الإندبندنت: هل يغير كورونا الجغرافيا السياسية لصناعة الطاقة؟

الأربعاء 22 أبريل 2020 04:46 م

بدأ شيء غريب يحدث الشهر الماضي في ولاية وايومونغ الأمريكية، فرغم أن العدوى بفيروس "كورونا" المستجد بالكاد وصلت هذه الولاية ذات الكثافة السكانية القليلة، إلا إنه كان يمكن رؤية تأثير "كوفيد-19" بوضوح.

ومع توقف آلاف الطائرات وأمر مليارات المواطنين بالبقاء في منازلهم، انهار الطلب العالمي على النفط بسرعة وبدرجة كبيرة لدرجة أن المنتجين في وايومنغ كانوا على استعداد لدفع 19 سنتًا مقابل البرميل ليتخلصوا منه، لقد أصبح أسوأ من أن يكون عديم القيمة، أصبح عبئًا!

انهيار غير مسبوق

وعلى بعد ألف ميل في ألبرتا في كندا، التي تعد ربما موطن أكبر مستودع منفرد في العالم للهيدروكربونات، كانت هناك قصة مشابهة تتكرر.

بحلول منتصف مارس/آذار، كان بإمكان المرء شراء واحد من 1.7 تريليونات برميل من النفط في كندا، مقابل 5 دولارات فقط.

امتد التأثير الذي بدا كشيء هامشي في سوق النفط العالمي عبر الولايات المتحدة، حيث انخفض سعر المؤشر الرئيسي لأمريكا "غرب تكساس" إلى مستوى أدنى يصل إلى سالب 40 دولارًا يوم الإثنين الماضي، وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يهوي فيها إلى تحت الصفر.

ومع الوصول إلى سعة التخزين القصوى بأسرع وتيرة على الإطلاق، لم يُرد أحد التورط في أي كميات من النفط في مايو/أيار، فلن يكون هناك مكان تضعه فيه ولا أحد سيشتريه منك.

كانت الأسعار السالبة إلى حد ما بمثابة إشارة تقنية ناجمة عن الطريقة التي يُتداول بها النفط بالعقود الآجلة، و يعتقد الخبراء أن هذه الظاهرة قد تتكرر الشهر المقبل مع استمرار انكماش الاقتصاد العالمي.

الرهان على الطاقة المتجددة

يمكن لتطور الوضع خلال الأشهر المقبلة أن يكون له تأثيرات دائمة على ما يعد أهم معركة تواجه الإنسانية؛ أزمة المناخ.

يبدو أن إنتاج النفط الأمريكي والكندي، الذي يعتبر مكلفًا نسبيًا مقارنة بإنتاج دول أخرى مثل السعودية، سينهار بسبب التراجع الكارثي في ​​أسعار النفط. ويعتقد بعض الخبراء أنه سيواجه صعوبة في التعافي.

سيفقد الآلاف وظائفهم وسيتوقف إنتاج العديد من آبار النفط، وهذا بدوره قد يساعد في التحول نحو عالم منخفض الكربون.

هناك جوانب أخرى للأزمة يمكن أن تكون جيدة للمناخ؛ إذ يمكن أن تستمر التغييرات المحتملة في سلوكنا، مما يعني عمل الأشخاص من المنزل أكثر، وتقليل السفر والتسوق المحلي، على سبيل المثال.

وقد تستنتج الشركات التي تنقل حاليًا الإمدادات من جميع أنحاء العالم أو تعتمد على العمالة المهاجرة أن بناء الأشياء أقرب إلى الوطن أو السوق المباشرة هي مقاربة أقل مخاطرة.

في حين قد تبدو هذه كأنها تنبؤات وردية لمدافعين عن البيئة يرون نصف الكوب المملوء من الأزمة، إلا أنها في الواقع توقعات "جيف كوري"، الرئيس العالمي لأبحاث السلع في مؤسسة "جولدمان ساكس" المصرفية، التي لا تشتهر بميلها لليوتوبيا، وإنما تعرف بتحليلاتها المستقاة من البيانات والحقائق القاسية الصادمة.

