كورونا.. هل يتسبب بانفراجة سياسية في مصر؟

الاثنين 16 مارس 2020 02:51 م

تتعلق الآمال في مصر، بفيروس "كورونا" المستجد، لتحقيق انفراجة في ملف المعتقلين السياسيين، وسط مخاوف وتحذيرات حقوقية من تفشي الفيروس بين نزلاء السجون المكدسة.

ويقبع نحو 60 ألف معتقل في السجون المصرية، يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، وحرمان من الدواء والطعام، فضلا عن التعذيب، والتكدس داخل زنازين ضيقة، وفق تقارير حقوقية.

ويزيد من خطورة الوضع، إعلان التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (حقوقية مستقلة)، عبر حسابها على "فيسبوك"، اكتشاف حالات إصابة بالفيروس بين معتقلي سجن 430 وادي النطرون، شمالي البلاد، ما قد يفاقم الأزمة، ويجعل من تلك السجون بؤرة لتفشي المرض.

إشارات مقلقة

خلال الأيام الأخيرة، تزايدت المؤشرات الدالة على قلق السلطات من تفشي "كورنا" بين المعتقلين، لاسيما وأن السجون المصرية تحتفظ بسمعة سيئة في ما يتعلق باتباع المعايير العالمية المتعلقة بالنظافة والتعقيم ومنح السجناء حقوق التريض والرعاية الطبية.

واعتبارا من 10 مارس/آذار الجاري، قررت وزارة الداخلية المصرية "تعليق الزيارات بجميع السجون لمدة 10 أيام"، متذرعةً بأن ذلك يأتي "حرصا على الصحة العامة وسلامة النزلاء".

كذلك علقت محاكم مجلس الدولة والنقض في مصر، العمل لمدة أسبوعين؛ نظرا للظروف الطارئة التي تمر بها البلاد في مواجهة فيروس "كورونا"، ما يعني تعطيل نظر جلسات المحاكمات للمعتقلين وجلسات تجديد الحبس الاحتياطي في مئات القضايا المنظورة أمام النيابات والمحاكم.

ويأتي إعلان الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات لمدة أسبوعين، وتخصيص نحو 100 مليون جنيه مصري "حوالي 6 مليارات دولار" لمواجهة "كورونا"، ليؤكد أن البلاد بصدد الدخول في مرحلة حرجة من انتشار الفيروس. 

زنازين الموت

تكشف إفادات العديد من المعتقلين حجم المأساة في السجون المصرية، حيث يتواجد في الزنزانة الواحدة (مساحتها الإجمالية 20 مترا)، 20 فردا، وتحوي مرحاضا واحدا، بخلاف استخدام عدد كبير من المحبوسين لأدوات الطعام والشراب نفسها.

ونظرا لضيق المساحة، تعاني تلك الزنازين من تكدس كبير، وسوء تهوية، مع غياب تام لوسائل النظافة والتعقيم، وانعدام الرعاية الصحية، وسوء التغذية، إضافة إلى معاناة العديد من المعتقلين من أمراض مزمنة، ما يزيد فرص انتشار العدوى.

وتقول حملة "خرجوا المساجين" (حملة حقوقية للمطالبة بالإفراج المشروط عن المعتقلين السياسيين في مصر)، إن السجون المصرية هي الأماكن الأكثر جاهزية لأن تصبح بؤرا لا تتوقف عن نشر فيروس "كورونا" في كل ربوع البلاد.

وتؤكد 4 منظمات هي: "عدالة لحقوق الإنسان، والشهاب لحقوق الإنسان، والسلام الدولية لحماية حقوق الإنسان، وهيومن رايتس مونيتور"، في بيان، أن قرار تعليق الزيارة الصادر عن وزارة الداخلية المصرية لن يمنع انتشار المرض، لأن أسباب انتشاره تكمن بالأساس في التكدس في الزنازين وندرة وضعف الإمكانات الطبية اللازمة.

وقد ينتقل المرض من السجناء إلى الضباط والجنود والإداريين القائمين على إدارة السجون، وقد يكونون سببا في نقل الفيروس من الداخل إلى الخارج.

إيران والبحرين

ويعول أهالي المعتقلين، على أمل تكرار التجربة الإيرانية في مصر، حيث أفرجت طهران عن نحو 70 ألف سجين بسبب المخاوف من انتشار فيروس "كورونا".

وجاءت الخطوة بعد أن باتت إيران إحدى الدول الأكثر تأثرا بالمرض خارج الصين، بؤرة الوباء، مسجلة قرابة ألف حالة وفاة، وأكثر من 14 ألف إصابة.

كذلك قررت البحرين، بموجب عفو ملكي، إطلاق سراح 900 سجين، بينهم نساء وصغار في السن ومرضى، في وقت تتزايد فيه الإصابات بفيروس "كورونا" (197 إصابة) في البلد الخليجي.

