الحريديم وشينتشونجي والتبليغ.. كيف أسهمت المعتقدات الدينية الخاطئة في تفشي كورونا؟

الأربعاء 22 أبريل 2020 03:59 م

"تذكروا حاجة الفئات الضعيفة في جميع أرجاء العالم، والمتواجدين في مناطق الحرب ومخيمات اللاجئين والأحياء الفقيرة وجميع الأماكن الأقل تجهيزا لمكافحة الفيروس"..

رسالة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، في 13 أبريل/نيسان، إلى زعماء الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية لتوحيد القوى باتجاه المعركة المشتركة من أجل هزم جائحة "كورونا"، تزامنا مع اقتراب حلول عيدي الفصح المسيحي واليهودي، وحلول شهر رمضان المبارك عند المسلمين.

وقدمت رسالة "جوتيريش" مؤشرا على ما تتحمله المجتمعات الدينية من مسؤولية خاصة في مكافحة الأوبئة من جانب، وما يمكن أن تمثله من أزمة كبرى في حال عدم امتثالها لإجراءات الوقاية من فيروس تنفسي ينتقل عبر الهواء والأسطح من جانب آخر، وهو ما أعاد تسليط الضوء على حالات "التشدد الديني" ودورها في تفشي الوباء في العديد من دول العالم حتى الآن.

فالمعتقدات الدينية الخاطئة مثلت واحدة من أهم عوامل انتشار "كورونا"، حسب تقارير شملت مجتمعات إسلامية ومسيحية ويهودية، اشتركت جميعا في ضربها بقرارات الحجر الصحي وحظر التجوال عرض الحائط بدعوى أولوية قداسة الشعيرة الدينية، رغم صدور الفتاوى والتوجيهات من مؤسسات التمثيل الديني الرسمية بضرورة الالتزام الصارم بالتعليمات الصحية باعتبار أن الأولوية لحياة الإنسان.

وفي هذا الإطار، شهدت باكستان، التي تعد ثاني أكبر دول العالم من حيث عدد المسلمين (نحو 200 مليون نسمة) وشهدت الآلاف من إصابات "كورونا"، تفشيا لظاهرة الإصرار على تنظيم صلوات الجماعة دون أي احترازات وقائية، فلا تباعد بين المصلين ولا التزام بارتداء الكمامات، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

وقد زعم بعض المصلين في باكستان أن أئمة المساجد أخبروهم أن "كورونا" لا يمكن أن يصيب المسلمين مثلما يصيب الغربيين، زاعمين أن غسل المصلين لأيديهم ووجوههم 5 مرات كل يوم قبل أداء الصلاة يحميهم من الفيروس "بعكس الكفار الذين لا يفعلون ذلك، ولذا لا داعي للقلق" بحد تعبيرهم.

ويخشى كثيرون أن يشهد البلد الآسيوي زيادة كبيرة في أعداد ضحايا "كورونا" جراء ذلك، خاصة مع ترجيح تزايد أعداد المصلين مع قدوم شهر رمضان.

مؤامرة على المساجد

بدورها، تكافح السلطات الباكستانية للتغلب على هذا التحدي، لكن المعتقدات الدينية الخاطئة تمثل عقبة أمام ذلك، وهو ما عبر عنه "ميرزا شاهزاد"، أكبر أحد مساعدي رئيس الوزراء "عمران خان"، بقوله: "الدين والصلاة مسألة وجدان عند كثيرين في باكستان، لذا فإن الحكومة تشعر بحساسية في هذا الأمر".

وانعكست هذه الحساسية على رد الفعل الحكومي على خروقات التعليمات الصحية، ففي يوم 27 مارس/آذار الماضي رفعت السلطات 88 دعوى على إدارات مساجد في كراتشي (أكبر مدن باكستان)، وألقت القبض على 38 شخصا لتحديهم القيود المفروضة على التجمعات يوم الجمعة، لكن الاتهامات أسقطت في اليوم التالي وأطلقت السلطات سراح الموقوفين.

