جيوبوليتكال فيوتشرز: السؤال الأهم حول فيروس كورونا

الأربعاء 11 مارس 2020 06:02 م

توفي أول شخص من فيروس "كورونا" على أرض أمريكية في 29 فبراير/شباط في مستشفى بمنطقة سياتل، وبالنسبة لعلماء الأوبئة، فإن أهم سؤال هو معدل حالات الوفاة، لكن بالنسبة لعامة الناس، فإن السؤال يصبح شخصيًا للغاية، ويفكرون: "هل سأمرض أو أموت أنا أو أي شخص أحبه؟"

عندما يواجه الناس حالة من عدم اليقين، يتخذون القرارات بحذر، ويُسندون قرارتهم إلى العاطفة والتجربة الشخصية بدلاً من الإحصاءات.

إذا اعتقد عدد كبير من الناس أن إجابة هذا السؤال هي "نعم"، فقد تكون هناك تداعيات كبيرة تتمثل مثلًا في انتشار الذعر في جميع أنحاء العالم.

التعديلات السلوكية الصغيرة التي يقوم بها الناس، مثل العمل عن بُعد أو تقليل النشاط لتجنب انتشار المرض، والتي يمكن أن يقوم بها ملايين الأشخاص يمكن أن يكون لها تأثير كبير.

قدرت الأمم المتحدة بالفعل أن قيمة الصادرات في جميع أنحاء العالم سوف تتأثر بقيمة 50 مليار دولار -باستثناء الأنشطة الاقتصادية غير التجارية مثل سياحة والسفر- حيث سيتباطأ التصنيع وتفرض الحكومات تدابير مثل قيود الموانئ. هذا هو السبب في أنه من الضروري تطوير تعريف "خطر الموت" لفيروس "كوفيد-19".

إعادة تعريف الخطر

كان أول جهد كبير لفعل ذلك قد تم بواسطة "المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها"، وعلى الرغم من أنه ينبغي اعتبار هذه الأرقام أولية (وربما خاصة بالصين فقط)، فإنها تتيح لنا أن نبدأ في فهم الخطر الذي يواجهه مجتمعنا العالمي.

بعد تحليل 44.672 حالة مؤكدة، قدر مسؤولو الصحة الصينيون معدلات الوفيات حسب الفئة العمرية كالآتي:

- من بين 416 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 0 و 9 سنوات ممن أصيبوا بـ"كوفيد-19"، مات عدد صفر من الحالات. هذا أمر غير مألوف بالنسبة لمعظم الأمراض المعدية، ولكن ليس بالنسبة لفيروسات "كورونا"؛ فقد كان لتفشي فيروس "كورونا – سارس" أيضًا تأثير ضئيل على الأطفال.

- بالنسبة للمرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 39 عامًا، يبلغ معدل الوفيات بين الحالات 0.2%.

- يتضاعف معدل حالات الوفاة بين الأشخاص في الأربعينات من عمرهم، ثم يتضاعف 3 مرات مرة أخرى للأشخاص في الخمسينيات من العمر، ويتضاعف 3 مرات تقريبًا مجددًا للناس في الستينيات من العمر.

- الشخص الذي يصاب بـ"كوفيد-19" في السبعينيات من العمر عُرضة للموت بنسبة 8%، والشخص في الثمانينات عرضة للموت بنسبة 15%.
يمكن أن يكون الفيروس قاتلاً بعدة طرق؛ إذ يمكن أن تؤدي الالتهابات الفيروسية في الرئتين إلى استجابة مناعية قوية لدرجة أن تلحق الضرر بالرئتين.

في حالات أخرى، يمكن أن تؤدي الاستجابة المناعية، والتي تسمى "عاصفة السيتوكين"، إلى فشل لأعضاء متعددة.

قد يفسر هذا سبب وفاة بعض الأشخاص الأصحاء من الفيروس، مثل "لي وين ليانغ"، الطبيب البالغ من العمر 34 عامًا والذي توفي بعد فترة وجيزة من تنبيه العالم إلى هذه السلالة الجديدة من فيروس "كورونا".

قد لا يتمكن الجهاز المناعي للشخص الأكبر سنًا من مكافحة فيروس الجهاز التنفسي، كما يمكن أن تؤدي المشاكل الكامنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري إلى تفاقم النتائج.

((2))

معدل وفيات مُبالغ فيه

الإحصائيات المذكورة أعلاه هي بلا شك أرقام مخيفة، ولكن هناك 3 عوامل رئيسية على الأقل يجب أن تخفف من وطأة الأمر.

أولاً؛ عدد الحالات الخفيفة أو التي لا تظهر أعراض غير معروف وربما كبير. ثانياً؛ لا تزال الصين دولة فقيرة لديها رعاية صحية منخفضة الجودة، وكذلك مركز تفشي المرض في إقليم "هوبي" (معدل الوفيات في المقاطعات الصينية خارج هوبي، حيث لا تعاني المستشفيات من الحمل الزائد، أقل بكثير).

ثالثًا، التدخين أكثر انتشارًا في الصين من أمريكا، خاصة بين الرجال (52% في الصين مقابل 16% في الولايات المتحدة)، والتدخين عامل خطورة لردود فعل سيئة على التهابات الجهاز التنفسي.

تعني هذه العوامل معًا أن معدلات الوفاة من المحتمل أن تكون مضخمة، وسيكون من الخطأ تطبيق هذه الأرقام على الولايات المتحدة أو الدول المتقدمة الأخرى.

السؤال الحقيقي، إذن، هو مدى تضخم معدلات الوفيات. في هذه المرحلة، من المستحيل تحديد ذلك لأن العلماء ما زالوا يجمعون البيانات حول مدى انتشار الفيروس.

