موجة اعتقالات جديدة لمشاهير مواقع التواصل العرب.. تعزيز للقمع أم حفاظ على القيم؟

الاثنين 10 أكتوبر 2022 10:02 ص

في الآونة الأخيرة ونتيجة التطورات التكنولوجية المتسارعة، أطل على العرب ظاهرة "المؤثرين"، والذين باتوا يغزون هواتفنا وبيوتنا، ويتدخلون حتى في أمزجتنا وعقولنا، ويوجهوننا تارة هنا وتارة هناك.

ورغم الرواج الواسع الذي حققوه، حتى أصبح بعضهم قدوة للملايين، إلا أنهم باتوا مهددين بمقص الرقيب؛ فتارة بتحقيقات مطولة، وأخرى بتضييق عبر قوانين مشددة، قبل أن يصل الأمر إلى التوقيف والاعتقال وإصدار أحكام بالسجن.

ولكي تكون مؤثرا، لا بد من شيء يميزك، إما من خلال المحتوى أو بالتوجهات أو الأفكار التي تطرحها وتلقى رواجا عند العامة والمتابعين ومستخدمي تطبيقات التواصل.

ففي أواخر الستينيات من القرن الماضي، تنبّأ الرسام الأمريكي "آندي وورهول" بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وعبّر عن ذلك في إحدى مقابلاته الإعلامية بمقولته الشهيرة: "في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط".

ورغم أنه في الستينيات لم تكن وسائل الإعلام واسعة الانتشار بما يحقق نبوءة "ووهول"، فإنه بعد أكثر من 50 عاما من نبوءته، ستظهر وسائل التواصل الاجتماعي التي حملت على عاتقها تلك المهمة؛ فصار ما يكتبه المرء في الشمال الأقصى يصل إلى أدنى الجنوب في اللازمن.

وذلك الزخم أفسح كثيرا لانتشار المشاهير على نطاق واسع لم يسبق له مثيل في الماضي؛ فصارت وسائل التواصل عامرة بالكثير من الأسماء المشهورة بغض النظر عن مضمون ما تقدمه من محتوى سواء أكان جادا أم فارغا.

فعلى "إنستجرام"، تتفاوت أسماء العارضات (الفاشيونيستا) في تسابق على أرقام المتابعين المقدرة بمئات الآلاف، وربما الملايين؛ لأنهن يقدمن صورتهن في أزياء ومستحضرات تجميل جديدة.

وكذلك هو الحال على "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" و"تيك توك" لبعض صانعي المحتوى الذي لا يضيف قيمة تتناسب مع شهرة صاحبها؛ فهذا يحرك شفتيه على أنغام أغنية شعبية فيحصد مئات ملايين المشاهدات بلا أي سبب منطقي لهذا، وآخر يصور محتوى ساخرا عن يوميات أسرته، وهذا يستعمل إفيهات الأفلام، وآخر يقلّد المعلقين الرياضيين، إلى آخر تلك القائمة الطويلة.

ولا يمكن تجاهل أن ضعاف النفوس، استغلوا هذه الظاهرة في الترويج لأفعال منافية للآداب، بل ذهب بعضهم إلى تصوير أنفسهم داخل المرحاض، فضلا عن الإعلان عن منتجات غير مرخصة وفاسدة.

ذلك العرض المستمر للذات على الآخرين لاجتلاب اهتمامهم بصرف النظر عن جودة المحتوى المقدم يدفع إلى التساؤل حول الأمر، هل هو حدث عارض صنعته وسائل التواصل، أم هي شهوات للذات خدمتها مواقع التواصل؟، وما نتيجة الشهرة السريعة فارغة المحتوى؟، وكيف هو حال الجماهير في التعامل مع المشاهير في العصر الحديث؟.

ويشار إلى أن الرغبة في الشهرة قد تُخفي إحباطا أو اضطرابا نفسيا غير مشخّص، كما تقدم الشهرة وعدا بالهروب من العزلة، سواء كان ذلك حقيقيا أو بصورة متخيلة.

