كورونا فرصة حكومات الشرق الأوسط لقمع الصحافة وحرية التعبير

الأربعاء 8 أبريل 2020 06:53 م

استجابت الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لجائحة "كوفيد-19" ليس فقط بمكافحة العواقب الصحية ولكن أيضًا بتقييد الحريات الفردية، خاصة أنها أتت بعد خفوت احتجاجات ضخمة مناهضة للحكومات هزت في وقت سابق دولًا مثل الجزائر ولبنان والعراق.

واتخذت الحكومات إجراءات صارمة خاصة على الصحفيين وغيرهم ممن يقومون بالإبلاغ عن انتشار فيروس "كورونا" المستجد وتوفير المعلومات عنه.

صرحت "كورتني رادش"، مديرة "لجنة حماية الصحفيين"، وهي منظمة مراقبة أمريكية، في بيان صحفي في 26 مارس / آذار، أن هناك "حالات من استخدام السلطات للأزمة كذريعة لقمع الصحافة الناقدة".

شهد عدد من البلدان ارتفاعًا في اعتقالات الصحفيين الذين يكتبون عن جائحة "كوفيد-19"، وسنت العديد من الدول قوانين جديدة تجرم نشر معلومات كاذبة ومضللة.

استهداف الصحفيين وغيرهم

في 17 مارس/ آذار، أعلن مركز الاستعلامات التابع للحكومة المصرية أنه سيلغي أوراق اعتماد مراسلة صحيفة "الجادريان"، "روث مايكلسون" بسبب التغطية النقدية لتفشي "كوفيد-19" ومنشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وطالب المسؤولون المصريون "الجارديان" بالتراجع والاعتذار.

وأكدت "الجارديان" أن إلغاء اعتماد "روث" وطردها من مصر كان رداً على تقرير كتبته في 15 مارس / آذار يشير إلى أن الأرقام الفعلية لإصابات "كوفيد-19" قد تكون أعلى من الإحصائيات الرسمية للحكومة.

هددت السلطات المصرية أيضًا بطرد صحفيي "نيويورك تايمز"، على خلفية الأمر ذاته.

تدهورت حرية الصحافة والحريات المدنية الأخرى في مصر بشكل كبير منذ الانقلاب العسكري عام 2013، الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد.

واعتقلت السلطات 21 شخصاً على الأقل بتهمة نشر "شائعات كاذبة" واحتجزت لفترة وجيزة أفراد عائلة الصحفي المسجون "علاء عبدالفتاح" الذين طالبوا بالإفراج عنه في ظل تفشي المرض، كما أعلنت السلطات فرض حظر تجول إجباري لمدة أسبوعين، وسيخضع المخالفون للغرامات والسجن.

في تركيا، تم اعتقال سبعة صحفيين واستجوابهم بشأن مصادرهم حول فيروس "كورونا"، وفقًا لمجموعة محلية لمراقبة وسائل الإعلام.

أما الأردن، فقد حدّت من عدد الصحفيين المسموح لهم بالكتابة عن الأمر، قبل أن تسجل حتى أي حالة وفاة بالفيروس، كما أصدرت قانونًا لفحص جميع وسائل الإعلام قبل النشر.

وقال رئيس الوزراء "عمر رزاز"، مستشهدًا بـ "قانون الدفاع" الطارئ الذي يمنح سلطات واسعة، إن الحكومة "ستتعامل بحزم" مع أي شخص ينشر "الشائعات والتلفيق والأخبار الكاذبة التي تثير الذعر".

قام المغرب باحتجاز ومقاضاة ما لا يقل عن 12 شخصاً بتهمة "نشر إشاعات" أو نشر "أخبار مزيفة" على وسائل التواصل الاجتماعي.

واحدة من هؤلاء كانت امرأة تبلغ من العمر 48 عامًا نفت وجود فيروس "كورونا" على قناتها على "يوتيوب" وحثت المغاربة على تجاهل إجراءات الطوارئ، كما اعتقلت السلطات المغربية 3 أشخاص في 30 مارس / آذار في الصويرة بتهمة نشر معلومات كاذبة عن الأشخاص المصابين بفيروس "كوفيد-19".

وصرح الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" أن "أولئك الذين ينشرون الأخبار المزيفة ستتم ملاحقتهم".

استهداف الصحافة المطبوعة

في مارس / آذار، أصدرت حكومات 5 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مراسيم بتعليق طباعة الصحف وتوزيعها.

في حين أنها قامت بذلك ظاهريًا للتخفيف من الانتشار المادي للفيروس، فإن الآثار المترتبة على حرية الصحافة واضحة.

أعلنت السلطات الأردنية في 17 مارس / آذار أنها ستوقف طباعة الصحف الورقية لأنها "تساهم في نقل العدوى".

كما علقت عُمان طباعة وتوزيع وبيع جميع الصحف والمجلات والمنشورات، وكذلك بيع وتداول الصحف والمجلات والمنشورات المنشورة خارج السلطنة.

وفي 22 مارس / آذار، وجّه المغرب الصحف إلى تعليق طباعة الصحف وتوزيعها كإحدى إجراءات الطوارئ الصحية، لكنه شجع المنافذ المطبوعة على استخدام طرق بديلة لنشر الأخبار.

وفي 23 مارس / آذار، أصدر وزير الاتصالات اليمني قراراً نُشر في صحيفة "الجند بوست" المحلية يحظر نشر وتداول الصحف المطبوعة (الحكومية والخاصة) من 25 مارس / آذار إلى 12 أبريل / نيسان للحد من انتشار "كوفيد-19".

