"تتبع.. افحص.. عالج".. استراتيجية كوريا الجنوبية الاستثنائية لمواجهة كورونا

الجمعة 17 أبريل 2020 04:30 م

من ثاني أكبر بؤرة لفيروس كورونا المستجد بعد الصين إلى أول دولة تضع الوباء تحت السيطرة بشكل فعلي، ومع شفافية كاملة، بحلول نهاية مارس/آذار الماضي.. هذه هي خلاصة التجربة الاستثنائية لكوريا الجنوبية في مواجهة فيروس كورونا، والتي تثير اليوم الكثير من التساؤلات حول سر نجاح سيول في احتواء المرض، في الوقت الذي تعاني فيه دول أكثر تقدما في مواجته اليوم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعود الفضل في هذا النجاح الكوري الكبير إلى استراتيجية ذات ثلاثة أبعاد، هي: "تتبع، افحص، عالج"، وهي الاستراتيجية التي اتبعتها الحكومة بمجرد أن نجحت في تحديد ومحاصرة بؤرة تفشي الوباء الرئيسية في البلاد خلال فترة قصيرة نسبيا.

عزل بؤرة التفشي

مدينة دايجو، جنوب شرقي كوريا الجنوبية، كانت هي بؤرة التفشي الرئيسية في البلاد، حيث أُصيب المئات من أتباع طائفة مسيحية تسمى "شينشونجي" بالفيروس بعدما أقاموا صلاة على ميتٍ بحضور مصابين، ليعلن رئيس البلاد "مون جاي إن" رفع مستوى الإنذار إلى "أعلى درجة" وفرض حجر صحي شامل على أعضاء الطائفة جميعا، والبالغ عددهم أكثر من 9 آلاف شخص.

وبذلك نجحت سيول مبكرا في السيطرة على منبع انتشار الفيروس في البلاد، ولم تسجل دايجو أي حالات إصابة جديدة منذ أواخر فبراير/شباط الماضي، وتم تسجيل خلوها من أي حالات إصابة في 10 أبريل/نيسان الجاري، وهو ما علق عليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم جيبريسوس" بقوله: "تجربة كوريا الجنوبية أثبتت أن العزل الصحي يمكن أن ينقذ أرواح الكثير من الناس".

وجاء تنفيذ السلطات الكورية الجنوبية للاستراتيجية الثلاثية في المرحلة التالية، عبر إجراء فحوص مجانية على مستوى واسع ومكثف في أنحاء البلاد، تجاوزت 100 ألف اختبار في اليوم الواحد، حيث كانت نتائج الاختبارات ترسل بعد ساعات قليلة من أخذ العينة.

وبحسب مجلة "ساينس" العلمية فإن عمليات الاختبار العام والمكثف كانت السبب الرئيسي في الانخفاض الكبير في عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد في كوريا الجنوبية، مشيرة إلى أخذ عينات دم لأكثر من 270 ألف شخص، بما يعني إجراء أكثر من 5200 تحليل لكل مليون نسمة.

وشملت هذه الاختبارات جميع من يعانون من أمراض مزمنة، حيث تم نقلهم إلى المعاهد الطبية والمواقع التي خصصتها الحكومة لتقديم الرعاية الطبية الأساسية قبل غيرهم، بحيث يتم إرسالهم إلى أماكن خصصتها الحكومة للحجر الصحي في حال ثبوت إيجابية الاختبارات، أو السماح لهم بالمغادرة إلى منازلهم في حال ثبوت سلبيتها، وفقا لما أوردته وكالة يونهاب الكورية (رسمية).

كما فرضت الحكومة عزلاً مدته 14 يوماً لأي شخص يصل من الخارج اعتباراً من 1 إبريل/ نيسان الحالي، واتبعت إجراءات بحق المشتبه في إصابتهم بالداخل، شملت تتبع ومراقبة مكثفة، ليس فقط بحقهم، بل بحق الذين تواصلوا معهم أيضا، وذلك من خلال تتبع الأجهزة الخلوية، والأرصدة البنكية، وكاميرات المراقبة.

أما من تم التأكد من إصابتهم بالفيروس، فألزمتهم السلطات الكورية الجنوبية بتحميل تطبيق على هواتفهم لتتبع مواقعهم، وذلك من أجل ضمان عدم خرقهم العزل الصحي، وفقا لما أورده موقع "واشنطن إكزامينر".

كما نشرت السلطات بيانات المصابين وحيثيات الإصابة على الملأ، في المتاجر والمقاهي التي زارها المصابون، بالإضافة إلى الحافلات التي استقلوها، وذلك دون الكشف عن أسمائهم.

وبذلك، التزم السواد الأعظم من الجمهور الكوري بحالة عزل صحي طوعي كانت سببا في تجربة نجاح تدرسها الولايات المتحدة والعالم حاليا، ليس فقط على المستوى الصحي، ولكن على المستويين الاقتصادي والسياسي أيضا.

بدون إغلاق

فعلى المستوى الاقتصادي، لم تشهد كوريا الجنوبية حالة إغلاق كلي على نحو ما جرى في دايجو وكما فعلت دول أخرى عديدة في أوروبا، حيث نجحت الحكومة في محاصرة المرض من خلال الإجراءات الوقائية المشددة، كالاستخدام الواسع للأقنعة، والإغلاقات الجزئية، ومعايير المراقبة المشددة، بحسب تقرير الموقع الأمريكي.

وسمحت الاختبارات واسعة النطاق للحكومة بتحديد المصابين المحتملين والتركيز على نقاط جغرافية بعينها، والاكتفاء بإغلاق الأماكن العامة كالمدارس والكنائس والصالات الرياضية، دون البقع غير الساخنة، مثل المصانع والمقاهي والحانات والمراكز التجارية، الأمر الذي خفف من وطأة الأثر الاقتصادي السلبي لأزمة تفشي فيروس كورونا.