يعتقد "كوري" وفريقه أن تراجع الطلب الناجم عن الأزمة الحالية يمكن أن يؤدي -من قبيل المفارقة- إلى قفزة كبيرة في أسعار النفط العام المقبل عندما يخرج الاقتصاد من حالة السبات.

كما يتوقعون أن صناعة النفط لن تكون قادرة على مواكبة ذلك، تاركة فجوة لتملأها مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.

وفي تقرير لافت للنظر، قال "كوري" إن "الفيروس التاجي سيغير بشكل دائم صناعة الطاقة وجغرافيتها السياسية، ويحد من الطلب مع عودة النشاط الاقتصادي للوضع الطبيعي وتحويل النقاش إلى ملفات تغير المناخ".

أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن مصدر الطاقة الذي أدمنه العالم الصناعي لأكثر من قرن من الزمن لديه بعض القيود المادية الرئيسية، ببساطة لا يمكن إيقاف تشغيله ثم إعادة تشغيله مثل الصنبور، وفق ما أخبر "كوري" صحيفة "الإندبندنت".

وتابع "كوري": "آبار النفط مختلفة تمامًا عن العمليات الصناعية الأخرى. إنها رواسب عضوية تتطلب الضغط لاستخراجها. وعندما تقوم بإغلاقها، فإنك عادة ما تلحق الضرر بالبئر".

لم يحاول أحد قط قطع إمدادات النفط بمثل السرعة التي حدثت في الأسابيع القليلة الماضية، وقد انحسر الطلب العالمي بنسبة تصل إلى 30%، أو 30 مليون برميل في اليوم، وهو ما يتجاوز بكثير أيسوابق شبيهة في الماضي.

وفي الوقت نفسه، حافظت روسيا والسعودية على مستويات إنتاج عالية في خضم معركتهما على حصة السوق.

لا شهية للاستثمار في النفط

يقول "كوري": "نظرًا لأنه يجب احتواء النفط والطاقة ضمن بنية تحتية مثل خطوط الأنابيب ومصافي التكرير، فلا يمكنك الاستمرار في إنتاج فائض إلى أجل غير مسمى. لا يمكنك فقط صب النفط خارج البئر، يجب أن يدخل في النظام".

تمتلئ الأجزاء الرئيسية من هذا النظام بالفعل، مما يعني أن العديد من المنتجين، وخاصة أولئك الموجودين في الأراضي الداخلية والذين يعتمدون على خطوط الأنابيب بدلاً من السفن لنقل نفطهم، لن يكون لديهم خيار سوى الإغلاق.

يمكن أن يكون الإغلاق ثم الفتح مرة أخرى باهظ الثمن بشكل تعجيزي، وهذا هو السبب في أن المنتجين في ألبرتا ووايومنغ وخارجها مستعدون لبيع النفط بخسارة بدلاً من إيقاف الإنتاج تمامًا.

غالبًا ما يوصف النفط بأنه موجود في مخازن، مما يعطي انطباعًا مضللاً بأنه يقع في ثقوب كهفية تحت الأرض يمكن سحب النفط منها بسهولة.

ولكن في الحقيقة، غالبًا ما توجد رواسب النفط مشبعة في ثقوب صغيرة من الصخور المسامية، ويجب الحفاظ على الضغط باستمرار لإخراج النفط من البئر، يكون ذلك سهلاً في البداية عندما يمكن أن يكون الضغط مرتفعًا بشكل طبيعي.

ولكن مع نضوج البئر، يصبح من الصعب ومن المكلف تطبيق الضغط المطلوب واستخراج النفط، و في نفس الوقت فان بدء العملية مرة أخرى أو حفر آبار جديدة، يضيف المزيد من التكلفة.

لم تعد تلك الأموال ترِد بالكميات التي اعتادت عليها العديد من شركات النفط، مما يعني أن الشركات الأكبر والأكثر كفاءة فقط هي التي يُحتمل أن تنجو.

إذا كان العالم مدمنا للنفط؛ فإن صناعة النفط نفسها مدمنة للنقد، مما يتطلب ضخ رؤوس أموال ضخمة لتمويل عمليات الاستكشاف والإنتاج.

