السعودية والإمارات ومصر.. دول تصدر الاستبداد عبر الشرق الأوسط

الجمعة 17 أبريل 2020 04:53 م

ربما تكون جائحة "كوفيد-19" قد أوقفت مؤقتا الموجة الأخيرة من الحركات الشعبية التي تتحدى عقودا من الحكم غير الرشيد وغير الخاضع للمساءلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن عندما تعود الاحتجاجات، فمن المحتمل أن تقابلها حركة مضادة مدفوعة بمخاوف زعزعة الاستقرار وتقودها السعودية والإمارات ومصر.

وبعد أن تجاوزت الربيع العربي قبل ما يقرب من عقد من الزمان، تضاعف هذه الدول الثلاث الآن التركيز على استراتيجية الثورة المضادة، التي لا تقتصر فقط على القضاء على أي بصيص من المعارضة في الداخل، ولكن أيضا ضمان استقرار الاستبداد في كل مكان آخر.

ومع تزايد استخدام الحكومات الإقليمية للفيروس التاجي الجديد "كوفيد-19" للحد من الحريات الشخصية، من المرجح أن تشجع السعودية والإمارات ومصر مثل هذه السلوكيات وتدعمها بعد انتهاء الأزمة الحالية.

وفي أماكن مثل تونس والجزائر والسودان وليبيا، سعت الدول الثلاث إلى إحباط انتفاضات الشعوب، والتدخل في الانتخابات، وتسليح الحلفاء، وتعزيز الحكم العسكري، وبث حملات التضليل.

ومن خلال تهيئة الظروف ودعم الحكام الذين يتطابقون مع الرؤية الإقليمية لتلك الدول (حيث لا تهم الشفافية أو الديمقراطية أو الحكم الرشيد)، فإن هدف الدول الثلاث هو منع ظهور الحكومات التي يقودها المدنيون والعقلية الديمقراطية خوفا من التهديد الذي يمثله ذلك على أنظمتها.

ومنذ عام 2017، سهّلت مصر نقل الميليشيات السودانية إلى ليبيا، وتواصل نقل الأسلحة إلى أمير الحرب الليبي "خليفة حفتر"، الذي تدعمه أيضا السعودية، والذي يقاتل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس.

وبالمثل، استخدمت الإمارات المجال الجوي والموانئ السودانية لنقل مئات المرتزقة لدعم "حفتر" والقيام بعملها القذر في حرب اليمن المستمرة.

وفي السودان، حاولت السعودية والإمارات ومصر جاهدة وقف أي إصلاحات سياسية حقيقية بعد الإطاحة بـ"عمر البشير".

وتعهدت الإمارات والسعودية بتقديم 3 مليارات دولار للمجلس العسكري الانتقالي السوداني في الوقت الذي كان فيه يقمع المتظاهرين بعنف.

وفي حين قد توفر تلك المساعدة الإغاثة الاقتصادية للبلاد، والمساعدة في دعم الرعاية الطبية المهمة، إلا أنها كانت أيضا محاولة لدفع اتجاه انتقال السودان بعد "البشير" بعيدا عن الحكم المدني واحتمالات التغيير المؤسسي والهيكلي.

وندد المتظاهرون بالمساعدة بشكل صريح كجهد من الدولتين الخليجيتين للسيطرة على البلاد، وطالبوا الحكومة بردها. وتشير التقارير الأخيرة إلى توقف المساعدات الآن بعد تحويل مليار دولار.

ولم يكن المتظاهرون السودانيون الوحيدون الذين يتشككون في نوايا هذه الدول الخليجية. فالمجموعات الجزائرية المؤيدة للديمقراطية قلقة للغاية من النوايا السعودية والإماراتية تجاه بلادهم، لدرجة أنها دفعت لطرد أي شركات مرتبطة بهما.

ويبدو أن قلقها له ما يبرره، حيث كانت أول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس المنتخب حديثا "عبدالمجيد تبون" إلى السعودية، وهي دولة تحتفظ بما يقرب من 3 مليارات دولار من الاستثمارات في الجزائر، وربما نشهد ارتفاعها إلى 10 مليار دولار في العقد المقبل.