الشهرة لدى هؤلاء، أو على الأقل بعضهم، وفق علماء النفس، تردع المنتقدين، بل وربما تعتصر بعض الفُتات من التقدير من أولئك الذين استكثروا عليهم الابتسامة، بينما كانوا يتشبثون بطريقهم للخروج من أرض النكرات.

فكلما جمعوا المزيد من التقدير كانت الجرأة على تجاهلهم أقل؛ فالشهرة في حالات كتلك، تلعب دور الدرع المُحصِّن لها من الإحباط.

الشهرة عند هؤلاء، تصرح بأهميتهم لأي شخص يحاول أن يضعهم جانبا، وتهدده بعواقب في حال تماديه، وتساعد على تهدئة الأصوات المنتقدة التي قموا بكبتها في داخلهم من الآباء والأمهات، وزملاء الدراسة والمدرسين، وفق التحليل النفسي.

وعرف العالم العربي، أمام ذلك، سباقا محموما لتحقيق "الترند"، وهي الوسيلة الأبرز لتحقيق أعلى كم من المشاهدات للمحتوى على شبكات التواصل، وبالتالي ضمان تحقيق مدخول مادي مهم سواء من عائدات عدد المشاهدات أو الإشهار؛ ما جعل البعض يروج لمحتويات جنسية أو منافية للآداب، أو غير متطابقة مع القيم المجتعية، فضلا عن "التفاهة" و"الرداءة".

بيد أن القبضة الأمنية في الدول العربية، كثيرا لم تفرق بين الصالح والطالح، واستغلت ما يجري في توقيف مدونين لهم دورهم السياسي أو الحقوقي المعارض.

وسعت الحكومات إلى استغلال ظاهرة "السوشيال ميديا" للسيطرة على العالم الرقمي، وبالتالي المجال العام وتدفق المعلومات، والعمل على وقف انتشار الأفكار "الخطيرة" بالنسبة للأنظمة، واستبدالها بالروايات الرسمية.

كذلك، عادةً ما تتضمن حملات الدعاية الاستبدادية أيضًا روايات من أشخاص حقيقيين للمساعدة في تضخيم رواية الحكومة، وفي بعض الحالات، يكون هؤلاء الأشخاص يعملون بشكل مباشر بالتنسيق مع السلطات.

وبعد الانتفاضات العربية، أدخلت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة، قوانين وسياسات جديدة، تمكن السلطات بتوقيف المعلقين عبر الإنترنت على أي موضوع والزج بهم في السجن إذا اعتبرت الحكومة أنه يمثل تهديدًا لمصالح الدولة أو الأمن العام، مثل "دعم الإرهاب".

كما خلطت الدول عمدًا بين النقد السياسي المشروع و"الأخبار الكاذبة"، وغيرها من أشكال التضليل الإعلامي؛ مما سمح لها بتصوير الاضطهاد القانوني على أنه دفاع عن قيم المجتمع.

كما استغلت الحكومات سلطاتها، وتدخلت لدى محركات البحث والأنظمة الأساسية للتطبيقات، لإزالة محتوى معين؛ فالبلدان التي تتمتع بقدر ضئيل من حرية الإنترنت تقدم معظم طلبات إزالة المحتوى، لا سيما لأسباب مثل "انتقاد الحكومة" و"الأمن القومي".

وتشهد الدول العربية هذه الأيام موجة رابعة من حملات التوقيف للمؤثرين، طالت خلال الأسبوعين الماضيين، أكثر من 10 أشخاص في 7 دول.

"إبراهيم مالك وأم شهد من مصر، وعزوز بن زايد من السعودية، واليوتيوبر فتحية من المغرب"، كانوا أبرز ضحايا حملة القمع الأخيرة، بعد أن وجهت لهم تهم مخالفة الذوق العام في بلادهم، وبث مقاطع فيديو خادشة للحياء.

أما "أحمد الدسوقي" من مصر، و"فايز كنفش" من سوريا، فكلاهما ممثلين يبحثان عن فرصة عمل في المجال الفني، ويقدمان محتوى تمثيلي، أغضب السلطات بعد أن ظهرا فيه في أدوار ضباط أو مسؤولين حكوميين.

