تركيا وصندوق النقد.. لماذا يرفض أردوغان ضغوط الاقتراض الدولي؟

الاثنين 20 أبريل 2020 05:16 م

12 دولة في الشرق الأوسط طلبت الحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي من أجل مواجهة تفشي فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19"؛ بسبب تراجع النمو الاقتصادي بشكل كبير، لكن الملاحظ أن تركيا التي تعاني من أزمة اقتصادية أدت إلى انخفاض قيمة عملتها لم تكن من بين هذه الدول.

وتدرس الحكومة التركية خيارات تمويل بديلة بعيدا عن صندوق النقد الدولي، بينها إجراء محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الحصول على خط مبادلات مع مجلس الاحتياطي الاتحادي، بالإضافة إلى "خيارات أخرى" لم تسمها، وفق "وكالة رويترز".

 لكن مصادر تركية معارضة ألمحت إلى أن صندوق النقد الدولي هو "العلقم" الذي سيضطر الرئيس "رجب طيب أردوغان" إلى تجرعه مجددا رغم تعهده بعدم الاقتراض من الصندوق مجددا، منذ أن أنهت تركيا سداد ديونها المستحقة إليه في مايو/أيار 2013، مشددا، حسب كلمة ألقاها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة في البرلمان التركي، على أن هذا الباب "لن يفتح مجددا".

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "زمان" التركية عن الخبير الاقتصادي "مخفي أيلماز" أن الحكومة التركية "مضطرة للاقتراض من صندوق النقد الدولي أو طباعة المزيد من النقود، لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا"، مضيفا أن "حكومة العدالة والتنمية ستلجأ لأحد الخيارين بعدما أنفقت الميزانية الاحتياطية للبنك المركزي قبل أزمة كورونا، والتي يتم استقطاعها من أرباح البنك المركزي للاستخدام في الأوقات الحرجة".

ويشير الخبير الاقتصادي السابق بوزارة الخزانة الأمريكية "براد سيتسر" إلى أن نفاد كمية كبيرة من احتياطيات تركيا جاء في إطار محاولة دعم عملتها (الليرة) خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، قبل صدمة فيروس "كورونا"، وفقا لما أوردته صحيفة "أحوال" التركية المعارضة.

ولطالما تفاخر "أردوغان" بنجاحه في سداد ديون تركيا التي كانت مستحقة لدى صندوق النقد الدولي، حيث أكد في خطاب متلفز للشعب في 13 أبريل/نيسان، إن تركيا تمتلك بنية اقتصادية تمكنها من تجاوز فترة المخاض بنجاح، و"لن تخضع لأي إملاء من شأنه أن يجعل طرفا ما يمن عليها، خاصة صندوق النقد الدولي".

وفي هذا الإطار، أعلن مدير القسم الأوربي في صندوق النقد الدولي "بول تومسون"، في 30 مارس/آذار الماضي، أن "تركيا لم تتقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية من أجل مواجهة تفشي وباء كورونا"، كما أكد وزير الخزانة والمالية التركي "بيرات البيرق"، عبر "تويتر"، في 15 أبريل/نيسان، أن تركيا تقوم بإدارة المرحلة الحالية بكفاءة وأنها لا تحتاج أي دعم دولي.

وبدا أن تعليق "البيرق" جاء ردا على ما أعلنه الصندوق، في تقرير نشره في 14 أبريل/نيسان، توقع انكماش الاقتصاد التركي بنسبة 5% هذا العام على خلفية تداعيات أزمة "كورونا".

وبحسب التقرير فإن الانخفاض في الناتج الاقتصادي لتركيا سيصاحبه زيادة في البطالة، تصل إلى نسبة 17.2% بحلول نهاية العام الجاري 2020.

وتمثل توقعات الصندوق مادة للسجال بين المؤيدين والمعارضين لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي وحلفائه، حيث تتناقض توقعات الصندوق مع هدف تركيا تحقيق نمو بنسبة 5% هذا العام، وهو رقم لم تراجعه الحكومة رسميًا حتى الآن.

ويعتمد "أردوغان" حاليا على محاولة إيجاد مصادر تمويل محلية لتغطية النفقات الكبيرة جراء أزمة "كورونا"، إضافة إلى التقلص الكبير في عائدات الضرائب، ومنها إعلانه إطلاق حملة تضامن وطنية لمساعدة المتضررين اقتصاديا وافتتحها بالتبرع براتب 7 أشهر.

