دبلوماسية الكمامات.. الأهداف غير المعلنة للمساعدات الطبية المصرية لأوروبا

الجمعة 17 أبريل 2020 01:37 م

في الوقت الذي كان يشكو فيه الشعب المصري من نقص المستلزمات الوقائية، كانت الطائرات المصرية المحملة بالمساعدات ومواد الإغاثة الطبية، تحط في مطارات الصين وإيطاليا، وقريبا في بريطانيا.

وخلال أزمة تفشي فيروس "كورونا" المستجد، تحولت مصر إلى دولة مانحة ترسل المساعدات هنا وهناك، فيما عرف بـ"دبلوماسية الكمامات".

ويحفل الإعلام المصري الرسمي، بإشادات لسياسة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في توزيع المساعدات، بوصفها تحركات إنسانية في المقام الأول، دون التطرق إلى الأبعاد السياسية وراء هذه التحركات، التي تواجه في المقابل بانتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

مساعدات سخية

مع بدايات أزمة "كورونا"، أقدمت وزيرة الصحة المصرية "هالة زايد" بتوجيات من "السيسي"، على زيارة بكين؛ لإيصال شحنة من المستلزمات الطبية (10 أطنان)، كرسالة تضامن مع الشعب الصيني، وذلك في مارس/آذار الماضي.

كذلك أضاءت مصر واجهات قلعة "صلاح الدين" بالقاهرة، ومعابد "الكرنك" بالأقصر و"فيلة" في أسوان (جنوب) بلون علم الصين، تعبيرا عن التضامن مع الشعب الصيني في مواجهة فيروس "كورونا".

عقب ذلك، أجرت "هالة زايد" زيارة مماثلة إلى إيطاليا برفقة وفد عسكري وطائرتين محملتين بالمستلزمات الطبية والكمامات الواقية (مليون ونصف المليون كمامة) ومواد التطهير.

وقبل أيام، أعلن وزير الدولة البريطاني للسياسة التجارية "جريج هاندز"، أن مصر تستعد لإرسال شحنة ضخمة من مستلزمات الوقاية إلى بريطانيا لمساعدتها في مواجهة تفشى وباء "كورونا".

اللافت أن المساعدات المصرية لمكافحة "كورونا" لم تصل مثلا إلى قطاع غزة المحاصر على الحدود المصرية، أو إلى دول عربية أو أفريقية مجاورة قد تكون أكثر احتياجا من دول أوروبا الغنية.

شبح "ريجيني"

مع هبوط طائرة المساعدات المصرية في مطار روما مطلع الشهر الحالي، كانت ذكريات الباحث الإيطالي القتيل "جوليو ريجيني"، حاضرة بقوة في الأذهان، وسط تساؤلات حول المغزى وراء المساعدات المصرية، وما إذا كانت رشوة سياسية لمغازلة روما لإغلاق ملف القضية المحرجة للقاهرة.

وتطالب السلطات الإيطالية، نظيرتها المصرية، بتسليم 5 ضباط مصريين مشتبه بتورطهم في تعذيب وقتل "ريجيني"، فبراير/شباط 2016.

وتنصح دوائر يمينية إيطالية، على صلة بالنظام المصري، القاهرة، باستغلال الأزمة التي تعيشها إيطاليا في مواجهة "كورونا" لتحسين العلاقات معها، بما يمهد لإغلاق ملف "ريجيني"، بحسب "العربي الجديد".

وتمنح دبلوماسية "الكمامات"، كذلك، نظام "السيسي" فرصة مواتية لتليين الاعتراضات الإيطالية التي تعرقل إتمام صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 10 مليارات يورو، والتي تشترط موافقة الخارجية الإيطالية على خطابات الضمان واعتماد البيع.

وتضم الصفقة المعلقة، منذ العام الماضي، طائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر من طراز "أجوستا - ويستلاند 149"، وفرقاطتين من نوع "فريم" متعددة المهمات.

سد النهضة

ملف "سد النهضة" والنزاع حول مياه النيل بين مصر وإثيوبيا، كان حاضرا هو الآخر، وراء كواليس المساعدات المصرية لبكين، مع رفض أديس أبابا التوقيع على الاتفاق الذي تم برعاية أمريكية، في فبراير/ شباط.

