ماذا يعني تخلف لبنان عن دفع ديونه؟

الثلاثاء 10 مارس 2020 05:32 م

"احتياطاتنا من العملة الصعبة وصلت مستوى حرجا وخطيرا ما يدفع الجمهورية اللبنانية لتعليق سداد استحقاق 9 مارس/آذار من اليوروبوند؛ لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب".

هكذا أعلن رئيس الوزراء اللبناني "حسان دياب" في خطاب وجهه للمواطنين عدم قدرة بلاده على دفع ديونه المستحقة في مواعيدها، في وقت يواجه فيه البلد أزمة مالية كبرى.

ويمثل تخلف لبنان عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية مرحلة جديدة من أزمة مالية تعصف باقتصاده منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأفقدت الليرة اللبنانية نحو 40% من قيمتها، ودفعت البنوك لفرض قواعد قيدت تعاملات المودعين في ودائعهم وأججت الاضطرابات.

وفى وقت سابق، سعى لبنان للحصول على مساعدة فنية وليس مالية من صندوق النقد الدولي، رغم أن العديد من المحللين يقولون إن السبيل الوحيد أمام الدولة لتأمين الحصول على دعم مالي سيكون عبر برنامج لصندوق النقد، لكن ربما يقف نفوذ "حزب الله" في البلاد حائلا أمام حدوث ذلك.

  • الديون وخيارات الدائنين

ويعني قرار "دياب " التوجه مباشرة لإعادة هيكلة الدين العام، الذي تتجاوز قيمته أكثر من 86 مليار دولار، وإعادة التفاوض مع الدائنين. وجاء القرار الحكومي قبل يومين من استحقاق شهر مارس/أذار لتسديد سندات يوروبوند بقيمة مليار و200 مليون دولار.

وستكون الحكومة اللبنانية أمام استحقاقين آخرين في أبريل/نيسان ويونيو/حزيران بقيمة 2.5 مليار دولار.

وتبلغ قيمة السندات الدولية المستحقة على لبنان بشكل عام 31 مليار دولار.

وبإعلان القرار السباق، الذي جاء بالإجماع من قبل الحكومة وأيدته الرئاسة في البلاد، يكون أمام لبنان فترة سماح تصل لمدة 7 أيام لمفاوضة الدائنين؛ للوصول إلى تسوية ودية أو اللجوء إلى الوسائل القانونية.

وفي حال فشل المفاوضات، فمن ضمن خيارات الدائنين، اللجوء إلى مقاضاة المصرف المركزي. وقد يتحول احتياطي لبنان من الذهب إلى هدف أوّل بالنسبة للدائنين، خصوصا إذا ما قامت صناديق خاصة بشراء السندات اللبنانية كما يحدث عادة مع الدول المتخلفة عن السداد.

وقال "نك إزينجر"، مدير الأسواق الناشئة ذات الدخل الثابت في "فانجارد"، التي تحوز بعض السندات اللبنانية: "بمقدور حملة السندات منع أي اتفاق".

وأضاف: "ليس من الواضح مدى السرعة التي يمكن أن يسيروا بها في طريق إعادة الهيكلة أو تأمين صفقة؛ لأنهم يحتاجون إلى إصلاحات أولا".

  • قرار حتمي

ورغم أن الأزمة الحالية التي يواجها لبناني تعتبر أكبر خطر على استقرار البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، فإن محللين أشادوا بخطوة "دياب"، واعتبروها قرارا صائبا وفى الاتجاه الصحيح.

 وفى هذا الصدد، قال مدير مركز "المشرق" للشؤون الاستراتيجية "سامي نادر"، في تغريدة عبر "تويتر"، إن قرار الحكومة بعدم دفع استحقاقات مارس/أذار يعد "نصف خطوة في الاتجاه الصحيح".

وأضاف: "المطلوب الآن اتخاذ الخطوة الجريئة المكمّلة: برنامج إنقاذي مع صندوق النقد الدولي. وذلك لحماية الليرة، الودائع، وتعزيز موقع لبنان التفاوضي مع الدائنين".

وذكر "نادر"، في مقابلة مع تليفزيون "العربي" أن عدم الدفع هو الخطوة الوحيدة لإنقاذ لبنان من ورطته الاقتصادية، مشيرا إلى أن التعثر عن الدفع ليس طريقا إلى الحل بل هو نتيجة لما آلت إليه الأمور على المستوي المالي.

وأوضح أن "لبنان ليس لديه ما يكفي من احتياطي لتأمين حاجاته الأساسية؛ لذلك كان من المفروض ألا يدفع لأنه غير قادر على ذلك، ولو فعل سيبدد ما تبقي من احتياطي في البنك المركزي".