لكن شهية الاستثمار تنفد تجاه الوقود الأحفوري - ولا سيما في الأوقات غير المستقرة - وفي ظل احتمالية خسارة عشرات المليارات من الدولارات مع إثقال غالبية المنتجين النفطيين الأمريكيين الصغار بالديون، فمن المرجح أن تتدهور هذه الشهية أكثر.

تبدو أسواق رأس المال أكثر حذرا بشأن تسليم الأموال إلى منتجي النفط بعد سنوات من عائدات أقل من المعدل، وفي الوقت نفسه، بدأت البنوك في تقليص تمويل النفط والغاز، وخفضت صناديق الثروة الكبيرة -بما في ذلك صندوق الثروة السيادي النرويجي البالغ تريليون دولار- استثماراتها في هذا القطاع.

إغراءات الطاقة المتجددة

في الوقت نفسه، أصبحت مصادر الطاقة المتجددة استثمارًا أكثر جاذبية. تتطلب مزرعة الرياح رأس مال أقل بكثير من حقل النفط، وصحيح أن العوائد أقل إلا إنها أكثر صلابة وموثوقية.

يقول "بول فلود" مدير المحافظ الاستثمارية في شركة "نيوتون إنفستمنت مانجمنت"، إن الشركات التي تنتج الطاقة المتجددة تتفرد من ناحية بقائها مستقرة حتى خلال الأوقات الاقتصادية المضطربة، وهذا يجعلها مقصدًا مثاليًا للحكومات لتركز على ما سيكون على الأرجح برامج تحفيز ضخمة في أعقاب أزمة "كوفيد-19".

وأضاف: "هذا خيار مناسب للغاية، ويضرب عصفورين بحجر من خلال توفير مصادر جديدة للطاقة المتجددة لتقليل انبعاثات الكربون من الطاقة، وكذلك توفير المعاشات التقاعدية بعائدات مستقرة. إذا كانت الحكومات ستقوم بإنفاق مالي، فستكون مصداقيتها أكبر إذا وجهته نحو مصادر الطاقة المتجددة ومبادرات تغير المناخ بدل النفط والغاز".

وجهة نظر مغايرة

على الرغم من هذه النظرة القاتمة لمستقبل الوقود الأحفوري، فليس الجميع مقتنعًا بأن "كوفيد-19" سيكون جيدًا للمناخ.

تستثمر شركة الخدمات المالية "ليجال&جنرال" أكثر من تريليون جنيه استرليني من أموال الآخرين، معظمها على المدى الطويل، ويعتقد "نيك ستانسبيري"، رئيس قسم أبحاث السلع الأساسية للشركة، أن الركود الحالي في أسعار النفط يجب أن يُنظر إليه على أنه سيئ للبيئة.

ويقول: "هذا أمر مخيب للآمال حقًا من المنظور المناخي، ليس هذا ما أردنا أن يحدث. لم نكن نريد أن تنهار أسعار النفط في الوقت الذي بدأنا فيه نرى زخمًا حقيقيًا خلف التكنولوجيا النظيفة وقدرتها التنافسية، لقد تسبب هذا في انتكاس الوضع بشكل مخيب للآمال".

كمستهلكين؛ نتفاعل بسرعة مع النفط الأرخص، ويظهر بحث "ليجال&جنرال" أنه بعد انخفاض سعر النفط الكبير الأخير في 2014-2015، بدأ الأمريكيون في شراء سيارات أقل كفاءة في غضون شهر، وكلما قلت الكفاءة، زادت إنبعاثات المركبة الضارة، و مثل هذه القرارات يكون لها آثار على الانبعاثات لسنوات عديدة، حتى يعود الناس للسيارات الأكثر كفاءة.

ولكن على الرغم من ذلك، يقول "ستانسبيري" إن السائقين الأمريكيين قد اشتروا الكثير من المركبات غير الفعالة، لدرجة إن الأسعار المنخفضة الحالية قد لا تزيد من هذا التوجه المفرط بالفعل.

إذا بقي النفط حول 20 دولارًا للبرميل -التكلفة الحالية لخام برنت- فهذا يجعل الجميع يتغاضون عن التكلفة البيئية الفعلية لاحتراق الوقود الأحفوري، كما يقول "ستانسبيري".

