5 خيارات أمام دول الخليج للتعامل مع انهيار أسعار النفط

الجمعة 20 مارس 2020 05:57 م

يضع انهيار أسعار النفط إلى متوسط 25 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ 18 عاما، دول الخليج في مأزق صعب، وعجز كبير سيطال موازنات الأعوام المقبلة.

وعلى الرغم من انضمام الإمارات إلى السعودية في ما يعرف بـ"حرب النفط" ضد روسيا، فإن الأمور تتجه إلى إلحاق ضرر فادح بجميع الأطراف، حيث يقبع السعر العادل اللازم لتوازن موازنات تلك الدول فوق مستوى 70 دولارا لكل برميل من النفط.

لكن بعد انهيار اتفاق "أوبك+" مع روسيا، المعني بخفض إنتاج النفط، وقرار السعودية خفض أسعار منتجاتها النفطية، وزيادة إنتاجها إلى 12 مليون برميل يوميا، وقرار الإمارات برفع إنتاجها اليومي إلى 4 ملايين برميل، فإن النفط فقد قرابة نصف قيمته خلال 10 أيام فقط تقريبا.

ويعني ذلك أن دول الخليج، التي تعتمد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، سوف يكون عليها اتخاذ إجراءات صعبة وغير تقليدية للتعامل مع الصعوبات المالية.

خفض الإنفاق

وكانت المملكة العربية السعودية أسرع الدول استجابة للانهيار السريع للأسعار. وظهر ذلك في قرار الحكومة السعودية بخفض في الإنفاق بنحو 50 مليار ريال (13.3 مليارات دولار)، ما يمثل نحو 5% من إجمالي النفقات المعتمدة في ميزانية لعام 2020.

ويضغط الإجراء على الموازنة السعودية، وسط توقعات بمراجعة بنود النفقات، وربما اتخاذ قرارات تقشفية جديدة تمس المواطن السعودي.

وعلى الرغم من إعلان وزير المالية السعودي "محمد الجدعان"، أن القرار يأتي ضمن تدابير مالية تحوطية لمواجهة الآثار الناتجة عن تفشي "كورنا"، فإن تداعيات انهيار أسعار النفط تبدو هي الأساس وراء القرار.

مستقبلا، ربما تضطر المملكة إلى تأجيل بعض مشروعات البنية التحتية، وربما إلغاء بعضها، في ظل عجز متوقع في موازنتها لعام 2020 يصل إلى 16.1% على أساس متوسط أسعار للنفط يبلغ 40 دولارا للبرميل.

وفي حال استقرت أسعار النفط عند متوسط الأسعار 30 دولارا للبرميل، فإن العجز سيقفز إلى 22.1%، بواقع 170 مليار دولار، وفقا لتوقعات شركة "أرقام كابيتال".

وكان من المتوقع أن يصل إجمالي العجز في موازنات الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 158 مليار دولار في العام الحالي، وفق تقديرات كويتية صادرة عن مركز الكويت المالي، لكن الانهيار المستمر في أسار النفط سيضاعف من هذا العجز.

الاتجاه للاقتراض

تفيد تقديرات ائتمانية، بأن الأوضاع المالية ستضعف في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، ما يجعل اللجوء إلى الاقتراض أحد الخيارات البديلة، والتي بدأ تفعليها على أرض الواقع.

وتعد السعودية أكثر دول الخليج لجوءا إلى أسواق الدين خلال الأعوام الخمسة الماضية، لسد العجز في ميزانياتها بسبب انهيار أسعار النفط.

ومنذ العام 2014 استدانت السعودية من الخارج بما يتجاوز 100 مليار دولار مستفيدة من انخفاض أسعار الفائدة العالمية، ليبلغ الدين العام للسعودية 25% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وفي مطلع العام الحالي، طرحت سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار بهدف سد عجز الموازنة، ومن المتوقع أن نرى طروح ديون أخرى خلال الأشهر المقبلة حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض.

وتقترب دبي من الحصول على قرض بقيمة 9 مليارات دولار، بدعم من مجموعة تضم 10 بنوك، من أجل السيطرة بالكامل على أسهم شركة موانئ دبي العالمية لتشغيل الموانئ.

وتجري البحرين محادثات مع بنوك للحصول على قرض بقيمة مليار دولار تقريباً بعد تعليق خطط البلاج لإصدار سندات دولية بسبب الأوضاع السيئة بالسوق وارتفاع قيم الفائدة، وفق "رويترز".

وتسعى مؤسسة البترول الكويتية(حكومية)، لاقتراض 11 مليار دولار، لتمويل مشاريع، على أن يكون 50% منهات من البنوك المحلية، و50% مـن مؤسسات مالية خارجية.

بينما لا تزال قطر تتمتع بفائض في الموازنة، مع الأخذ في الاعتبار أن اقتصادها يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي المسال، الذي لم يشهد نفس الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط.

