تقييم الأداء الإستراتيجي للولايات المتحدة في عهد إدارة باراك أوباما

السبت 8 أغسطس 2015 07:08 ص

التطورات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت خلال فترة رئاسة أوباما، التي يمكن وصفها بالفترة العاصفة للولايات المتحدة الامريكية، نظراً لحجم التغيرات والتهديدات التي مستها، بشكل مباشر او غير مباشر، والتي تتمثل بالأزمة المالية عام 2008 وازمة اليورو، التي عصفت بالقارة الاوروبية والمحادثات مع الجانب الايراني، بخصوص البرنامج النووي الايراني.

وأحداث الربيع العربي، التي أطاحت بحكومات عديدة في الشرق الأوسط، وأدت الى ظهور الصراعات الدولية في سوريا وليبيا والعراق، واستراتيجية الضربات الجوية بدون طيار وفضح وثائق ويكيليكس، وازمة الجاسوس الامريكي إدوارد سنودن، والازمة الاوكرانية والعودة المرتقبة للقوات الأمريكية إلى العراق. كل هذه الاحداث فرضت علينا ان نقيّم بشكل جزئي الاداء الاستراتيجي الامريكي بخصوص شكل القوة المتبعة في الازمات، فضلاً عن حجم التأثير الامريكي في السياسة الدولية، ولكن قبل الولوج لموضوع تقييم الاداء يجب علينا ان نتطرق الى دراسة التقييم الاستراتيجي للإدارة اوباما، من منظار البيئة الدولية، فمن المعروف عند تقييم اي اداء استراتيجي يأخذ على عاتقه تقييم الاداء في البيئة الداخلية، فضلاً عن تقييم البيئة الدولية، ولكن حسب مقتضيات الحالة سوف نتناول تقييم الاداء على الصعيد الدولي فقط، فإدارة اوباما يمكن اعتبارها نموذجا فريدا يستحق التأمل، نظراً لحجم تأثير الاستراتيجية المستخدمة، كما يمكن القول ان استراتيجية أوباما اكملت الطرق لحروب الهيمنة التي سار عليه معظم الرؤساء الأمريكيين، ولكن بأسلوب مختلف ووسائل جديدة، يمكن وصفها بالفعالة، ومن خلال ما سبق يمكن دراسة تقيم الاداء الاستراتيجي كما يلي:

1 ـ تقييمه من منظار تحقيق الاهداف المنشودة، عندما نتحدث عن الاداء الاستراتيجي لإدارة اوباما يجب ان نشير الى دقة تنفيذ الاهداف الاستراتيجية، ففي فترة ولاية اوباما الاولى يمكن القول ان الاهداف التي أعلنتها الادارة، خصوصاً مسألة سحب القوة من العراق وافغانستان، وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الاسلامي قد نجحت، كما انها افلحت في اعادة التوازن في شرق اسيا بعد ان شعرت بأن النفوذ الصيني لا يمكن احتواؤه الا من خلال الوجود ومزاحمته في تلك المنطقة، كما انها افلحت في تحويل مسار تنفيذ الاهداف من وسائل صلبة تتخذ القوة العسكرية وجهاً لها الى وسائل ناعمة وذكية تقوم على اساس رضى الشعوب بها (استعمار العقول).

اما في ولاية اوباما الثانية فيمكن قياس مؤشر تحقيق الاهداف الامريكية من خلال وسائل جديدة تختلف عن سابقتها، ضمنت بدورها كفاءة عليا في تحقيق الاهداف، فمن خلال وسائل الحرب بالإنابة وفتح اكثر من جبهة حرب في العلاقات الدولية، تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق الاهداف المنشودة، أما على صعيد الشرق الاوسط فتمكنت الادارة الامريكية من تحقيق مكاسب استراتيجية تتمحور حول دفع النفوذ الايراني من العراق وسورية جزئيا، فضلاً عن تحجيم الوجود الروسي الصيني في سوريا.

اما في ما يخص الريادة والتربع على الهرمية الدولية، فإدارة اوباما تدرك جيداً صعوبة الحفاظ على هذا الوضع على خلفية التركات الثقيلة التي ترتبت على الحروب الامريكية، وانتكاسة الاقتصاد الامريكي، ولكن رغم هذه المعرقلات نجحت الادارة الامريكية في تحسين مكانة امريكا من خلال اتباع استراتيجيات تتخذ على عاتقها الهجوم الدائم، وهو ما شهدناه في الازمة الاوكرانية والصراع الامريكي الصيني في شرق آسيا، وبالتالي يمكن القول إن ادارة اوباما افلحت في تحقيق الاهداف المنشودة بشكل كبير رغم الصعوبات الكبيرة، من خلال تبنيها وسائل وادوات جديدة في تنفيد استراتيجيتها الكونية.