وفي تونس، حاولت هذه الدول مرة أخرى إحباط الانتقال الديمقراطي من خلال دعم عناصر نظام ما قبل الربيع العربي، وتجنيد المتظاهرين لتعزيز تلك الطموحات، وشن حملات تضليل.

وبالرغم من هذه الجهود، لم تسفر نتائج هذا التدخل حتى الآن عن نتائج تذكر؛ فقد تنازل المجلس العسكري الانتقالي السوداني عن الحكم إلى مجلس السيادة العسكري المدني المشترك، وكان أول زعيمين عالميين يزوران الرئيس التونسي الجديد من قطر وتركيا، ما رفع احتمال أن يقود هذان البلدان، وليس منافسيهما الخليجيين، طريق الاستثمار في تونس.

ولكن من غير المرجح أن تردع هذه العقبات الجهود السعودية والإماراتية والمصرية الجارية لضمان عدم ترسيخ الديمقراطية في المنطقة.

وتواصل الدول الثلاث استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإطلاق العنان لجيوشها من "الذباب الإلكتروني" لتقويض الحركات الديمقراطية ونشر التضليل وتشويه المعارضين وزرع الخلاف.

وفي الآونة الأخيرة، سعت حسابات متعددة على "تويتر"، من السعودية والإمارات ومصر، إلى تشويه سمعة أعدائها الإقليميين واستهداف حكومة الوفاق الوطني في ليبيا.

وفي الصيف الماضي، أزال "فيسبوك" العديد من الحسابات الافتراضية الموجودة في السعودية والإمارات ومصر، والتي سعت إلى تضخيم النجاحات الإقليمية للحاكم الفعلي للسعودية "محمد بن سلمان"، وجهود الإمارات، ورفع مكانة "حفتر" في ليبيا، والتشكيك في الحركات الشعبية في أماكن مثل السودان.

ومنذ بداية الانتفاضة الشعبية في الجزائر عام 2019، أغرقت الحسابات المتمركزة في السعودية والإمارات "فيسبوك" و"تويتر" برسائل مؤيدة للنظام، تهدف غالبا إلى نشر الخوف وتشويه سمعة حركة "الحراك" الشعبية.

وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، التي اعتبرها العديد من الجزائريين محاولة لتوفير شرعية للنظام القديم، وكانت هناك دعوات للمقاطعة، نفذت الحسابات السعودية والإماراتية والمصرية حملة تدعو إلى الخروج للتصويت.

ولا تقتصر مثل هذه الأساليب السيئة والتلاعبية السيبرانية على الجهود الجماعية الواسعة، لكن تم استخدامها في اختراق حسابات الخصوم ومراقبة وتشويه المنتقدين والصحفيين والناشطين لصالح الأجندة السعودية المحلية أو الدولية.

وكانت ذروة هذه الممارسات غير الأخلاقية، اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول.

ويجب أن لا تكون هذه المعارضة للديمقراطية، والرغبة في تنفيذ رؤية ضيقة للحفاظ على مكانة الأنظمة والنخب الحاكمة، مفاجأة بالنسبة لثلاث دول لا تهدأ في إسكات النقاد وتتبع أساليب مختلفة من القمع الاجتماعي والسياسي داخل حدودها.

ومن خلال الإجراءات واسعة النطاق، مثل الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين وسجن المدافعين عن حقوق الإنسان، إلى قمع المعارضة داخل الأسر الحاكمة نفسها، بما في ذلك من خلال الاختطاف والاعتقال، يسعى القائمون على هذه الأنظمة إلى طاعة لا تتزعزع للرؤية الإقليمية المستبدة.

وإذا استمرت الأمور دون رادع بعد أن تهدأ أزمة الفيروس التاجي "كوفيد-19"، فسوف تستمر هذه الرؤية في الانتشار والسعي إلى إضعاف الحركات الديمقراطية عبر الشرق الأوسط حيثما أمكن ذلك.

المصدر | كيفن شوارتز - ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

منظومة الاستبداد حراك الجزائر ثورة السودان الديمقراطية التونسية

الإمارات ومصر تديران حربا إلكترونية لدعم الأنظمة الاستبدادية

كيف يتأثر الشرق الأوسط في عصر تنافس القوى العظمى؟

هل يكون كورونا بداية النهاية للوجود الأمريكي في المنطقة؟