ثمة عقبة أخرى أمام السلطات، تتمثل في هيمنة "نظرية المؤامرة" على رؤية العديد من القيادات الدينية في باكستان بشأن "كورونا"، التي ترى أن إغلاق المساجد يأتي في سياق "تعليمات أمريكية" تنفذها حكومة البلاد.

هذا ما عبر عنه "المفتي كفاية الله"، عضو جمعية علماء الإسلام الباكستانية، عندما وجه حديثه لمئات المشاركين في جنازة، الأسبوع الماضي، قائلا إن أوامر الحكومة بغلق المساجد "غير مقبولة"، مضيفا: "نحن على استعداد لبذل أرواحنا لكننا غير مستعدين لهجر مساجدنا".

وفي هذا السياق، أصبح وسم "أيها المسلمون المسجد يناديكم" من أكثر الوسوم انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي في باكستان، لتتجسد مفارقة واضحة بين دعوة مجلس العقيدة الإسلامية، الذي يقدم المشورة للحكومة في المسائل الدينية، إلى التعاون فيما يتعلق بتدابير مكافحة "كورونا"، ومعارضة واسعة من أئمة وقيادات محلية، ما أسفر عن نشوب أعمال عنف مع محاولة أجهزة الأمن منع إقامة صلوات الجمع الماضية في كراتشي.

وتعد جماعة "التبليغ والدعوة" على رأس الجهات المتهمة بالتسبب في أزمة الثقافة الدينية المناوئة لتعليمات الوقاية الصحية في باكستان خصوصا، وفي آسيا بشكل عام، إذ اتهمتها السلطات الباكستانية والماليزية والهندية بتنظيم 3 تجمعات في مارس/آذار الماضي، ساهمت في انتقال عدوى فيروس "كورونا" المستجد بالدول الثلاث.

وشارك أعضاء من 70 بلدا في الاجتماع الباكستاني، الذي ضم نحو 100 ألف شخص، وتم تسجيل أول إصابتين بالفيروس في قطاع غزة الفلسطيني لشخصين عائدين من هذا الاجتماع.

ويعد "الاجتماع" طابعا أساسيا في أنشطة "التبليغ"، التي تتبنى "رؤية روحانية تغلب كفة الإيمان على العلم"، حسبما نقلت قناة الحرة الأمريكية عن الخبير في شؤون الجماعة "موسى خديم الله".

البؤرة الكورية

وعلى الساحة المسيحية، تتوجه أصابع الاتهام في كوريا الجنوبية إلى طائفة "شينتشونجي" بالمساهمة في تفاقم تفشي فيروس "كورونا" المستجد، ما دفع السلطات إلى إلغاء أنشطة الطائفة.

وتسبب أحد تجمعات الطائفة، المخالفة لتعليمات السلطات، في نشوء بؤرة لفيروس "كورونا" في مدينة "دايجو"، جنوب شرقي البلاد، بعدما نظمت صلاة على ميتٍ بحضور مصابين.

وبلغ استياء السلطات الكورية من سلوك أتباع الطائفة إلى حد عقد "بارك وون-سون"، عمدة العاصمة سيول، مؤتمرا صحفيا في 26 مارس/آذار الماضي، وصف فيه "شينتشونجي" بأنها "منظمة دينية مناهضة للمجتمع، تعطي الأولوية فقط لنموها بغض النظر عن صحة وسلامة الشعب"، مشيرا إلى أن الطائفة عرقلت جهود الحكومة للحد من تفشي المرض من خلال تقديم معلومات كاذبة وأمر أتباعها بالكذب على السلطات الصحية.

ويقدر عدد أتباع "شينتشونجي" بنحو 200 ألف شخص في كوريا الجنوبية، وتتجاوز نسبة إصابات "كورونا" وسطهم 50% من إجمالي عدد المصابين بالفيروس في عموم البلاد، وفقا لما أوردته وكالة يونهاب الكورية.