2 ـ تقييم الاداء من منظار فعالية الوسائل المستخدمة

عند وصول ادارة اوباما الى السلطة كانت اولى شعاراتها تغييرا جذريا في وسائل الاستراتيجية التي تتخذ على عاتقها تحقيق الاهداف، فاتجهت ادارة اوباما الى استخدام وسائل جديدة من اجل تحقيق اكبر قدر من الاهداف بأقل قدر من التكاليف، فعمدت إلى استخدام وسائل القوة الناعمة والقوة الذكية التي اجمع علماء الاستراتيجية على انها ذات كفاءة عليا في واقع البيئة الدولية الحالية، فاستخدام القوة المفرطة المباشرة في الوقت الحاضر لا جدوى منها في تحقيق الاهداف، على اعتبار ان استخدام القوة العسكرية يمكن ان يحقق تقدما على الارض عسكرياً فقط، ولكن سياسيا واستراتيجيا لا يمكن ان يحقق اهدافا عينية.ان الوسائل الجديدة في تنفيذ الاستراتيجية الامريكية يمكن وصفها بالفاعلة فمن خلالها استطاعت الادارة الامريكية تحقيق اكبر قدر من اهدافها، من دون الانغماس المباشر في بعض ميادين السياسة الدولية، بالإضافة الى الصراعات الدولية والازمات، كما مكنتها من ادارة بعض الصراعات عن بعد وبالتالي احتفظت الادارة الامريكية بخصوصيتها تجاه بعض الملفات الدولية التي توصف بالحساسة كبعض الازمات في العالم الاسلامي.

3 ـ تقييم الاداء من منظار الكفاءة الاستراتيجية المرسومة

عند تقييم اي اداء يجب التطرق الى الاطار الاساسي الذي ينطلق منه أي اداء بمعنى الاستراتيجية والتقويم الاستراتيجي، فعند تقييم الاستراتيجية الامريكية في عهد ادارة اوباما يجب علينا تقييم الفكر الاستراتيجي الامريكي، وبالخصوص عراب الاستراتيجية جوزيف سي ناي، بفضل أفكاره التي فتحت آفاقا جديدة للحرب والصراعات بين القوى الدولية، وبالخصوص القوى الكبرى، كما نجحت الولايات المتحدة بفضل الدهاء الاستراتيجي لمفكريها، الذين ساهموا بإعطاء نموذج جديد للإدارة الدولية فضلاً، عن وسائل جديدة تبنتها الادارة الامريكية من اجل ديمومتها على الهرمية الدولية. فتقويم الاداء الاستراتيجي الامريكي ينصب على جملة من الاعتبارات الداخلية والخارجية التي ساهمت بنجاح هذه الاستراتيجية واهمها:

أ ـ طبيعة البيئة الدولية 

ب ـ ريادة الفكر الاستراتيجي الامريكي

ج ـ نجاح القادة المكلفين بتنفيذ هذه الاستراتيجية

د ـ الصياغة الجديدة للاستراتيجية التي تعد الأولى من نوعها في مجال الشكل والمضمون 

ه ـ طبيعة الوسائل المستخدمة التي اثبتت كفاءة في تحقيق الاهداف المرجوة.

4 ـ تقييم الاداء من منظار التخطيط المستقبلي

يعد المستقبل الاستراتيجي ركنا من اركان اي استراتيجية امريكية تصاغ، بغض النظر عن طبيعة الادارة الامريكية التي تنفذها وتوجهاتها الاستراتيجية، حيث عرفت الاستراتيجية على مر عقود بأنها مع كل صياغة توضع هناك مشاريع مستقبلية تعتمد على استقراء الاوضاع من اجل توظيف الامكانيات لمواجهة اي طارئ، فضلاً عن ان استقراء المستقبل ووضع سيناريوهات محتملة بدورها توفر للقائم على تنفيذ الاستراتيجية حرية العمل، وبدورها توفر مجالا واسعا للمناورة من اجل معرفة افاق العمل المطلوب، فإدارة اوباما عمدت إلى وضع استراتيجية بعيدة المدى تقع على عاتقها اهداف بعيدة المدى، ومن هذه الاهداف استراتيجية سحب القوات الامريكية من العراق وافغانستان، فضلاً عن وسائل مستقبلية اخرى، وبالتالي يمكن القول إن ادارة اوباما نجحت وستنجح في تنفيذ الاستراتيجية المستقبلية المرسومة على اعتبارات عدة اهمها:

أ ـ الامكانيات العالية

ب ـ كفاءة الادارة القائمة عليها

ج ـ وسائل جديدة للتنفيذ

د ـ دقة في التنفيذ

هـ ـ الالتزام بالوقت

وبناء على ما تقدم، جاءت الادارة الجديدة بقيادة الرئيس بارك اوباما بسياسة جديدة تحمل في طياتها وسائل واستراتيجيات تهدف الى معالجة الاثار الناجمة عن سياسات الادارة السابقة، والعمل على تحقيق المصالح الامريكية في الخارج من خلال العمل على تحسين صورتها في العالم، ودعم حركات التغير والابتعاد عن صراع الاديان الذي تحدث عنه الرئيس السابق جورج بوش (الابن)، وتوظيف الدول الاقليمية، للقيام بأدوار اقليمية من اجل تنفيذ المصالح الامريكية في العالم.

 

٭ علي زياد باحث عراقي في الشؤون الدولية

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة إدارة أوباما أزمة 2008 المالية أزمة اليورو أوروبا إيران الربيع العربي الشرق الأوسط سوريا ليبيا العراق

التدخل الروسي يسلط الضوء على التردد الأمريكي تجاه سوريا