وقد تصل حدود الاقتراض في دول الخليج الست، وفق توقعات اقتصادية -غير رسمية- إلى حاجز 390 مليار دولار خلال 2020 لتمويل العجز في موازناتها في ظل الانخفاض الحاد في أسعار البترول.

استنزاف الاحتياطيات

وفق تقديرات مصرف "غولدمان ساكس"، فإن الفائض النفطي في السوق سيبلغ 6 ملايين برميل يوميا الشهر المقبل، وهو مستوى غير مسبوق، قد يدفع ببرمل النفط إلى مستوى 20 دولارا، وربما أقل من ذلك.

وتستطيع قطر والإمارات (تمتلكان صناديق سيادية ضخمة)، تحمل تراجع أسعار النفط لفترة أطول، نظرا لتمتعهما بوسائل حماية مالية أكبر من السعودية، بحسب الباحثة "مونيكا مالك" من بنك أبو ظبي التجاري.

وسيفرض خيار السحب من الاحتياطي نفسه على طاولة صانع القرار السعودي، مع تعرض اقتصاد البلاد لخسائر فادحة حال استمرت أسعار النفط على وتيرتها لعدة أشهر.

يؤكد ذلك وزير الطاقة والصناعة القطري السابق "عبدالله بن حمد العطية"، قائلا في تصريح صحفي لـ"الجزيرة"، إن حرب الأسعار الحالية في سوق النفط العالمية ستؤدي إلى تبخر احتياطيات الدول المنتجة للنفط من النقد الأجنبي.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن تراجع أسعار النفط ما بين 2014 و2018 أفقد دول الخليج 300 مليار دولار من ثرواتها المالية، بحسب صنوق النقد الدولي. 

وربما تجف الثروات المالية الحالية التي تتمتع بها دول الخليج (نحو 700 مليار دولار) خلال الـ 15 عاما المقبلة، إذا بقي النظام المالي فيها كما هو عليه الآن، بحسب الصندوق.

خطط تقشفية

ويتمثل الخيار الرابع المتاح خليجيا لاحتواء تداعيات انهيار أسعار النفط، في زيادة الضرائب، وخفض الدعم الحكومي، ورفع أسعار الطاقة، وغيرها من الإجراءات الجبائية.

كذلك قد تتجه دول الخليج إلى تقليص الوظائف العامة وخفض الرواتب في القطاع العام التي تعد عالية بالمعايير الدولية، وتسريح العمالة الوافدة، وتحجيم طلبات التوظيف، واتخاذ العديد من الإجراءات الانكماشية خلال الفترة المقبلة.

لكن تلك الإجراءات تواجه معضلة ثانية تتمثل في تفشي فيروس "كورونا" وتداعياته السلبية على قطاعات السفر والسياحة والضيافة والترفيه، ما اضطر حكومات الخليج إلى تقديم حزم دعم مالية لتنشيط اقتصاداتها.

تنويع الاقتصاد

خامسا، وبموازة ذلك، تبدو الحاجة ملحة في دول الخليج إلى تسريع الإصلاحات المالية، وتنويع الاقتصاد، والتوسع في صناعة الأنشطة والخدمات كبديل اقتصادي، والانتقال سريعا إلى مرحلة ما بعد النفط.

وتنفذ العديد من دول الخليج فعليا حزمة إصلاحات اقتصادية، تتضمن بيع حصص في شركات حكومية كبرى، وفتح الباب أمام الاستثمارات لتطوير الأصول غير المستغلة مثل الأراضي والثروات المعدنية، فضلاً عن تحويل أجزاء من منظومة الرعاية الصحية الحكومية إلى شركات تجارية، وتطوير قطاعات الصناعة والسياحة والتجزئة والطيران.

لكن وفق خبراء اقتصاد، فإن تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتطبيق مثل تلك الإصلاحات الصعبة يحتاج لمزيد من الوقت، وقد يستغرق جني ثمارها عدة عقود. 

وفي ضوء استمرار حرب النفط، واحتمال هبوط الأسعار إلى ما بين 15 و20 دولارا، يمكن القول إن تلك الآحلام والطموحات والمشروعات والخطط المستقبلية ستذهب أدراج الرياح.

ورغم ذلك، سوف تستمر لعبة "عض الأصابع" بين كبار منتجي النفط في انتظار من يصرخ أولا، ومن يستطيع الصمود لأطول فترة ممكنة، ومن يملك الخيارات البديلة لتعويض انهيار الايرادات النفطية، قبل أن تضطر كل الأطراف في النهاية إلى الاحتكام لطاولة التفاوض مددا بحثا عن طوق نجاة للجميع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خفض إنتاج النفط يلوح بالأفق.. واشنطن ترسل ممثلا للسعودية

مستقبل تنويع اقتصادات الخليج في ظل كورونا وحرب النفط

موديز: استمرار صدمات النفط يقوض اقتصاد الدول الخليجية

روسنفت: أوبك لم تعد مسيطرة أسعار النفط