ولكن لمعرفة مدى المبالغة في هذه الأرقام؛ من المفيد فحص معدل الوفيات بسبب الأنفلونزا الموسمية.

بالنسبة لموسم الإنفلونزا 2018-2019، يقدم "مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها" في الولايات المتحدة تقديرات لعدد الحالات والوفيات، ومنها يمكننا استنباط تقديرات معدل حالات الوفاة حسب الفئة العمرية.

إذا تبين أن "كوفيد-19" مشابه للأنفلونزا الموسمية، فإن معدلات الوفيات الناجم عن "كوفيد-19" تضخم بعامل يتراوح من 20 إلى 100.

شارك الدكتور "أنتوني فوشي"، رئيس "المعهد الأمريكي الوطني للحساسية والأمراض المعدية"، في تأليف مقال افتتاحي في مجلة "نيو إنجلند" الطبية، كتب فيه:

"إذا افترض المرء أن عدد الحالات التي لا تظهر أعراضًا أو تظهر الحد الأدنى من الأعراض أعلى بعدة مرات من عدد الحالات المبلغ عنها، فقد يكون معدل الوفيات أقل بكثير من 1%. يشير هذا إلى أن النتائج السريرية الشاملة لـ"كوفيد-19" قد تكون في النهاية أقرب إلى عواقب الأنفلونزا الموسمية الشديدة (التي تبلغ نسبة الوفيات فيها حوالي 0.1%) أو أنفلونزا الجائحة (شبيهة بتلك التي حدثت في عامي 1957 و1968) أكثر من الشبه بمرض "سارس" أو "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، والذي كان معدل الوفيات فيها من 9 إلى 10% و 36% ، على التوالي.

لدينا سبب للاعتقاد بأن هذا الرأي هو الأقرب إلى الواقع.

في كوريا الجنوبية، قام مسؤولو الصحة العامة بمسح على حوالي 100 ألف شخص واكتشفوا أكثر من 7300 حالة، وحتى الآن، فإن عدد المتوفين جراء الفيروس 50، وهو ما يترجم إلى معدل وفيات بنسبة 0.7%. لا يزال هذا أسوأ بـ7 مرات من الأنفلونزا الموسمية، ولكنه أقل بكثير من التقارير الأولية من الصين.

مستقبل "كوفيد-19"

وصف موقع "ستات نيوز" اثنين من السيناريوهات المحتملة التي يتصورها علماء الأوبئة لمستقبل "كوفيد-19".

في الأول؛ يصبح "كوفيد-19" مجرد فيروس برد آخر، وربما يتطور ليصبح أقل فتكًا أيضًا. ما نسميه "نزلات البرد" ناتج عن 200 فيروس مختلف تقريبًا.

كل عام، تعد 4 فيروسات "كورونا" مسؤولة عن حوالي 25% من نزلات البرد الشائعة، ويعتقد بعض العلماء أن "كوفيد-19" يمكن أن ينضم في النهاية إلى هذه المجموعة كعضو خامس فيها.

في السيناريو الثاني، يتصرف "كوفيد-19" بشكل أشبه بالإنفلونزا الموسمية الحادة، ويختفي في الصيف ويعود ليضربنا بشدة في الشتاء.

في أي من الحالتين لا يشبه "كوفيد-19" الإنفلونزا الإسبانية لعام 1918، التي قتلت الشباب بشكل واسع، وفي كلا السيناريوهين، لا تحدث طفرة للفيروس تجعله أكثر فتكًا.

على الأرجح، سيكون العكس صحيحًا، هناك علاقة عكسية بين الفتك والعدوى؛ أي أن الفيروسات الأشد عدوى تميل إلى أن تكون أقل فتكا.

قد تؤدي الضغوط التطورية -وهي الضرورة البيولوجية للتكاثر إلى أقصى حد ممكن (مما يعني عدم قتل الناس)- إلى دفع "كوفيد-19" في هذا المسار.

في الوقت الحالي، لا تزال الأنفلونزا تشكل التهديد العالمي الأكبر للصحة العامة، كل عام، يصاب حوالي مليار شخص بالأنفلونزا الموسمية، مما يؤدي إلى مقتل ما بين 300 ألف إلى 500 ألف شخص.

هذا الموسم وحده (2019-2020)، توفي حوالي 20 ألف أمريكي من الأنفلونزا، بما في ذلك 136 طفلًا. لكن قلة قليلة من الناس تخشى الإنفلونزا، وقد قبلها المجتمع كجزء من الواقع، والناس يواصلون حياتهم اليومية دون قلق مفرط بشأن الأنفلونزا.

هذا هو المستقبل المحتمل لـ"كوفيد-19".

حتى ذلك الحين، ربما ينبغي إعطاء الكلمة الأخيرة لعالمة الفيروسات الدكتورة "ليزا جرالينسكي"، التي أخبرت موقع "ذا ساينتيست": "إذا كان عمرك أكثر من 50 أو 60 عامًا وكان لديك بعض المشكلات الصحية الأخرى، وإذا كنت سئ الحظ وأصبت بالفيروس، فيمكن أن يكون الأمر سيئًا للغاية. بينما يجب أن يظل الجميع متيقظين وأن يتخذوا الاحتياطات المناسبة (مثل غسل الأيدي وتجنب الحشود) حتى تأتي المزيد من البيانات. ومن منظور علمي؛ نرى أن حالة القلق العام غير متناسبة مع المخاطر".

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا وباء

كورونا المستجد.. ثلاثية الإنسان والمال والسلطة

النرويج تلغي مناورات للناتو بسبب كورونا