كورونا يغير طقوس دفن المسلمين ويكشف مرونة الشريعة

الاثنين 20 أبريل 2020 06:01 م

دفع ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات بوباء "كورونا"، والمخاوف من انتقال العدوى المسلمين حول العالم إلى تغيير طقوس تشييع الموتى ودفنهم، الأمر الذي كشف عن مرونة شرعية لدى العديد من المؤسسات الممثلة للمسلمين.

فأسر الموتى في الدول التي تفشى فيها الوباء باتت تدفن ذويها من المصابين بـ"كورونا" في "أكياس بلاستيكية" بدلا من الأكفان، وتتلقى التعازي عبر وسائل التواصل الإلكترونية دون مراسم الاجتماع التقليدية، مخافة انتقال العدوى، وصدرت العديد من الفتاوى المؤيدة لذلك من مجتمع علماء الدين الإسلامي.

في هذا الإطار، أكد مفتي القدس والديار الفلسطينية "محمد حسين" أن هذا الأمر فرضته الضرورة "والضرورات تبيح المحظورات" ومن ثم يمكن ألا يغسل الميت أو يلف بالكفن إذا ترجح جثنه يمكن أن تنقل العدوى، بل يدفن في كيس بلاستيكي، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

كما أجاز مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية دفن الموتى بشكل جماعي في الدول التي تفشى فيها فيروس "كورونا"، في حالة اضطرار السلطات لذلك.

وحدد المركز الضرورة الشرعية، في بيان، بحالة كثرة الموتى وضيق المقابر، أو انعدام إمكانية الدفن داخل المقابر الاعتيادية، داعيا الدافن -في هذه الحالة- إلى إقامة حاجز من التراب بين كل ميت وآخر متى استطاع ذلك، وأن يضم الرجال إلى الرجال في مدفن، والنساء إلى النساء في مدفن.

وفي هذا السياق، أكد مفتي الديار التونسية "عثمان بطيخ" لوسائل إعلام محلية أن غسل الميت يعد من السنن، وأنه يجوز أداء شخص واحد صلاة الجنازة على المتوفى بفيروس "كورونا" تجنبا للعدوى.

مقابر غير المسلمين

ويجيز المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة دفن الموتى المسلمين في المقابر العمومية ببلدان إقامتهم، في ظل حالة حظر الطيران العام بالعديد من بلدان العالم، وعدم كفاية المقابر الإسلامية في بعض الدول الأوروبية.

وقال المجلس، في رأي موجه إلى المسلمين المقيمين في أوروبا، إن "الظروف القاهرة التي يمر بها العالم، والتي فرضت على بلدان إسلامية، مثل المغرب، إغلاق حدودها، تقتضي التعامل بمرونة مع مسألة دفن الموتى الذين يتعذر نقلهم إلى بلادهم الأصلية".

ورغم تحريم أغلب الفقهاء لدفن موتى المسلمين في مقابر غيرهم، إلا إذا كانت بداخلها رقعة خاصة بالموتى المسلمين، لكن أزمة "كورونا" فرضت على مجتمع علماء الدين واقعا جديدا استدعى فتاوى خاصة للمسلمين المقيمين في الدول الغربية، الذين يجدون صعوبة تصل إلى حد الاستحالة في تغسيل ودفن موتاهم بالطريقة المعتادة، وفق قواعد الشريعة الإسلامية.

ومن هذه الفتاوى ما صدر عن مجموعة من شيوخ وعلماء الإسلام بجامعة الزيتونة في تونس، الذين وجهوا بمراعاة "التدرج" في تغسيل الميت بفيروس "كورونا" حسب الاستطاعة، فإذا أمكن رشه بالماء وتعميمه عن بعد، وإذا تعذر ذلك خوفاً من الضرر فيمكن اللجوء إلى "التيمم"، وفي حال تعذره يمكن دفن الميت على حاله و"لا حرج في ذلك؛ لأن التغسيل حق للميت على جماعة المسلمين، وحفظ النفس حق للجماعة، فيقدّم حفظ الأنفس على حق التغسيل"، حسب بيان الجامعة الشرعي.

وبحسب رئيس قسم الشريعة والقانون بالجامعة، وأحد المشاركين في صياغة البيان الشرعي "إلياس دردور"، فإنه لا يجوز لذوي الميت جراء فيروس "كورونا" تغسيله أو لمسه، وتوكل العملية إلى إطار طبي مختص، وفقا لما أورده موقع شبكة "تي آر تي" التركية.

