطويل، حيث أصبح "دياب" مرادفا لإعادة الهيكلة الاقتصادية المؤلمة، فإن راعيه الرئيسي، "حزب الله"، قد يعاني من الناحية السياسية، وهذا بدوره يعزز مكانة خصوم "حزب الله" السياسيين في حركة "14 آذار".

ومن بين هؤلاء الخصوم عشيرة "الحريري" السنية، التي اختارت بشكل استراتيجي عدم المشاركة في الحكومة خلال هذا الوقت الفوضوي. ويعد هذا الواقع السياسي أحد أسباب اعتراض "حزب الله" على إعادة الهيكلة الاقتصادية.

  • البيانات المالية غير المستدامة

وتعمل المالية العامة والنظام المصرفي في لبنان على نحو يشبه "مخطط بونزي عملاق" (مخطط بونزي هو مخطط للبيع الهرمي يقوم على الاحتيال غالبا)؛ حيث يعتمد على الودائع بالعملات الأجنبية الجديدة والديون الجديدة لسداد الديون القديمة. وتمول إيرادات الضرائب أقل من نصف الإنفاق الحكومي، لكن الإرادة السياسية لتنفيذ الضرائب الجديدة غير موجودة.

وطالما استمرت الودائع بالعملات الأجنبية والديون الجديدة في النمو قد يستمر هذا المخطط، حيث تدير الحكومة العجز الكبير في الميزانية بتمويله عبر الاقتراض بشكل رئيسي بالدولار من البنك المركزي والبنوك المحلية التي تعتمد على التدفق الثابت للعملة الصعبة من التحويلات والودائع المصرفية من الخارج.

ويحافظ البنك المركزي على معدلات ودائع مرتفعة لجذب الأموال التي يستخدمها بعد ذلك لتمويل عجز الموازنة الحكومية وحماية ربط العملة اللبنانية بالدولار منذ 22 عاما. والنتيجة هي نظام مصرفي متضخم بأصول تساوي أكثر من 400% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يقرب من 70% منها ديون بالعملة الأجنبية على الحكومة.

ويوفر الإقراض المصرفي الكبير للحكومة الاستثمارات الخاصة في الأنشطة الإنتاجية التي تعزز النمو. على سبيل المثال، فإن إقراض القطاع الخاص، والكثير منه للاستثمار العقاري، يمثل أقل من 28% من الأصول المصرفية. وقدم النظام المصرفي، بما في ذلك البنك المركزي، ما يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي في تمويل جديد للحكومة عام 2018، وهو ما تجاوز بالفعل العجز المالي العام للحكومة، البالغ 11% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتمثل ودائع الأثرياء اللبنانيين، المقيمين وفي الشتات، معظم التزامات النظام المصرفي، لكن التحويلات انخفضت إلى النصف من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2008؛ بسبب التباطؤ الاقتصادي في بقية المنطقة التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون، بما في ذلك دول الخليج العربية.

ومن المحتمل انخفاض مستويات ودائع البنوك في الفترة المقبلة، حيث أصبح عمق الأزمة المالية واضحا، فضلا عن تسارع هروب رأس المال.

ويوضح العجز في الحساب الجاري في لبنان، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم بأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، الاختلالات الاقتصادية. ولا يشجع سعر الصرف الثابت الصادرات، ويشجع واردات السلع، التي بلغت 5 أضعاف حجم صادرات البضائع في عام 2018.

لا خيارات جيدة

وعلى المدى الطويل، لا يوجد طريق إلى حل لا ينطوي على ألم لأجزاء كبيرة من اللبنانيين والحكومة والبنوك. ويمكن أن تتضمن الحلول برنامج تثبيت مدعوم من صندوق النقد الدولي، مع تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام، بخلاف شبكة الأمان الاجتماعي والبنية التحتية، إلى جانب إعادة تنظيم وإعادة رسملة البنوك، مع إسقاط مبلغ كبير من الديون. ويتطلب هذا إعادة تنظيم الالتزامات المصرفية بطريقة تحمي المودعين الصغار. ومن الضروري أيضا تخفيض قيمة العملة.

وبالرغم من أنه يعني اندلاع مزيد من الاضطرابات الشعبية، فمن المرجح أن تبدأ الحكومة في تطبيق مثل هذه التدابير التقشفية في وقت قريب جدا. وقال مكتب رئيس الوزراء، في 4 مارس/آذار، إن الإجراءات المكثفة، رغم أنها غير محددة، سيتم تنفيذها ابتداء من 10 مارس/آذار. ويشعر المواطنون اللبنانيون بالقلق بالفعل بشأن القيمة المتدنية لمدخرات حياتهم.

ولن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلا إلى تعميق هذا القلق، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاضطرابات، ولكنه خطوة ضرورية للبدء في تنشيط الاقتصاد. وسوف يزيد القلق بشأن التعطيل المحتمل في واردات السلع الأساسية من الاحتجاجات، مما يهدد متانة حكومة "دياب" ويعيق استمرارية عملها.

وعلى المدى القريب، يمثل تحدي إعادة هيكلة الديون القضية الأكثر أهمية. وحاولت الحكومة في وقت مبكر من هذا العام إدامة "مخطط بونزي" الشامل، واقتراح تبادل آجال استحقاق أطول تاريخا للدفع من 9 مارس/آذار. غير أن وكالات التصنيف قالت إن هذا سيكون حدثا افتراضيا، وتم إسقاط الفكرة.

ويبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي نحو 40 مليار دولار، لكنه لا ينشر ميزانية عمومية، وقد يكون لديه احتياطيات سلبية صافية. ولا تعد الصادرات كبيرة بما يكفي لتلبية احتياجات الاستيراد الحرجة، التي قدرها وزير المالية مؤخرا بما لا يقل عن 4 مليارات إلى 5 مليارات دولار سنويا.

ومن المحتمل أن تواجه الحكومة اللبنانية غضب حاملي السندات بدلا من المتظاهرين، لذلك ستختار على الأرجح تغطية الواردات الضرورية مع إعلان فشلها في سداد الديون. لكن هذه أزمة من نوع مختلف، ستؤثر بشكل أساسي على الأثرياء في لبنان وحملة السندات الدولية، الذين كانوا يراهنون على أن الدين اللبناني له عائد موثوق.

لكنها ستسمح لحكومة "دياب" بأن تقول إن البلد في أزمة، وأنه يحتاج إلى دعم أكثر مما يقدمه الحلفاء الدوليون، وستساعد في السيطرة على التوترات الاجتماعية في لبنان من خلال ضمان استمرار بعض الواردات الأساسية للبنانيين العاديين.

لكن هذا سيؤذي اللبنانيين الأثرياء الذين يشكلون العمود الفقري للدولة. كما أنه سيضع البلد في أزمة اقتصادية جديدة تتطلب في النهاية إجراءات صارمة لحلها، بما يؤثر بدوره على اللبنانيين العاديين في النهاية.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أزمة الديون الحكومة اللبنانية مظاهرات لبنان

إصلاحات مؤلمة تنتظر قرارات حكومة لبنان الجديدة