هل يمكن احتواء كورونا؟

الثلاثاء 17 مارس 2020 09:57 م

"تتطلب الظروف غير العادية إجراءات غير عادية".. وقد رأينا كيف حولت دولتان على الأقل -هما الصين وإيطاليا- هذا القول المأثور إلى رد حكومي رسمي على فيروس "كورونا" (كوفيد-19)، فارضة الحجر الصحي على ملايين الناس وتغييرات غير عادية في نمط الحياة.

لكن هذه الأنماط من الإجراءات لا يمكن أن تستمر إلى الأبد؛ فالشعب على استعداد لتحمل الاضطرابات الهائلة في الحياة اليومية فقط عندما يعتقد أنها ستنتهي.

أما اذا لم ير فرصة لزوال الاضطرابات في المستقبل القريب، ستنشأ اضطرابات اقتصادية وربما اجتماعية. وهذا ما يجعل سؤال "هل ينبغي احتواء  كورونا بأي ثمن؟" مهما بشكل جيوسياسي.

  • فيروس غير عادي

قبل أن نتمكن من الإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أولا الإجابة عما إذا كان "كوفيد-19" فيروسا استثنائيا، وما إذا كان من الممكن احتوائه في هذه المرحلة.

المرض الذي يسببه فيروس "كوفيد-19" غير عادي من بعض النواحي.

فهناك 4 سلالات من "كورونا" بين الـ200 سبب لنزلات البرد، لكنها ليست مميتة عادة، كان لدى النوعين الآخرين من فيروس "كورونا"؛ "سارس" و"متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، معدلات فتك عالية للغاية، لكنهما أصابا عددا أقل بكثير من الناس.

لهذه الأسباب، يشبه "كوفيد-19" نسخة قاتلة من نزلات البرد، وبالتالي هذا ما يجعله عكس أي فيروس "كورونا" آخر رأيناه.

علاوة على ذلك، فهو لا يتصرف مثل فيروسات الجهاز التنفسي النموذجية، التي يمكن أن تصيب الأطفال الصغار وكبار السن بشدة.

وإنما لفيروس "كوفيد-19" تأثير ضئيل على الأطفال (على الرغم من أنه لا يزال بإمكانه إصابتهم، ويمكن للأطفال نقله إلى الآخرين).

كما إنه من الغريب لفيروس تنفسي مثله أن يتم اكتشافه في عينات البراز؛ مما يشير إلى احتمال انتقاله من البراز عن طريق الفم.

ورغم أن جميع البشر يجب أن يكونوا معرّضين مناعيا لهذا الفيروس، إلا إنه لا ينتشر بسرعة الإنفلونزا. يستمر موسم الإنفلونزا من أكتوبر/تشرين الأول إلى مارس/آذار، وفي تلك الفترة الزمنية البالغة 5 أشهر، تصيب الإنفلونزا من 9 ملايين إلى 45 مليون أمريكي كل عام.

لكن لا يبدو أن "كوفيد-19" يتخذ هذا المسار، خاصة مع اقتراب فصل الصيف (الطقس الدافئ غالبا ما يكون مميتا لفيروسات الجهاز التنفسي.)
ففي الشهرين اللذين كان الفيروس ينتشر فيهما في أمريكا، بلغ عدد الحالات المؤكدة حوالي 3700 فقط، وحتى لو زدنا الحالات 100 مرة، فإن عدد الإصابات سيظل أقل بمرتين من الإنفلونزا.

الخلاصة هي أن العلماء لا يعرفون حقا كيف ينتشر الفيروس.

  • الاحتواء المستحيل

هل يمكن احتواء هذا الفيروس الاستثنائي؟ الإجابة على الأغلب: لا.

إن السمات البيولوجية والوبائية للفيروس تجعل ذلك مستحيلا تقريبا. تشير الأبحاث إلى أن الفيروس يكون شديد العدوى في أبكر نقطة من المرض؛ ما يعني أن الشخص يكون قد نشره بالفعل قبل ظهور الأعراض، وبمجرد أن يشعر الشخص بالوهن الكافي الذي يبقيه في المنزل، يكون الأوان قد فات.

الأسوأ من ذلك أن الأشخاص المصابين، لكن بدون أعراض يمكن أن ينشروا الفيروس أيضا. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 80% من حالات "كوفيد-19" خفيفة أو عديمة الأعراض؛ مما يؤكد عدم الجدوى المحتملة لتدابير الاحتواء.

