هجوم إعلامي روسي على الأسد.. ماذا وراء حملة طباخ الكرملين؟

الخميس 23 أبريل 2020 04:34 م

"ضعيف ولا يتحكم في الوضع بالبلاد فيما مسؤولوه يعيثون فسادا".. هكذا وصفت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية، في 17 أبريل/ نيسان، رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في هجوم غير مسبوق للوكالة على حليف روسيا المقرب، ما قدم مؤشرا على توتر في العلاقة بين الطرفين، وأثار أسئلة حول أسباب ذلك وما إذا كان مرتبطا بزيارة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" الأخيرة إلى دمشق.

وتكتسب "حملة" الهجوم تلك دلالة خاصة بالنظر إلى توجهات الوكالة الروسية التي يملكها الملياردير "يفغيني بريغوجين"، المقرب من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ومالك شركة "فاجنر" الأمنية، التي تنشر مقاتلين مرتزقة في سوريا وليبيا، ويعرف إعلاميا بـ "طباخ الكرملين".

وانتقدت الوكالة الروسية قيام حكومة نظام "الأسد"، برئاسة "عماد خميس"، بزيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن السوريين، ورفعها سعر الغاز المنزلي إلى 4 آلاف ليرة سورية للأسطوانة الواحدة.

وفي حين بررت الحكومة إجراءاتها بتوقف حقلي حيان والشاعر عن العمل "بسبب سيطرة الإرهابيين على مدينة السخنة قرب حقول الغاز"، فإن الوكالة الروسية وصفت هذا التبرير بأنه "ادعاء كاذب"، وأكدت أن "الفساد في حكومة خميس" هو ما يقف وراء انقطاع الكهرباء وغلاء الغاز، حتى وصلت كلفة أسطوانة الاستهلاك المنزلي إلى 15 ألف ليرة سورية في السوق السوداء.

واتهمت الوكالة الروسية نظام "الأسد" بسرقة عائدات استخراج النفط والغاز، مشيرة إلى حالة استياء روسية واضحة من استمرار الفساد في دمشق رغم أن هذا الفساد كان يطيح بالنظام في وقت سابق لولا تدخل موسكو عسكريا لدعمه.

دوافع الحملة

لكن لماذا يثير فساد النظام السوري حفيظة موسكو الآن تحديدا؟ الجواب يعود لسببين، أحدهما يكشفه ما نقلته المصادر بشأن تحويل أباطرة الفساد بنظام "الأسد" لأموال استخراج الغاز والنفط إلى بنوك الدول الغربية، وليس إلى روسيا، رغم مواصلة تلك الدول فرض عقوبات على دمشق، ورغم التكلفة التي تتكبدها موسكو لدعم استمرار بقاء النظام.

أما السبب الثاني فيرجع إلى سعي رجال الأعمال الموالين للنظام إلى منافسة الشركات الروسية على كعكة ترميم الاقتصاد السوري، ومحاولتهم جلب أطراف ثالثة إلى مشهد الإعمار للحصول على أقصى استفادة ممكنة.

لكن يبقى الأمر اللافت للنظر أن حملة "طباخ الكرملين" الإعلامية قد مست "الأسد" شخصيا، باعتباره رأس النظام، حيث انتقدت الوكالة انشغال رئيس النظام السوري بشراء لوحات فنية بعشرات ملايين الدولارات لزوجته "أسماء" فيما يكافح شعبه لتأمين مستلزمات الحياة الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

وبلغت الحملة الروسية ذروتها باتهام "الأسد" بأنه يتجه لفقدان مكانته؛ "لأنه غير قادر على السيطرة على الوضع"، وأن 32% فقط من السوريين سيصوّتون لصالحه إذا ما أجريت انتخابات للرئاسة، في تهديد مبطن مفاده أن موسكو يمكنها التخلي عن "الأسد"، والقبول بدعم حل سياسي في إطار اتفاق يجمع النظام والمعارضة من دون "الأسد"، بالتوافق مع تركيا.