ولا يتوقع الخبير نقصًا حادًا في إمدادات النفط كالذي توقعه "جيف كوري" من "جولدمان ساكس"، بل يعتقد أن المنتجين الأمريكيين يمكنهم الإغلاق ثم زيادة العرض مرة أخرى عند الحاجة، بمجرد توفر الأموال اللازمة لذلك.

الجائحة وتغير السلوك

أما بالنسبة لتغير سلوكياتنا بعد الجائحة، فهو أمر يتوقعه أيضًا "مارتين راتس"، استراتيجي النفط في بنك "مورجان ستانلي" الأمريكي العملاق، حيث يتوقع تحولًا بعيد المدى عن الوقود الأحفوري.

يسلط "راتس" الضوء على ثلاث قوى دافعة لهذا التغيير.

أولاً؛ يمنح السعر الحالي المنخفض للنفط الحكومات فرصة إلغاء 300 مليار دولار من الإعانات المقدمة إلى صناعة الوقود الأحفوري كل عام، ثانيًا، من المرجح أن يتم استخدام برامج التحفيز الاقتصادي اللازمة لإنعاش النشاط بعد الأزمة لتعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة، وثالثًا، قد نعمل من المنزل أكثر ونقلل رحلاتنا.

وكتب "راتس" في مذكرة حديثة للعملاء: "هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للطلب على النفط على المدى الطويل، خاصة بالنسبة للتوقعات السابقة طويلة الأجل".

يتوقع تقرير صادر عن "الخطوط الجوية الأمريكية" أن "كوفيد-19" سيؤدي إلى انخفاض دائم في السفر في المملكة المتحدة لأننا تكيفنا بسرعة مع استخدام تكنولوجيا العمل عن بعد وأدركنا أنها فعالة للغاية.

حتى أن الشركة قالت إنه قد لا تكون هناك حاجة إلى استثمار مخطط له بقيمة 27 مليار جنيه استرليني في الطرق البريطانية، وربما يكون من الأفضل توجيه بعض الأموال لتحسين سرعات الإنترنت.

قد تكون تقارير نهاية التنقلات مبالغًا فيها إلى حد كبير، على الأقل في الوقت الحالي، ويعتقد "نيك ستانسبيري" من "ليجال&جنرال" أنه من السابق للأوان معرفة ما إذا كان سينشأ تحول سلوكي كبير بما يكفي ليكون له تأثير حقيقي على الانبعاثات.

وأضاف: "من تجربتي الخاصة، أعرف أن العمل من المنزل نجح بشكل أفضل بكثير مما توقعه أي شخص. من الأفضل على المدى الطويل أن أقوم بعملي بشكل كامل من المنزل. قبل هذا لم أكن أتخيل أبداً أنني أستطيع فعل ذلك. هل سينتهي المطاف بالكثير منا بالعمل من المنزل، وأن نوفر بضع ساعات في يومنا؟ ربما".

لكنه يقول إن أي انبعاثات تقل مع تقليل رحلات العمل من المرجح أن تعوّض بزيادة الطلب على السفر الجوي في الأسواق الناشئة.

ولكن "جيف كوري" يعتقد أن ارتفاع أسعار النفط بعد الأزمة سيعيق الطلب على الرحلات ويقلل من تنقل الأشخاص في كثير من الأحيان.

ومع ذلك، وبالنظر إلى أن العالم لم يشهد سوى أسابيع قليلة من ظروف الإغلاق بسبب "كورونا"، فإنه يشك في التنبؤات بأن التجربة ستؤدي إلى تغييرات طويلة المدى في سلوكنا.

المصدر | بين تشابمان - الاندبندنت - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انهيار أسعار النفط معركة النفط فيروس كورونا تداعيات كورونا

الخام الأمريكي.. ماذا يعني أن تكون أسعار النفط تحت الصفر؟

ديفيد هيرست: هذا ما سيحدث للسعودية مع انهيار النفط

الطلب العالمي على الطاقة ​​سينخفض 6% بعد كورونا