وبناءً على تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن استراتيجية كوريا الجنوبية جعلتها متفوقة على الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وعلى المستوى السياسي، بدأ الناخبون في كوريا الجنوبية، الأربعاء (15 أبريل/نيسان)، بالتوجه إلى مراكز الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان وسط إرشادات صارمة بشأن السلامة، بينها ارتداء الأقنعة الطبية، وخضوع كل ناخب لقياس درجة حرارته لدى وصوله إلى مركز الاقتراع، وإذا تبين أن درجة حرارته أعلى من 37 درجة مئوية يتم اصطحابه إلى حجرة خاصة للإدلاء بصوته، ثم إخضاعه للفحص.

كما فرضت كوريا على جميع الناخبين استخدام معقم لليدين وقفازات بلاستيكية عند الإدلاء بأصواتهم، والحفاظ على مسافة متر بين بعضهم بعضا.

أما المسجلون كمصابين بفيروس كورونا فقد سمحت لهم الحكومة بالتصويت عبر البريد الإلكتروني، حيث انتهت فترة قبول طلباتهم في 28 مارس/آذار الماضي.

وبذلك تكون كوريا الجنوبية واحدة من أوائل الدول التي تجري انتخابات عامة منذ بدء ظهور فيروس كورونا، في حين أرجأت دول أخرى كثيرة الانتخابات.

وساهم في ذلك عامل ثقافي مهم، وهو أن ارتداء الأقنعة يمثل تقليدا في كوريا الجنوبية عندما يصاب شخص بمرض، حيث يمنع القناع انتقال العدوى عن طريق السعال أو العطس.

وتؤكد دراسة أجرتها جامعة ييل الأمريكية أن ارتداء القناع يمكن أن يوفر من 3 آلاف إلى 6 آلاف دولار للدولة، مقابل كل فرد تتم حمايته من المرض.

وحتى احتمالية خرق البعض إجراءات السلامة لم يتم تركها للصدفة، بل فرضت عليهم الحكومة ارتداء "أساور إلكترونية" ترتبط بتطبيقات التتبع المثبتة على الهواتف الذكية وتنبه المسؤولين حال حاول أصحابها تدميرها أو خلعها، وفقا لما أوردته وكالة "أسوشيتدبرس".

تحد جديد

ورغم تسجيل كوريا الجنوبية في الأيام الأخيرة عشرات الحالات الإيجابية لأشخاص سبق إعلان شفاؤهم التام من المرض، إلا أن كفاءة الإجراءات الحكومية تبقي الأمور تحت السيطرة.

ويرجح مدير المراكز الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية "جيونج إيون-كيونج"، أن يكون الفيروس قد "عاود النشاط" بأجساد المرضى، مستبعدا انتقال العدوى للمرضى مرة أخرى، وهو ما صدق عليه "كيم وو جو" أستاذ الأمراض المعدية في مستشفى جورو بجامعة كوريا، وفقا لما أوردته "رويترز".

ويمثل احتمال عودة الإصابة بالعدوى مصدر قلق للعالم، حيث تأمل بلدان كثيرة في أن يطور من أصيبوا بالعدوى مناعة تحول دون عودة الوباء إلى الظهور، ولذا شكلت سلطات كوريا الجنوبية فريقا للاستجابة الفورية للتحقق مما إذا كانت "الحالات المصابة مجددا" قادرة على نقل العدوى للآخرين، عبر الاختبارات المعملية.

وأثارت الشفافية الفورية في التعامل مع الظاهرة الجديدة إعجاب العالم الذي وضع كوريا الجنوبية في مقارنة مع الصين، التي توالت تقارير دولية بشأن تكتمها على حقيقة تفشي فيروس كورونا المستجد في مقاطعة ووهان (بؤرة الوباء الأولى)، وفقا لما أوردته صحيفة لوموند الفرنسية.

ومن هذا المنطلق، أفادت وزارة الخارجية الكورية نهاية مارس/آذار الماضي بأن الإدارة الأمريكية منحعت الضوء الأخضر لـ 3 شركات كورية مصنعة لمعدات فحص فيروس كورونا المستجد لتصدير أجهزتها إلى الولايات المتحدة، وهي الأجهزة التي تمكن السلطات من إجراء أكبر عدد من مرات الفحص يوميا.

وتعهد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بمساعدة المصنعين الكوريين الجنوبيين في الحصول على موافقة الجهات الرقابية لدخول الأجهزة إلى الولايات المتحدة.

وبذلك لم تسطر قصة النجاح الكورية نموذجا إرشاديا على المستوى الصحي فقط، بل تحولت إلى فرصة اقتصادية دفعت خبراء معهد التنمية الكوري الجنوبي إلى توقع أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة 2.1% في العام الحالي، في وقت يتوقع فيه الجميع أن تعاني الاقتصادات العالمية الكبرى من الانكماش.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا كوريا الجنوبية ووهان دونالد ترامب

قطر تستورد أجهزة من كوريا الجنوبية لتشخيص فيروس كورونا

كورونا يعاود إصابة 163 شخصا في كوريا الجنوبية بعد تماثلهم للشفاء

الاختبار الصعب.. إعادة فتح الدول بعد إغلاقها بسبب كورونا

كوريا الجنوبية تكشف عن كورونا لدى مواطنين قادمين من مصر

أمريكا ترخص اختبارا جديدا يكشف عن الإصابة بكورونا في دقائق