الطريقة الوحيدة لوقف الفيروس الذي يمكن أن ينتشر خفية هكذا هو إجبار كل شخص على وجه الأرض على البقاء في المنزل لمدة الـ14 يوما القادمة، وهي المدة الزمنية اللازمة للحجر الصحي، بناءً على فترة حضانة الفيروس.

ليس لدى المسؤولين الحكوميين الكثير من الخيارات لحماية السكان، يمكنم أن يتخذوا رد فعل متطرف بتجاهل الأمر برمته، وسيؤدي ذلك إلى انتشار الفيروس على نطاق واسع وبالتالي لا يعد هذا خيارا سياسيا أو اجتماعيا قابلا للتطبيق.

رد الفعل المتطرف الآخر هو "إلغاء كل شيء". هذا سيمنع بالتأكيد الحالات الجديدة، ومع ذلك، ففي حين أن المخاوف الصحية والمخاوف من وجود فيروس جديد قد تسمح بجعل ذلك مقبولا اجتماعيا لفترة من الوقت، إلا أنه لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

قد يقبل الناس الدمار الاقتصادي باعتباره نتيجة ضرورية لوقف الجدري مثلا، وهو مرض أدى إلى مقتل 30% من الأشخاص المصابين به، لكن "كوفيد-19" ليس مميتا بالقدر ذاته.

التهديد الأكبر هو للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 سنة وما فوق أو أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية كامنة.

لكن الناس قلقون أيضا بشأن أجورهم وحساباتهم المصرفية والتقاعدية، وقد يقررون أن الحياة بحاجة إلى العودة إلى طبيعتها.

  • نهج التخفيف منطقي أكثر

مع أخذ ذلك في الاعتبار، فهناك نهجان عامان يمكن اتخاذهما عند مواجهة مرض معدٍ ناشئ: الاحتواء أو التخفيف.

يسعى الأول إلى منع الفيروس من الانتشار، وفي النهاية القضاء على الوباء، وهو منهج قابل للتطبيق وربما ناجح مع أمراض مثل الإيبولا التي يصعب نسبياً نقلها وتخلق مرضى يعانون من أعراض لا لبس فيها.

أما نهج التخفيف فيقر بأنه لا يمكن إيقاف الفيروس، ويبحث عن طرق لتقليل تأثيره على الصحة العامة، وتُستخدم هذه الاستراتيجية عندما لا يكون الاحتواء قابلا للتطبيق.

إجراءات التخفيف هي عنصر مهم في "تسطيح منحنى الوباء"؛ حيث لا يكون الهدف بالضرورة تقليل عدد الإصابات الكلية رغم أن ذلك سيكون تأثيرا جانبيا لطيفا.

وبدلا من ذلك، فإن الهدف هو كسب الوقت عبر إبطاء انتشار المرض حتى لا يكون نظام الرعاية الصحية مثقلا بالمرضى كما حدث في ووهان.

ففي نهاية المطاف، لا يمكن للمريض الاستفادة من الرعاية الطبية إلا إذا كان هناك ما يكفي من أسرة المستشفيات والإمدادات، وهذا بدوره يقلل من معدل موت الحالات.

بالنظر إلى السمات البيولوجية والوبائية للفيروس الموصوفة أعلاه، فإنه إلى جانب أكثر من 150 ألف حالة مؤكدة، ناهيك عن مئات الآلاف من الحالات الأخرى التي لم يتم تشخيصها، تعد فكرة أن الفيروس لا يزال قابلا للاحتواء بعيدة المنال.

قرار الولايات المتحدة بحظر الرحلات الجوية من أوروبا هو تكتيك احتواء لن يسفر عن نتائج عملية تذكر لأن الفيروس ينتشر بالفعل في الولايات المتحدة، كما لا تزال هناك رحلات دولية أخرى تدخل الولايات المتحدة يمكن للأوروبيين استخدامها للدخول.

ونظرا لانتشار الفيروس حتى الآن، والضربات الاقتصادية التي تم تكبدها، وجميع العوامل الأخرى غير المعروفة المتعلقة بطبيعة الفيروس، يبرز نهج التخفيف باعتباره أكثر طرق العمل قابلية للتطبيق، والتي تسمح بالتوازن المناسب بين الصحة العامة والاحتياجات الاقتصادية.

المصدر | اليكس بيريزو/ جيوبوليتيكال فيوتشر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مكافحة كورونا

بحزمة حوافز.. مصر تدعم قطاع الصناعة في مواجهة كورونا

دراسة جديدة تحذر من احتمالية انتقال كورونا عبر الهواء