وتبدي أديس أبابا ترحيبها بالوساطة الصينية، ويدور مقترحها، وفق دوائر دبلوماسية، حول إشراك الصين في مباحثات السد بصفتها مراقب دولي محايد، مع كونها تتمتع بعلاقات جيدة مع أطراف الأزمة، وبخلاف أن لها دورا رئيسيا في بناء السد.

في المقابل، تأمل مصر أن تدعم بكين موقفها بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وأن تؤيد مطالبات القاهرة بالمشاركة في عمليات  إدارة السد مستقبلا.

وتحظى بكين بثقل لدى أديس أبابا، بالنظر إلى استثماراتها الضخمة هناك، ووجود شركة "جيچوبا" الصينية وهي المسؤولة عن الهيكل الصلب للسد، وشركة "سينوهيدرو" الصينية المسؤولة عن تجميع هياكل الصلب المستوردة وتكوين الوحدات الكهرومائية للسد.

وإضافة إلى الشركات الصينية، هناك شركة "ساليني إمبريجيلو" الإيطالية، التي تتولى دور المقاول الرئيسي في مشروع السد، ما يؤكد أن مساعدات "السيسي" كانت تحمل أهدافا سياسية أكثر من كونها إنسانية.

وقبل أشهر، خاطبت مصر، رسميا كلا من الصين وإيطاليا وألمانيا وفرنسا بضرورة وقف الخدمات المقدمة من شركات في هذه الدول لسد النهضة، لكن أيا منها لم يستجب للمطالبات المصرية.

مكاسب اقتصادية

ولا تغيب لغة المصالح عن مشهد المساعدات المصرية المقدمة للصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لمصر، خلال السنوات الأخيرة.

وتخشى مصر تعثر جهودها للحصول على قرض صيني بقيمة 3 مليارات دولار، كان موجها إلى تمويل منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة.

وتطلب البنوك الصينية الممولة للقرض، اشتراطات من الحكومة المصرية، قبل الموافقة على صرف الشريحة الأولى منه البالغة 834 مليون دولار.

وتحظى الصين بتواجد لافت في المشروعات العملاقة التي ينفذها نظام "السيسي"، وأهمها العاصمة الإدارية الجديدة، ومحور قناة السويس، ومدينة العلمين الجديدة.

وتشرف شركة "أفيك إنترناشيونال" الصينية على أعمال مشروع القطار الكهربائي "السلام - العاصمة الإدارية - العاشر من رمضان" باستثمارات 1.2 مليار دولار.

وسجلت واردات مصر من الصين ارتفاعا كبيرا بزيادة بلغت نحو 22.6% العام الماضي، وصولا إلى 6.5 مليار دولار، فى حين بلغت الواردات الصينية من مصر نحو 1.2 مليار دولار.

علاقات عامة

وتعد طائرات المساعدات المصرية لدول أوروبية، جزءا من حملة علاقات عامة تهدف لإظهار "السيسي" في ثوب أكثر إنسانية، مع توالي الانتقادات الأوروبية لسجله السيء في مجال حقوق الإنسان.

وتتزامن عملية التبييض السياسي للنظام المصري الحاكم، مع استمرار اعتقال الآلاف من المعارضين، في تهم ذات صبغة سياسية، رغم مناشدات حقوقية بالإفراج عنهم خشية تفشي وباء "كورونا" بين صفوفهم، إضافة إلى استمرار سياسات الإخفاء القسري والتعذيب، وقتل المدنيين خارج إطار القانون. 

ومنذ وصوله إلى سدة الحكم، عبر انقلاب عسكري منتصف عام 2013، يسعى "السيسي" إلى كسب ود القوى الأوروبية والغربية، تارة بصفقات سلاح، وتارة بدعم أمن (إسرائيل)، وتارة بالكمامات والمساعدات الطبية كما يبدو.

بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار شحنات المساعدات الطبية التي ترسلها مصر لدول أوروبا الغنية، بينما تعاني المستشفيات المصرية من نقص حاد فيها، أكثر من وسيلة جديدة لشراء الشرعية السياسية للنظام المصري، حتى لو كان ثمن ذلك التفريط في المواد الطبية التي تشتد الحاجة إليها داخليا في الوقت الراهن.


 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كمامات انتهاكات حقوق الإنسان بمصر

مساعدات مصر للغرب.. حملة علاقات عامة لها مآرب أخرى