وعلى نفس المنوال اعتبرت الباحثة والمحللة الاقتصادية "محاسن مرسل" أن قرار رئيس الحكومة اللبنانية صائب جدا، لا سيما بعد أن قالت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني قبل أسبوعين بأن "إقدام الدولة اللبنانية على تسديد استحقاق سندات اليوروبند هذا العام هو قرار غير صائب لا سياسيا ولا اقتصاديا".

وأرجعت "مرسل" السبب في ذلك إلى النزيف الحاصل في احتياطات مصرف لبنان، والذي قدرته وكالة "موديز" بما بين 5 إلى 10 مليارات دولار

وتابعت المحللة الاقتصادية قائلة: "بسبب أزمة شح الدولار جراء الإجراءات المصرفية الأخيرة والعجز في ميزان المدفوعات يُستعمل الاحتياطي النقدي للبنان لشراء المواد الأولية (القمح المحروقات والأدوية)، أما في حال اختارت الدولة اللبنانية تسديد ديونها فإن ذلك يعني إمكانية عدم قدرتها على شراء هذه المواد وقد تلجا الدولة إلي الاستدانة مجددا لتأمين احتياجاتها الأساسية".

وأوضحت "مرسل" أنه منذ أكثر من شهرين وكافة المؤسسات المالية أكدت أن لبنان متجه إلى التخلف التلقائي عن السداد؛ بسبب العجز في ميزانية المدفوعات والنزف الحاصل في مصرف لبنان.

وأضافت أن من بين الأسباب أيضا الإجراءات التي اتخذتها المصارف، وخروج الودائع بالدولار من البلاد بمعدل تخطى 27 مليار دولار خلال عام 2019 فقط.

  • إصلاحات وحل سياسي

وذكر "نادر" أنه رغم أن قرار الحكومة يسير في الاتجاه الصحيح، لكنه غير كاف لخروج البلاد من مأزقها الاقتصادي. ولا تزال هناك ضرورة قصوى للإصلاحات لتلافي الانهيار الكامل والشامل.

ومضي قائلا إنه بات هناك عنوان واحد فقط للحصول على السيولة وهو صندوق النقد الدولي.

وعن معارضة "حزب الله" التوجه لصندوق النقد، قال "نادر" إن هذا هو لب المشكلة لأن "حزب الله" سيس هذه الملف؛ حيث يعتبر أن صندوق النقد هو أداة لدي الأمريكيين، وبالتالي يعارض الذهاب إلى صندوق النقد بالرغم أن هذا هو الحل الوحيد المتوفر.

وأضاف أن المجموعة الدولية كلها تجمع على أن المساعدات لا يمكن إلا من خلال صندوق النقد، معقبا بالقول: "لبنان فوت كل الفرص لعمل إصلاحات خارج إطار صندوق النقد، وآخر هذه الفرص كانت عبر مؤتمر سيدر في أبريل/نيسان 2018، عندما قررت الدول المجتمعة أن تساعد لبنان بقيمة 11 مليار دولار شرط أن يقوم بإصلاحات".

ومضي "نادر" قائلا إن "صندوق النقد سيكون الضامن لتنفيذ هذه الإصلاحات لأنه لا مال بدون إصلاحات".

 وقال إن "دول الخليج، التي كان يمكن أن تساعد لبنان بعيدا عن صندوق النقد، تعاني اليوم من أزمات اقتصادية خاصة بها".

وأوضح "نادر" أنه إذا لم يرفق قرار "دياب" ببرنامج إنقاذ فسيشعر المواطن اللبناني قريبا جدا بتداعيات سلبية؛ لأن قرار عدم الدفع ليس نزهة وله كلفة كبيرة على العملة الوطنية وعلى سندات الخزانة والودائع، وسيكون له أثر مباشر على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وعلى ودائعه المحجوزة في المصارف وبالتالي يشكل عاملا ضاغطا على المواطن والاقتصاد".

ويعاني لبنان حاليا أزمة مالية واقتصادية حادة؛ إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء (غير الرسمية) 2500 ليرة، بزيادة 47ُ% للدولار عن سعر الصرف الرسمي البالغ 1508 ليرة.

ويزيد من صعوبة الأوضاع أن لبنان يشهد منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المصارف اللبنانية الحكومة اللبنانية ديون لبنان

محنة لبنان.. أزمات متواصلة منذ الحرب الأهلية

موديز: تأجيل لبنان دفع السندات يعكس أزمته المالية

ستاندرد آند بورز تخفض تصنيف لبنان إلى تعثر انتقائي عن السداد