قروض ميسرة وتخفيضات ضريبية.. هكذا يستثمر ترامب أزمة كورونا سياسيا

الاثنين 16 مارس 2020 09:31 م

"الأزمة تتطلب التعاون بدلا من التصرف من جانب واحد"..

بهذه الكلمات عبر بيان لرئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لايين" ورئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشال"، الخميس 12 مارس/آذار الجاري، عن استياء بروكسل من قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفرض حظر سفر من جانب واحد من وإلى دول الاتحاد الأوروبي على خلفية الاحتراز من تفشي الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19".

ولا يعود هذا الاستياء فقط إلى مضمون القرار الأمريكي، الذي من شأنه الإضرار بمصالح أوروبية، حسب تقدير قادة الاتحاد، بل إلى عدم إبلاغ بروكسل به، إضافة إلى اللغة التي تبناها "ترامب" في خطاب إعلانه للقرار، واستثنائه بريطانيا منه رغم وجود إصابات بـ"كورونا" على أراضيها.

الكثير من المراقبين لم يروا في خطاب الرئيس الأمريكي ما يدعو إلى الاطمئنان، ومنهم "سوزان جليسر"، الكاتبة في مجلة "نيويوركر"، التي عبرت، في تغريدة لها عن امتعاضها من "اللغة العسكرية والقومية في خطاب ترامب" في إشارة إلى حديثه عن مواجهة "الفيروس الأجنبي"، وضرورة "عزل أوروبا"، باعتبار أن الاتحاد "فشل في اتخاذ المحاذير ذاتها في منع السفر من الصين وبقية البؤر الساخنة".

مضمون الخطاب كذلك لم يركز على إظهار التعاطف الإنساني مع الحفاء الأوروبيين أو المصابين بقدر ما اهتم بالأضرار المادية التي يمكن أن يسببها تفشي كورونا على الأمريكيين، وهو ما عبر عنه "ترامب" بمفاخرته بالسياسات الاقتصادية التي طبقها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مشيرا إلى أن تلك السياسات ضمنت للولايات المتحدة أن تظل "أعظم اقتصاد في العالم" مؤكدا أن أزمة كورونا "ليست مالية، بل لحظة مؤقتة سنتجاوزها معا"، على حد تعبيره.

ولذا فإن قرار "ترامب"، الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الماضي، ويستمر لمدة 30 يوما، من شأنه تعقيد العلاقات بين بروكسل وواشنطن، إذ يؤثر على رحلات الملايين وعلى الأعمال التجارية.

وتضيف هذه العلاقات بعدا جديدا إلى توتر يشوب العلاقة بين واشنطن وبروكسل بالفعل على خلفية تجارية، حيث أقر "ترامب"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زيادة الرسوم الجمركية على مجموعة من البضائع المصدرة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.5 مليار دولار، بعدما أعطت منظمة التجارة العالمية الضوء الأخضر النهائي للولايات المتحدة لفرض عقوبات على الاتحاد الأوروبي، ردا على الإعانات الممنوحة لمجموعة صناعة الطائرات الأوروبية إيرباص.

وفيما يبدو، فإن التوتر الذي أحدثه فيروس "كورونا" بين أوروبا والولايات المتحدة لم يقتصر على قضية حظر السفر فحسب، حيث شهدت الساعات الماضية سجالا حادا بين مسؤوليين أمريكيين وألمان على خلفية مساعي الرئيس "دونالد ترامب" السيطرة على مشروع ألماني لإنتاج لقاح لفيروس "كورونا" تشرف عليه شركة "كيور فاك" الألمانية مقابل مليار دولار، على أن يتم منح اللقاح بشكل حصري للأمريكيين، وهو ما رد عليه وزير التجارة الألماني "بيتر ألتماير" بقوله إن ألمانيا "ليست للبيع".

فرصة انتخابية

وفيما يبدو، فإن الرئيس الأمريكي "ترامب" يرى في تفشي فيروس "كورونا" فرصة لتعزيز أجندته القومية بهدف جذب المزيد من المتعاطفين قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

فخلال حشد انتخابي استضافته قناة "فوكس نيوز"، رد "ترامب" على سؤال بشأن الضرر الاقتصادي لكورونا بحديث عن "مزايا" حظر السفر لأوروبا والعديد من الدول التي تفشى فيها الفيروس قائلا: "يمكث الناس الآن في الولايات المتحدة وينفقون أموالهم فيها.. يعجبني هذا".