ولاقت الحملة تفاعلا كبيرا من قبل مختلف الأوساط الاقتصادية والسياسية وغيرها، حيث سارع العديد من رجال الأعمال والمؤسسات والشركات والمسؤولين للتبرع في الحملة، غير أنها لم تسفر إلا عن جمع مليار و612 مليون ليرة فقط (حوالي 230 مليون دولار)، حسب خطاب "أردوغان" الأخير.

تحدي الإغلاق الكلي

وبالإضافة إلى أن إدارة الرئيس التركي ستحتاج إلى زيادة القيود المفروضة على حركة سكان تركيا، الذين يزيد عددهم على 80 مليون نسمة، لمنع تفشي الفيروس، فإن فرص تباطؤ الاقتصاد تبدو مرجحة، حسب "سيتسر".

وتكشف البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي أن عجز ميزانية الحكومة المركزية قفز إلى 43.7 مليار ليرة (6.35 مليار دولار) في مارس/آذار الماضي، فيما تراجعت وتيرة نمو الناتج الصناعي لتركيا خلال فبراير/شباط الماضي، أي قبل فرض إجراءات العزل التي أغلقت معظم النشاطات الصناعية في البلاد.

ويقول اتحاد مصنعي السيارات في تركيا إن إنتاج السيارات انخفض في مارس/آذار الماضي بنسبة 22% على أساس سنوي ليصل إلى نحو 103 آلاف سيارة بسبب تداعيات فيروس "كورونا، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 30%.

وعلى مستوى العملة، سجلت الليرة التركية في أبريل/نيسان الحالي أدنى مستوى لها منذ ذروة أزمة العملة التي واجهتها البلاد في 2018.

ورجحت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية، الأسبوع الماضي، أن يؤدي الضغط النزولي على الليرة إلى مزيد من الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي، وإلى مزيد من الضغط على فرص التمويل الخارجي عن طريق القطاع الخاص.

ومن المرجح أن التداعيات سوف تتفاقم بشكل أكبر حال تم إغلاق الاقتصاج بشكل كلي، وفي هذا الصدد، يحذر الخبير الاقتصادي "أجاث ديمارايس" من ركود قد يمتد لمدة عام كامل في تركيا، نتيجة انهيار قطاع السياحة، الأمر الذي سيزيد من الضغط على عجز الميزانية وعلى الليرة الهشة بالفعل، وسيؤدي بدوره إلى ركود تضخمي.

ولعل هذه المخاوف الاقتصادية هي التي تقف وراء رفض السلطات التركية تعميم الحجر الصحي الشامل حتى الآن، رغم مطالبة عمداء مدن ونقابات وهيئات صحية بفرضه، كان آخرهم عمدة إسطنبول "أكرم إمام أوغلو".

وحسب تحليل نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في 16 أبريل/نيسان، فإن "أردوغان" يخشى من الآثار الاقتصادية الناجمة عن "الحجر الصحي الشامل" ولا يرغب في خوضه "مهما كان الثمن"، خاصة أن ملايين الأتراك سيلجأون إلى الحكومة للحصول على إعانات مالية ضخمة، سوف تكبد البلاد المزيد من العجز.

ونتيجة لذلك، يرى عدد من المعارضين الأتراك بأن رفض "أردوغان" للاقتراض من صندوق النقد الدولي له دوافع سياسية يتعلق بالوفاء بتعهده السابق، لكنه غير سليم من الناحية الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، يقول الكاتب في موقع صحيفة "أحوال" التركية، "إيمري ديليفيلي" إن "عدم وجود موارد كافية هو السبب وراء إحجام أردوغان عن المضي قدما في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، فالدولة ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لتأمين الحظر الكامل"، مؤكدا أن قلة الاحتياطات المالية لا تترك أمام أنقرة سوى خيار واحد فقط هو اللجوء إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

ولا يبدو أن التعويل على مصادر تمويل خارجية بخلاف صندوق النقد سيكون مجديا، خاصة في ظل توقعات الصندوق نفسه بأن يعاني ​الاقتصاد العالمي كله هذا العام أسوأ ركود له منذ الكساد العظيم، حيث تتعرض الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض في ​أفريقيا​ وأمريكا اللاتينية​ وآسيا لمخاطر عالية.