أما "إبراهيم شهاب" من مصر، و"سيد ويل" من العراق، فاعتقلا ضمن الحملة الأخيرة بتهمة "النصب" و"الترويج لمنتجات غير مرخصة".

وليس بعيدا عن استغلال السلطات لهذه الحملة، فقد تم اعتقال "بسام تيك توك" من السعودية، و"رضا بن عثمان" من المغرب، و"زيدان باسل" من اليمن، على خلفية عرض آرائهم السياسية في صفحاتهم عبر الإنترنت.

ما جرى مع هؤلاء، سبقته حملات أخرى في مصر والسعودية والكويت، خلال السنوات الماضية.

ولعل أبرز هذه الحملات كانت في مصر، عندما شنت السلطات في منتصف 2020، حملة واسعة طالت بضعة فتيات وسيدات، اتهمن جميعا بـ"مخالفة القيم والمبادئ الأسرية والترويج للفسق والفجور"، قبل أن تصدر عليهن أحكاما مشددة بالسجن والغرامة وصفت بأنها بـ"مسيسة".

ويؤكد مراقبون وحقوقيون مصريون أن الاتهامات بـ"تهديد قيم المجتمع" ليست سوى تعابير فضفاضة بلا معيارية واضحة، ويمكن تفسيرها بشكل نسبي، وبالتالي يمكن تسييسها لفرض نمط اجتماعي تريده السلطة الحاكمة على المجتمع.

وفي المقابل، يقول المؤيدون لهذه الأحكام إن أساس هذه القضايا تعود إلى تشكيل المحبوسات "شبكة استدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر عبر عرض أجسادهن وممارسة الجنس عبر الإنترنت والفيديو"، وهو ما أورده نص اتهامات النيابة العامة المصرية بحقهن.

وفي الكويت، جرى القبض على العشرات من المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بتهم غسيل الأموال وتضخم أرصدتهم، بعد أن أظهرت التحقيقات حركة المبالغ المغسولة، والجدول الزمني الذي مرت به.

وخلال التحقيقات، وجهت النيابة للمشاهير 4 تهم، الأولى ارتكاب جريمة غسيل أموال متحصل عليها من جرائم إعلانات ودعايات غير مرخصة من الحكومة.

أما التهمة الثانية، فهي إنشاء وإدارة حساب شخصي لأغراض تجارية بلا ترخيص من وزارة الإعلام، والثالثة هي عدم الالتزام بالقيد بالسجل التجاري لدى وزارة التجارة لبعض البضائع التي يجري بيعها.

والتهمة الرابعة، هي الإعلان عن السلع والخدمات من دون الحصول على ترخيص التجارة والصناعة ومخالفة قانون حماية المستهلك.

وتُحقق الإعلانات التجارية الرقمية في دول الخليج إيرادات مالية عالية للمؤثرين، من خلال الحملات الدعائية للشركات عبر نشرها على حساباتهم وصفحاتهم.

ولاحقا، صدرت قرارات بإخلاء سبيلهم، بكفالات مالية وصلت إلى 65 ألف دولار.

أما في السعودية، فقد شنت السلطات حملات مشابهة حول التهمتين السابقتين، طالبت عدد من المشهورين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأمام ذلك، عدلت بعض الدول قوانينها، كما جرى في السعودية في مايو/أيار 2018، عندما أضيفت الإيحاءات الجنسية والتحرشات اللفظية أو الحركية التي أصبحت منتشرة في بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، ضمن الجرائم التي تستوجب توقيع عقوبات قضائية على مرتكبيها.

وبات القانون يفرض عقوبات صارمة تصل للسجن مدة قد تبلغ في تقدير القاضي حسب الواقعة والظروف إلى 5 سنوات، أو بغرامة 3 ملايين ريال (798 ألف دولار)، أو بالسجن والغرامة معاً، مع إمكانية نشر ملخص الحكم في الصحف المحلية.