جنازات عن بعد

وأمام تعدد البدائل الواردة في الفتاوى، سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على "المرونة التي تتسم بها الشريعة الإسلامية" في التعامل مع حالات الأوبئة والكوارث، مشيرا إلى أن المذاهب الأربعة الرئيسية لأهل السنة لا تشترط حضور عدد معين لصلاة الجنازة، كما يمكن إجراؤها في أي مكان.

وقدم تقرير الصحيفة البريطانية ولاية فرجينيا الأمريكية كنموذج لاستفادة المسلمين من تلك المرونة، خاصة بعدما قررت سلطات الولاية عدم السماح بغسل المتوفين بسبب وباء "كورونا"؛ خوفا من انتشار الفيروس، وتأكيد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على أنه لا ينبغي لمس أجسادهم بسبب المخاوف من التقاط العدوى.

وإزاء ذلك، لجأ المسلمون إلى طريقة إسلامية أخرى، هي التيمم، من خلال تنظيف الميت بالرمل أو الغبار، حيث يتم استخدام كيس لتغطية الجسم للتمكن من القيام بإجراءات التيمم فوقه.

فيما سمح مجلس الفقه في أمريكا الشمالية ببث مراسم الجنازات عبر الإنترنت، ما سمح لذوي المتوفين بحضور الجنازة عن بعد، وأفتى بإمكانية أداء صلاة الغائب إذا كان الميت متواجدا في بلد آخر.

وعلى النحو ذاته، قررت العديد من السفارات والمؤسسات المسؤولة عن الجاليات المسلمة في أوروبا توفير "البدائل الشرعية" لعملية غسل الموتى ودفنهم إلى التعاون مع حكومات الدول الأوروبية التي أبدت مرونة مقابلة في إجراءاتها النظامية.

وفي هذا السياق، نشرت السفارة المغربية بإسبانيا بيانا تخبر فيه مواطنيها هناك أنه "أمام تعذر ترحيل جثامين المتوفين فإنها ستقدم الدعم لأهل المتوفين لكي يتم دفنهم في مقابر أو مربعات إسلامية".

استثناء مريب

وفي حين عكس أداء المؤسسات الإسلامية والأوروبية حالة تضامن إنساني فريدة، ظلت حالة سريلانكا استثناء مريبا، بعدما أصرت الحكومة على حرق جثث موتى المسلمين تذرعا بفيروس "كورونا"، رغم أن الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الفقهية تلبي الشروط والمعايير العلمية والطبية التي حددتها منظمة الصحة العالمية.

القادة المسلمون أبدوا استياء شديدا، وطالبوا بالسماح بدفن موتاهم وفقا للشريعة الإسلامية وبناء على قانون حرية المعتقد الذي تضمنه الدستور السريلانكي، وتعيين فريق من الخبراء لإعادة النظر في شأن التعميم الصادر عن وزارة الصحة السريلانكية الذي يقضي بضرورة حرق جميع المتوفين بالوباء، لكن متشددين من زعماء الأحزاب السياسية الموالين للحكومة، أبدوا اعتراضهم الشديد على طلب المسلمين، مصرين على ضرورة حرق الجثث كافة بغض النظر عن المعتقدات الدينية، وفقا لما أوردته صحيفة "ديلي فايننشال تايمز" السريلانكية.

وإزاء ذلك، أصدرت "جمعية علماء سريلانكا" الإسلامية و"مجلس الشورى الوطني" الإسلامي، بيانا شددا فيه على أنه لا يوجد دليل علمي على انتشار المرض من المتوفى بعد وضعه في الكيس المخصص، وبالتالي لا يوجد فرق بين حرق الجثث أو الدفن فيما يتعلق بانتشار الفيروس.

ويرجّح حقوقيون وقادة للأقلية المسلمة في سيريلانكا أن تكون هناك "دوافع عنصرية وسياسية" وراء إصرار الحكومة على حرق جثث المسلمين الذين يتوفون بسبب "كورونا"، مستندين في ذلك إلى اجتماع عقده عضو في الحكومة مع قيادات بوذية متطرفة تضمن لغة عنصرية ضد المسلمين، وفقا لما أورده موقع "عربي 21".

ودخلت منظمة العفو الدولة على خط قرار الحكومة السريلانكية، معبرة عن استيائها من قرارها الذي مسَّ مشاعر عدد كبير من المسلمين في سريلانكا والعالم.

ووجهت المنظمة الدولية رسالة لحكومة سريلانكا دعت فيها إلى "السماح لأبناء الأقليات الدينية في البلاد بالقيام بواجبهم الأخير تجاه موتاهم حسب معتقداتهم وشعائرهم الدينية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا سريلانكا

ما قصة حرق جثث وفيات المسلمين بكورونا في سريلانكا؟

جوتيريش يحذر من اضطهاد المسلمين بسبب كورونا