حذت إيران حذوهم في 31 مارس / آذار.
في 2 أبريل / نيسان، علّقت هيئة الاتصالات والإعلام، وهي الهيئة المنظمة للإعلام في العراق، ترخيص "رويترز" لمدة ثلاثة أشهر وغرمتها 25 مليون دينار عراقي (21 ألف دولار أمريكي) بسبب تقرير إخباري نُشر في اليوم نفسه، زعم فيه أن عدد حالات "كوفيد-19" المؤكدة في البلاد أعلى بكثير من الإحصاءات الرسمية، وفقًا لبيان صادر عن الهيئة التنظيمية وتقارير إخبارية.

وقال "شريف منصور"، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "لجنة حماية الصحفيين"، إن مسألة الرقابة الصحفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي "جديدة ومكررة في نفس الوقت".

وأضاف أن الدول التي فرضت الحكومات رقابة فيها على نطاق واسع لم تتغير كثيرا، في حين استخدمت دول أخرى الفيروس باعتباره "فرصة لتصعيد القمع".

تدابير أخرى

العنف ضد الصحفيين آخذ في الارتفاع بسبب الفيروس، ففي 15 مارس / آذار، هاجمت قوات الأمن التي تسيطر عليها حماس في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة "ياسر أبو عاذرة"، مسؤول الكاميرات في وكالة "كنعان" للأنباء على الإنترنت.

ووفقًا لما قاله مديره في العمل ومنظمتان إقليميتان لحرية الصحافة؛ هما "مدى"، ومركز "سكايز" للحرية الإعلامية والثقافية، كان "أبو عاذرة" يغطي احتجاجاً على قرار السلطات المحلية بتحويل مدرستين إلى مراكز للحجر الصحي للأشخاص المصابين بـ"كوفيد-19".

كان يستخدم هاتفه المحمول لعمل مقابلات مع المتظاهرين والتقاط صور للمظاهرة عندما تدخل ضباط الشرطة وضربوه واستولوا على هاتفه، على الرغم من أنه عرف نفسه على أنه صحفي.

تستخدم دول أخرى أساليب أكثر مكرًا في قمع حرية الصحافة، فقد أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لوكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية بتتبع المواطنين الإسرائيليين أو الصحفيين -باستخدام ذاكرة بيانات مخبأة تم الحصول عليها من الهواتف المحمولة في الأصل لاستخدامها في مكافحة الإرهاب- الذين يتحدون أوامر العزل وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 6 أشهر.

تداعيات مكافحة "كورونا"

حذرت "فيونيوالا ني أولان"، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، من أنه قد يكون هناك "وباء موازٍ من التدابير الاستبدادية والقمعية" عقب جائحة فيروس "كورونا".

لا تعرقل عمليات القمع حرية الصحافة وحرية التعبير والحقوق المدنية فحسب، إلا أنها تعوق أيضًا قدرة البلدان على مكافحة انتشار "كوفيد-19" بشكل فعال.

شككت منظمة الصحة العالمية في البيانات التي تنشرها الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث حث المدير العام للمنظمة الدول على إجراء "الاختبارات، الاختبارات، الاختبارات" كطريقة للوقاية من العدوى وإنقاذ الأرواح.

وقال يوم 16 مارس / آذار: "لا يمكنك مكافحة حريق وأنت معصوب العينين. لا يمكننا وقف هذه الجائحة إذا كنا لا نعرف من هو المصاب".

ومع ذلك، فإن الاختبارات غير الكافية في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعدد من دول الغرب مثل الولايات المتحدة، يعني أن مدى الإصابة غالبًا ما يكون أعلى من الأرقام الرسمية.

لكن الأوتوقراطيين لا يحبون الأرقام الكبيرة، لذا فإن الحقيقة هي أن الضحية الأولى لتفشي "كورونا" كانت الحقيقة، وفقًا لما تقوله "لجنة حماية الصحفيين".

ومع ذلك، أثناء الوباء، تكون الحاجة إلى معلومات دقيقة أكبر من أي وقت مضى، لا سيما في منطقة يوجد فيها بالفعل مستوى عال من عدم الثقة في الحكومة.

تدعو مديرة "لجنة حماية الصحفيين" إلى مساءلة الحكومة، قائلة: "كل صحفي هو صحفي له حق بتغطية فيروس كورونا، ونحن بحاجة للتأكد من أن الحكومات تسمح للصحفيين للقيام بعملهم بأمان ودون خوف من الانتقام خلال هذه الأزمة الصحية العامة".

في حين أن محاسبة قادة الديمقراطيات الغربية أمر ممكن، فإن ذلك غير ممكن بالنسبة لمعظم حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في هذه الأثناء تقول "رادش": "فيروس كورونا هو تهديد غير مسبوق، والصحفيون يخاطرون بسلامتهم ليجلبوا لنا المعلومات ويساعدونا في التعامل مع تطورات الجائحة سريعة الخطى".

المصدر | insidearabia + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرية الصحافة سياسات القمع كورونا

باستثناء تونس.. العرب في مراتب متأخرة بمقياس حرية الصحافة 2020

نواب بريطانيون يطالبون حكومتهم بدعم الصحفيين بالسعودية والإمارات والصين

تونس تتصدر مؤشر حرية الصحافة عربيا.. ومصر والسعودية في المؤخرة

موجة اعتقالات جديدة لمشاهير مواقع التواصل العرب.. تعزيز للقمع أم حفاظ على القيم؟