ويشدد الصندوق على أن حدوث ركود شديد هو أمر "لا يمكن تجنّبه" لكن في الإمكان اتّخاذ إجراءات "مالية ونقدية ملموسة ومحددة" للتخفيف من حدّة الأزمة وضمان وضع الاقتصاد في موقع يمكنه من استئناف نشاطه فور انتهاء تدابير الإغلاق، وفقا لما أوردته وكالة "فرانس برس".

إصرار "أردوغان"

لكن في المقابل، يرد الباحث الاقتصادي "أحمد أبو زعيتر" أن محاولات دفع تركيا تجاه الاقتراض من صندوق النقد الدولي "لا تخلو من دوافع سياسية أيضا"، معتبرا أن أزمتي انخفاض الليرة واحتياطي النقد الأجنبي "مؤقتتين"، ولا تدلان على ضعف وهشاشة أو انهيار الاقتصاد التركي، وفقا لما نقله موقع "عربي 21".

وينوه "أبو زعيتر" إلى أن الابتعاد عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي بات سياسة مستقرة لدى الدولة التركية منذ أن سددت آخر ديونها له عام 2013، مبررا ذلك بأن "قروض الصندوق تكون مصحوبة بشروط صارمة وتتطلب إجراء إصلاحات ربما تؤذي الطبقة الفقيرة في تركيا".

كما يؤكد الخبير الاقتصادي "محمد حاج بكري" أن الحديث عن حالة انهيار اقتصادي جراء "كورونا" غير سليم، في ظل تمتع تركيا تتمتع بقوة اقتصادية كونها ضمن دول مجموعة العشرين، معتبرا أن تحذيرات صندوق النقد تستهدف تركيع تركيا بالديون مستقبلا، وفقا لما نقلته وكالة أنباء تركيا.

ويشير "بكري" إلى زاوية أخرى لإصرار "أردوغان" على عدم الاقتراض من صندوق النقد، ترتبط بتوجه تركيا الاستراتيجي للانضمام مستقبلا إلى الاتحاد الأوروبي، فأزمة "كورونا" كشفت عن تفوق نظام تركيا الصحي على الكثير من الدول الأوروبية، وهو ما أوضحه "أردوغان" في خطابه الأخير.

ويعني ذلك أنه حال استطاعت تركيا تجاوز تفشي الفيروس دون الاقتراض من صندوق النقد، فسوف تثبت أنها "تمثل قيمة مضافة للاتحاد".

وفي الواقع يبدو أن سياسة "أردوغان" في مواجهة "كورونا" تلقى قبولا لدى الشعب التركي، ووفقا لنتائج استطلاع رأي نظمته شركة ميتروبول، ارتفعت شعبية الرئيس التركي بنسبة 14% خلال الفترة الماضية على خلفية الجهود الناجحة للدولة التركية في التعامل مع الوباء.

وبحسب الاستطلاع، الذي شمل عينة تضم 1562 شخصا من 28 محافظة، وتم إجراؤه عبر مقابلات هاتفية، فإن شعبية الرئيس التركي وصلت إلى 55.8% وهي الأعلى منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة ضده عام 2016.

واعتبرت "ميتروبول" أن النتائج تظهر اهتماما متزايدا بـ"القيادة القوية"، جراء حالة القلق التي تسببت بها الجائحة، لكن ذلك يظل سلاحا ذو حدين، خاصة إذا ما تحققت التوقعات القاتمة بشأن الاقتصاد التركي.

فهل يضطر مأزق "التمويل" "أردوغان" إلى التنازل عن صورة القائد القوي؟

التطورات لا تشي بذلك حتى الآن، لكن قدرة الاقتصاد التركي على الصمود في الأشهر القادمة سوف تكون حاسمة بالنسبة لـ"أردوغان"، وحزبه "العدالة والتنمية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صندوق النقد الدولي كورونا

صندوق النقد: تركيا لم تطلب مساعدات مالية

مخاطرة الأسواق الناشئة تدعم الليرة التركية بعد هبوطها

النقد الدولي يتوقع نمو اقتصاد تركيا 6 بالمئة في 2021