الظاهرة ذاتها تشهدها عدد من الكنائس المسيحية في الولايات المتحدة، رغم ما تعانيه البلاد من تفش استثنائي لفيروس "كورونا"، ومنها كنيسة "سوليد روك"، الضخمة القائمة في ضاحية خارج مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو، والتي حافظت على إقامة صلواتها في تجمعات يبلغ عدد المشاركين فيها أكثر من ألف شخص.

ورغم مطالبة بلدية المنطقة والمسؤولون الصحيون للكنيسة إغلاق أبوابها، لكنها رفضت، وهو ما كررته كنائس أخرى، منها كنيسة "لون ستار المعمدانية" في مدينة لون ستار بولاية تكساس.

وعبر "فيسبوك"، اعتبر القس في الكنيسة "كيلى بيرتون" أن "الشيطان يحاول التفريق بيننا وأن يبعدنا عن الصلاة معا لكننا لن نتركه ينتصر"، فيما نقلت "رويترز" عن "توني سبيل"، القس في كنيسة أخرى بولاية لويزيانا، أن العديد من القساوسية يتحدون اللوائح "لأن الرب يأمرنا بنشر الإنجيل".

ودعا "توني" المصلين للتجمع بغض النظر عن تفشي "كورونا"، باعتبار أن الكنيسة هي "القوة الأخيرة التي تقاوم مناهضة المسيح"، وأن "أوامر الصحة العامة وتعليمات السلطات تمثل تهديدا للحرية الدينية والحقوق الدستورية"، على حد قوله.

الحريديم

يتبنى "الحريديم" النهج المتشدد على الساحة اليهودية، حيث يرفض قياداتهم الامتثال لإجراءات دولة الاحتلال الإسرائيلي الصحية، إلى حد تهجم عدد من أتباع الطائفة على جنود الشرطة وإصرارهم على تأدية الصلاة جماعة وإقامة حفلات الزواج.

وأدى المئات من يهود الحريديم إحدى صلواتهم بمناسبة نهاية عيد الفصح (16 أبريل/نيسان) في حي ميئا شعاريم بمدينة القدس، مخترقين قواعد عدم التجمهر المفروضة ضمن مساعي كبح انتشار فيروس "كورونا".

وسعيا للتأثير على جمهور الحريديم وإقناعهم بمدى خطورة "كورونا"، وضرورة الالتزام بتعليمات وزارة الصحة، كثرت فتاوى وتفسيرات الحاخامات للتعاليم التوراتية التي تنص على ضرورة الحفاظ على صحة الإنسان وسلامته، لكن ذلك لم يقنع أتباع الجماعة اليهودية، رغم ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس في أوساط الطائفة، بدعوى أن دعوات "حاخامات السلطة" مسيسة.

وكانت الحسابات السياسية ذاتها وراء تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في إصدار أوامره لسلطات إنفاذ القانون بتطبيق التقييدات والحد من التنقل في أوساط الحريديم، حتى لا يُغضب شركاءه في الائتلاف الحكومي من حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة"، واللجوء بدلا من ذلك إلى إجراءات عزل عامة على المناطق التي يقطنها غالبية من اليهود المتشددين، ومنها بلدة بني براق، التي يبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة وتقع بالقرب من تل أبيب.

ولذا يرى الباحث الفرنسي، في العلوم السياسية ومقارنة الأديان "فرانسوا مابيل" أن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة إلى أتباع الديانات الثلاث تعكس وقوف العديد من المجتمعات كعقبة أمام جهود مكافحة وباء "كورونا"، حسبما نقلت شبكة "الحرة" الأمريكية.

ويشدد "مابيل" على أهمية ما للمؤسسات الدينية الرسمية من دور كبير في خطاب التوعوية لمكافحة الوباء، وإلا فإن هناك موجات أخرى قادمة من الوباء لا محالة، ربما تكون أشد ضراوة وأكثر صعوبة في احتوائها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا الحريديم جماعة التبليغ والدعوة كوريا الجنوبية

كورونا.. إسرائيل تعلن بلدة للمتشددين اليهود "منطقة محظورة"