ويدعو ناشطون مصريون، عبر مواقع التواصل، منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر العالمي، إلى التدخل والضغط على السلطات المصرية للاقتداء بإيران والبحرين، وإطلاق سراح المعتقلين بعفو مشروط، قبل تزايد معدلات الإصابة بالمرض.

مكاسب للنظام

إلى الآن لم تبد السلطات المصرية أي تفاعل مع تلك الدعوات، لكن تزايد معدلات الإصابة بالفيروس، ووجود تقديرات دولية تشير إلى أن عدد المصابين في مصر ربما يكون أكبر من الأرقام المعلنة، قد يجبر الأمن المصري على التعاطي بإيجابية مع الدعوات المطروحة لتحقيق انفراجة في هذا الملف.

ويمكن أن يحقق "كورنا" عدة مكاسب للنظام المصري، حال سعى لتقليد التجربتين الإيرانية والبحرينية في هذا الإطار، أولها وأهمها، أن ذلك قد يساعد مصر على تجنب الارتفاع المضطرد في عدد الوفيات والإصابات والتحول إلى دولة موبوءة.

ثانيا، يمكن أن تظهر هذه الخطوة النظام بمظهر الساعي للإصلاح السياسي في البلاد، وحلحلة أزمة المعتقلين السياسيين، المستمرة منذ الانقلاب العسكري منتصف العام 2013، وبالتالي تحسين سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان.

ثالثا، ستساعد هذه الخطوة النظام على كسب رضا شرائح كبيرة من الشارع المصري وأقارب المعتقلين الذين يبدون استياءهم من طول أمد الحبس الاحتياطي، وتوسع حملات الاعتقال العشوائي التي طالت بعض مؤيدي "السيسي" السابقين.

ومن بين المعتقلين، برلمانيون سابقون، ورؤساء أحزاب، وأكاديميون، وصحفيون، وحقوقيون، ورجال أعمال، ودعاة، وطلاب، بينهم العديد من كبار السن ممن تجاوزوا الستين من عمرهم، وممن لديهم حالات مرضية مزمنة.

ورابعا، سيوفر هذا الإجراء للنظام المصري الحاكم، ميزانية ضخمة بمليارات الجنيهات يتم إنفاقها لتشغيل وتأمين 66 سجنا في البلاد، بينها 22 سجنا جديدا جرى إنشاؤها عقب منذ يوليو/تموز 2013.

زخم سياسي

على مدار الأيام الماضية، كانت مواقع التواصل منصة لحملات عدة أبرزها "خرجوا المعتقلين"، "أنقذوا المسجون والسجان"، "حملة دعم الإنسان السجين"، "افتحوا السجون"، دون استجابة من النظام.

وفي هذا الصدد، تساءل الخبير الاقتصادي المصري البارز، "أحمد سيد النجار"، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأهرام" الحكومية السابق، بشكل صريح عبر "فيسبوك"، قائلا: "لماذا لا تفرج الدولة عن المعارضين السلميين؟ في هذه اللحظة الحرجة التي ينتشر فيها فيروس لا دواء له حتى الآن، ويكون أكثر فعالية في الأماكن المغلقة، وعلى كبار السن بالذات".

وأضاف: "آمل أن تبادر الدولة بالإفراج عن كل من تم تقييد حريتهم من السياسيين المعارضين السلميين، وكلهم قامات وطنية وإنسانية تشرف بها مصر".

كذلك دعا مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان "جمال عيد"، إلى إطلاق سراح المعتقلين، قائلا عبر "تويتر": "فيه وباء خرجوا السجناء، ليس وقت التأديب أو الانتقام من أبرياء كل جريمتهم انتماؤهم لثورة يناير أو أنهم انتقدوا وطالبوا بالديمقراطية".

وقالت الصحفية "إكرام يوسف" والدة البرلماني المعتقل "زياد العليمي"، عبر "تويتر": "كورونا لو دخل السجن مش حيفرق بين ضابط وعسكري".

وتكتسب الحملة زخما، بانضمام قوى سياسية لها، حيث دعت حركة الاشتراكيين الثوريين (يسار) إلى الإفراج الفوري عن كل المحبوسين احتياطيا، والسجناء الذين قضوا نصف المدة، بأي ضمانات آدمية تقررها المحكمة، على خلفية بدء انتشار فيروس "كورونا" المستجد.

"كورونا" إذن قد يكون ضارة نافعة، تمنح المصريين انفراجة سياسية، وتعيد للمعتقلين إلى ذويهم وأسرهم، وقبل ذلك، تنجي البلاد من وباء عالمي، لكن يبقى أن نرى كيف سيستجيب النظام لهذه الدعوات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

البرادعي يطالب بالإفراج عن المعتقلين بمصر بسبب كورونا