الوجه الآخر لكورونا.. كيف يفرض هدنة إجبارية على الصراعات الدموية؟

الثلاثاء 24 مارس 2020 06:00 م

لم تكن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" إلى وقف إطلاق النار فورا في جميع أنحاء العالم؛ لمواجهة تفشي وباء "كورونا" سوى انعكاس لتأثير الوباء العالمي على أنشطة الجيوش، وتحركات أمراء الحرب في جميع أنحاء العالم.

وربما يكون الوجه الإيجابي للوباء الفتاك (قرابة 17 ألف وفاة ونحو 400 ألف مصاب) هو تأثيراته الإيجابية على ساحات الحروب؛ حيث تميل العديد من النزاعات الطويلة الأمد إلى الدخول في مراحل جمود أو "هدنات إجبارية" بسبب مخاوف تفشي الوباء.

  • "كورونا" و"حفتر"

في لييبا، توالت الدعوات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والجزائر وتونس وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة إلى إعلان "وقف فوري وإنساني" للقتال؛ بسبب فيروس "كورونا".

ودعا بيان مشترك، الأطراف الليبية إلى وقف النقل المستمر لجميع المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى ليبيا من أجل السماح للسلطات المحلية بالاستجابة لتحدي الصحة العامة غير المسبوق الذي يشكله الفيروس.

وشكلت المتغيرات الجديدة إحراجا سياسيا لـ"حفتر" الذي أعلن عبر متحدثه الرسمي "أحمد المسماري" أنه "يدرس دعوات دولية وشعبية لوقف فوري للقتال في العاصمة طرابلس، وإفساح المجال لمواجهة فيروس كورونا المستجد".

في مقابل ذلك، رحبت حكومة "الوفاق" (معترف بها دوليا) بتفعيل فوري لهدنة إنسانية تمكن السلطات الليبية من الاستجابة الفورية لخطر انتشار الفيروس.

ويهدد الفيروس قوات "حفتر" التي تضم مرتزقة أجانب من جنسيات أخرى؛ ما يزيد من فرص انتقال الوباء إلى صفوفها، مع عدم توافر الإمكانات الصحية اللازمة لمواجهة ذلك.

والثلاثاء الماضي، أعلن "المسماري"، في تدوينة له على "فيسبوك"، أنه سيدخل الحجر الصحي لمدة أسبوعين، رفقة الفريق المصاحب له، بعد عودته من مصر.

وعلى الرغم من وجود مناوشات على أطراف طرابلس، ومحاولة "حفتر" استغلال انشغال حكومة "الوفاق" وأجهزتها في مواجهة "كورونا"، فإن تمدد الفيروس إلى جميع دول الجوار (مصر، تونس، الجزائر، المغرب)، والضفة الشمالية المقابلة من المتوسط (فرنسا، إيطاليا)، يؤثر على حجم الدعم الذي كان يتلقاه قائد قوات الشرق الليبي من عواصم عدة، وقد يسبب له مشاكل لوجيستية كثيرة.

ويبدو أن "حفتر" سيكون مضطرا للرضوح لـ"هدنة كورونا"، والسماح بتقديم المساعدات الإنسانية، وإتاحة المجال لمنظمة الصحة العالمية للعمل دون عوائق، وربما توقف عمليات العسكرية حال طال الوباء قواته.

  • حرب اليمن

ومن ليبيا، إلى اليمن؛ حيث طالب القيادي البارز في جماعة أنصار الله، "محمد علي الحوثي"، الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتدخل لوقف العمليات العسكرية في اليمن؛ للتفرغ لمواجهة وباء "كورونا"، مرحبا بدعوة "جوتيريش" لوقف إطلاق النار.

وقال "الحوثي"، عبر "تويتر": "‌وباء ‎كورونا يجتاح العالم مهددا البشرية. ندعو مجلس الأمن وجوتيريش لمنع القوى المعتدية من مواصلة عدوانها على الشعب اليمني وفك الحصار عنه".

وأشار "الحوثي" إلى أنه أجرى اتصالا بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن "مارتن جريفيث"، وبحث معه انتشار "كورونا".

 ويحظى اليمن بوضع خاص، على اعتبار أن تفشي "كورونا" قد يدفع بالبلاد إلى كارثة إنسانية، مع انتشار الكوليرا وحمى الضنك وأوبئة أخرى منذ بداية الحرب، قبل أكثر من 5 سنوات.

وفي تنازل لافت، دعا وزير الدولة في الحكومة الشرعية "عبد الرب السلامي" إلى تشكيل خلية مشتركة من وزارة الصحة في حكومته وسلطات الحوثيين في صنعاء، وذلك برعاية منظمة الصحة العالمية؛ لمواجهة "كورونا".

وتشهد جبهات القتال، خلال الشهر الجاري، تراجعا في حدة العمليات العسكرية، والهجمات الصاروخية، من كلا الطرفين، مقارنة بالحال في فبراير/شباط الماضي.