وإزاء ذلك، يصف مراقبون معالجة "ترامب" للأزمة بأنها "انتخابية بامتياز"، خاصة بعدما أعلن عن نيته تقديم إعفاءات ضريبية جديدة للموظفين، وتوفير قروض ذات فوائد مخفضة للعمال في الولايات المصابة، إضافة إلى إعداد خطط لمزيد من الإنفاق الحكومي، بدعوى حماية الاقتصاد الأمريكي من الركود جراء "كورونا"، وتقديم العون للمتضررين من أزمة انتشار الفيروس.

بخلاف ذلك، أعلنت إدارة "ترامب" في 13 مارس/آذار أن فيروس "كورونا" "كارثة على المستوى الوطني" بما يعني إعلان حالة الطوارئ الوطنية التي سمحت للإدارة بتخصيص مبلغ 50 مليار دولار كموازنة عاجلة لمكافحة تفشي الفيروس.

ومن شأن تخصيص مثل هذا المبلغ إنعاش خزائن شركات الأدوية، التي يمثل ملاكها ظهيرا انتخابيا لـ"ترامب"، الذي اجتمع بمديريها مؤخرا بهدف إنتاج "علاج ومصل واق" من "كورونا" في أقرب وقت.

وفي الإطار ذاته، ثمة مؤشرات على توظيف الرئيس الأمريكي أزمة "كورونا" لإحراج خصومه من الديمقراطيين، خاصة فكرة تخفيض ضريبة الرواتب على الأفراد حتى نهاية العام الحالي، ورفع الحد الأدنى للدخل، للمساهمة في تعويض من يضطرون للتوقف عن العمل والبقاء في بيوتهم بسبب الإجراءات الرامية للحد من انتشار الفيروس.

فالديمقراطيون يرفضون المقترح على خلفية ثغرات في جدواه الاجتماعية، باعتبار أن التخفيضات الضريبية لا قيمة لها بالنسبة لمن اضطروا للبقاء في منازلهم "دون أجر" بسبب الفيروس، أو من فقدوا وظائفهم، أو من يعملون مع شركات التكنولوجيا الجديدة، لأنهم لن يحصلوا على تلك الإعفاءات، كما أن مزاياها، في حال تطبيقها، ستكون محدودة جدا لمن تقل دخولهم عن 25 ألف دولار سنويا، وهم كثيرون جدا.

من هنا جاء اتهام ديمقراطيين، بينهم "جاريد برنشتاين"، كبير المستشارين الاقتصاديين لنائب الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن"، لـ"ترامب" بالتضليل، واقتراحهم بديلا يتمثل في تقوية نظام التأمين ضد البطالة ومنح إجازات مدفوعة الأجر، مع توفير المعونات الغذائية للفئات الأكثر احتياجا.

ويقترح "برنشتاين" استمرار أصحاب الأعمال في دفع رواتب العاملين، الذين فُرض عليهم عدم الخروج للعمل للحد من انتشار الفيروس، من خلال شيكات ترسل إليهم بالبريد أو إيداعات مباشرة في حساباتهم بالبنك، على أن يتم إبلاغ الحكومة الفيدرالية بالمبالغ المدفوعة، لتعويض أصحاب الأعمال من خلال إعفاءات ضريبية أو مدفوعات مباشرة.

فيما يعمل الجمهوريون، وعلى رأسهم "ترامب"، على استغلال هذا الموقف لإظهار منافسيهم باعتبارهم عقبة أمام تأمين للمواطنين إزاء الأزمة، عبر التركيز على رفضهم المقترح دون حيثياته، ما يمثل إحراجا للديمقراطيين في الكونجرس، خاصة مجلس النواب (صاحب صلاحية تمرير المخصصات المالية)، والذي يسيطر الديمقراطيون على الأغلبية فيه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب كورونا الاتحاد الأوروبي