وفي مصر، كل شيء تقريبًا يمكن أن يندرج ضمن خانة "الأمن القومي" و"القيم العائلية"، بدءًا من مقاضاة ضحية عنف جنسي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتخبر قصتها بدلًا من حمايتها، وصولًا إلى حجب المواقع الشيعية، أو استدعاء مستخدمي "يوتيوب" الذين يتحدثون عن عملة "بيتكوين" الافتراضية في قنواتهم.

ومن خلال مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف السلطات الناشطين أو المعارضين وأي أنشطة قد تجذب انتباه الرأي العام، أو تُعتبر خارج الإطار التقليدي لما تريده السلطات، وهو ما حدث مع المؤثرين على "تيك توك".

ومن الصعب تقدير ما تنفقه الحكومة المصرية لاستيراد تقنيات المراقبة واستخدامها؛ فحتى حينما أعلنت الحكومة عن تركيب كاميرات مراقبة وتقنية التعرف على الوجه، صدر هذا البيان والخبر من دون تفسير لأي إجراء متعلق بالخصوصية أو تنظيم استخدامها.

وفي ظل حالة التضليل التي يمارسها بعض المؤثرين بدول الخليج عند عرض الإعلانات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت بعض الحكومات الخليجية اتخاذ قرارات، هدفها حماية المستهلكين من الغش التجاري.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دخل أول تشريع سعودي لتنظيم الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيز التنفيذ.

لكن مع مضي نحو أسبوع على سريانه، لا يزال "ترخيص موثوق" يُثير الجدل بين من يراه ضريبة مستحقة للبلد من المعلنين والمشاهير، وآخرون يعتبرونه "جباية إلكترونية" مجحفة بحق "صغار المعلنين"، وسط استياء من "غموض" بنوده.

الأمر ذاته، تتجه له الكويت، والتي كشفت عن سعيها إلى تنظيم إعلانات المشاهير والحسابات والمنصات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي.

من جانبه، يقول الكاتب الأردني "علاء القرالة" إنه بدلا من محاربة المؤثرين، يمكن الاستفادة منهم عبر الترويج للسياحة في بلدانهم وعرض التراث والفلكلور أمام الملايين من متابعي هؤلاء المشاهير وبشكل شبه مجاني.

ويضيف في تصريحات صحفية له: "الأمر الذي يستدعي منا جميعا التفكير جديا بكيفية استغلال هؤلاء المؤثرين في تسليط الضوء على العديد من القضايا والتحديات التي تواجهنا وخاصة المجتمعية، ومنها محاربة المخدرات وجرائم القتل وحوادث السير وغيرها من المشاكل التي لو روجنا لها لكلفتنا الملايين".

ويتابع: "معالجة التحديات المجتمعية ليست الوحيدة التي قد نستفيد منها من هؤلاء المؤثرين؛ ففي الاقتصاد نستطيع استغلالهم في الترويج للاصلاحات وللانجازات والتثقيف والتوعية ومواجهة الاشاعات، وإعطاء صورة جيدة عن الانجازات الاقتصادية والمنتجات المحلية والترويج لها".

ويزيد "القرالة": "كما يمكن الاستفادة منهم في مواجهة هدر المياه، وسرقة الكهرباء، وهدر الطاقة، واستغلال الطاقة المتجددة، وتسليط الضوء على الحالات الانسانية".

ويختتم حديثه بالقول: "وجود المؤثرين وارتفاع أعدادهم يوما وراء يوم، أمر ايجابي لا يستدعي كل هذا الهجوم ممن يتبعون أسلوب التأثير الكلاسيكي، وخاصة إذا ما أحسنا استثمارهم في الترويج والتثقيف الإيجابي في المجتمع، بدلا من محاربتهم والتضييق عليهم".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مواقع التواصل المؤثرون ناشطو مواقع التواصل قمع حريات إعلانات تضييق قيم المجتمع

ناشطون: مؤتمر «السيسي» للشباب تتويج لعام من القمع والتهميش