وربما تكون هناك مناورات سياسية لاستغلال "كورونا" في تعزيز جبهات بعينها، أو معالجة ثغرات ميدانية، أو نقل إمدادات سلاح لمواقع قتالية، لكن استمرار الأزمة من المرجح أن يدفع "الحوثي"، وكذلك التحالف العربي بقيادة السعودية، لاتخاذ تدابير صحية تحول دون تحول اليمن إلى بؤرة للوباء، وربما التوصل إلى تفاهمات حول هدنة برعاية أممية.

  • العراق وأفغانستان

فرض تحدي "كورونا" على التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، بقيادة الولايات المتحدة، القيام بعملية سحب وإعادة تمركز لقواته في العراق.

وقالت "قوة المهام المشتركة"، في بيان، إن "التحالف يقوم بإعادة تمركز لقواته في العراق لسببين، أحدهما فيروس كورونا، والثاني هو توفير حماية أفضل للقوة".

وأعلن المتحدث باسم التحالف الدولي، الجنرال الأمريكي "مايلز كاجنز"، أن انسحاب التحالف من قاعدة القائم العسكرية (غرب)، يأتي ضمن خطة "إعادة تمركز القوات في عدد قليل من القواعد الصغيرة".

كذلك، أوقف التحالف جميع عمليات التدريب؛ للحد من تفشي الفيروس مع إعادة بعض القوات التي تركز على المهام التدريبية إلى بلدانها خلال الفترة المقبلة.

وعلقت القوات الأمريكية في العراق جهود التدريب لمدة 60 يوما كإجراء احترازي بسبب الوباء العالمي، بينما قررت المملكة المتحدة إعادة بعض قواتها إلى البلاد.

وفي أفغانستان، فرض الوباء سلسلة من القيود على حركة القوات الأمريكية هناك، مع إجراءات لعزل الأفراد الذين ظهرت عليهم أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، وعقد الاجتماعات عبر الوسائل التقنية.

وقد يدفع الوباء إلى تسريع خطط الانسحاب الأمريكي، وخفض مستوى القوات في أفغانستان إلى 8600 عنصر، وهو جانب رئيسي من اتفاق أبرمته الولايات المتحدة مع حركة "طالبان"، الشهر الماضي.

  • تنظيم الدولة والموساد

وحتى التنظيمات المسلحة المتمردة مثل تنظيم "الدولة"، غيرت من استراتيجيتها تحت ضغط "كورونا"؛ حيث دعا الأخير مقاتليه إلى تجنب المدن الأوروبية في الوقت الحالي؛ خوفا من إصابتهم بالفيروس.

ووجه التنظيم تحذيرات لأعضائه من السفر إلى أوروبا التي سماها بـ"أرض الوباء"؛ وذلك لتقليل خطر التعرض للمرض القاتل الذي وصفه بـ"الطاعون"، في ظل صعوبة الحصول على العلاج من الدول أو المنظمات الدولية حتى في حال توفره.

استخباراتيا، فرض جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" قيودا على عملياته، بتأجيل أو إلغاء العديد من مهامه الأمنية الاستخبارية، حسب مجلة "إسرائيل ديفينس" للعلوم العسكرية.

وقال الخبير الإسرائيلي "عامي روحكس دومبا" إن انتشار "كورونا" قد يترك تأثيره السلبي على الشبكات التجسسية للموساد المنتشرة في البلدان الموبوءة؛ نتيجة تعليق حركة الطيران، وإغلاق المنافد البرية، وإجراء عمليات تفتيش وفحص واسعة النطاق، قد تطال عملائه، الذين قد يقعون أيضا تحت طائلة الحجر الصحي.

وتخشى تل أبيب من إمكانية وفاة عدد من العملاء بسبب الفيروس؛ ما يعني فقدان مصادر معلوماتية سرية حول العالم، وأن سنوات من العمل السري قد تذهب هباء في لمح البصر.

إضافة إلى تلك المتغيرات، هناك تراجع ملحوظ في العمليات العسكرية بسوريا، وسط مخاوف من تفشي الفيروس بين اللاجئين السوريين على الحدود التركية من جانب، وتفشيه في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام "بشار الأسد"؛ بسبب وجود الميليشيات الإيرانية، من جانب آخر.

وللمرة الأولى منذ سنوات، يتوقف الجيش الإيراني عن بث مقاطع فيديو دعائية عن صواريخ جديدة أو مناورات عسكرية بعد أن بات منشغلا بمكافحة الفيروس الذي تفشى بشكل كبير في مختلف المدن الإيرانية.

كذلك، ألغى الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي مناورات "جونيفر كوبرا" والتي تجرى كل سنتين لمدة 10 أيام خشية تفشي "كورونا".

في ضوء ذلك، ربما يكون لـ"كورونا" وجه إيجابي، في ايقاف عجلة الحروب حول العالم، وفرض هدنة إجبارية، ووقف فوري لإطلاق النار، يسمح بتكاتف إنساني لمواجهة الوباء، وإنقاذ ملايين البشر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا فيروس كورونا تداعيات كورونا