ويعزز من هذا السيناريو أن أوساطا مقربة من الرئاسة الروسية عبرت عن قناعة خلال الأيام الماضية بأنها قدمت كل ما تستطيع حالياً للنظام السوري لفرض سيطرته على نحو 70% من أراضي البلاد منذ عام 2017، وأن أي محاولة جديدة لتقدم قوات "الأسد" ستضع موسكو في صدام مباشر غير جاهزة له مع أنقرة بمناطق "درع الفرات" وعفرين وإدلب، خاصة في ظل تعاظم المخاوف من أزمة اقتصادية عالمية سيكون تأثيرها مضاعفاً على روسيا، التي سينكمش اقتصادها، حسب دراسات اقتصادية، بنحو 15% في نهاية العام بسبب أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط العالمية.

ويعبر مقال نشره نائب رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية "ألكسندر أكسينيونوك" في موقع "منتدى فالداي" للحوار عن هذه القناعة بوضوح، إذ أشار إلى أن حكومة دمشق فشلت في استعادة المناخ الاقتصادي الصحي، حيث ينتشر النهب على كل أنواع التجارة والعبور والنقل والقوافل الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لصالح سلسلة تتكوّن من قيادات وحدات بالجيش والخدمات الأمنية والوسطاء التجاريين ومن يتصل بهم من رجال الأعمال الكبار الموالين للحكومة، والمقربين من عائلة "الأسد".

بدائل الرئيس

وفي هذا الإطار، يمكن قراءة خطوة قيام الوكالة الروسية المملوكة لـ"طباخ الكريملين" بنشر مقال جرى خلاله طرح أسماء بديلة قادرة على حكم سوريا خلفا لـ"الأسد"، رغم تنصل الوكالة الروسية من هذا المقال بعد أيام بدعوى تعرض موقعها الإلكتروني للاختراق.

ويسري اعتقاد في أوساط المراقبين أن المقالة الروسية جرى وضعها وحذفها عمدا لإرسال رسالة إلى الأطراف الدولية حول استعداد موسكو لبحث تسوية في سوريا "مع الأسد أو من دونه" بشرط المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

ومن هنا يقرأ العديد من المراقبين زيارة "ظريف" الأخيرة لدمشق في الوقت الذي تم فيه تعليق جميع الرحلات الدبلوماسية حول العالم على خلفية تفشي فيروس كورونا المستجد، حيث عكست الزيارة فيما يبدو رغبة طهران في تجديد دعمها الدبلوماسي والسياسي لـ "الأسد" ونظامه في ظل العزلة الكبيرة التي يتعرض لها النظامان، وطمأنة رئيس النظام السوري بأن إيران لن تتخلى عنه وستقف معه دون النظر إلى الموقف الروسي.

وفي هذا الإطار، يرى "أسامة دنورة"، المحلل السياسي والاستراتيجي، العضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، أن زيارة "ظريف" تأتي في إطار سعي إيران لتقديم نفسها كـ"وسيط مضمون" بين نظام "الأسد" وتركيا التي ترعى فصائل المعارضة السورية المسلحة، أي كبديل عن الدور الذي تقوم به روسيا حاليا.

وتتمتع إيران بعلاقة اقتصادية وسياسية قوية مع تركيا، وكثيرًا ما مثلت تركيا متنفسًا هامًا أتاح للإيرانيين التهرب من الحصار الاقتصادي الغربي، وفي المقابل تعد إيران حليفا استراتيجيا للنظام السوري، بما يعني أنه "يمكن لطهران أن تلعب دور الوسيط المقبول لدى جميع الأطراف" وفقا لما أوردته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

لكن تبقى المشكلة أن الاعتراف بإيران كوسيط في الأزمة السورية لن يكون أمرا سهلا في ظل نبذها من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، كما أن مزاحمة طهران لروسيا في دورها كراع دبلوماسي لنظام "الأسد" ربما تتسبب في تفاقم الصدع بين الطرفين، وربما انهيار التحالف الذي أبقى النظام السوري على قيد الحياة بعد 9 سنوات من الحرب.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد محمد جواد ظريف فلاديمير بوتين كورونا

قائمة العار الأممية تنتظر التحالف السعودي الإماراتي وحفتر والأسد

بسبب تركيا.. روسيا تطلب من الأسد التهدئة في شمالي سوريا

تقرير: توافق روسي تركي إيراني على تنحية الأسد

واشنطن متفائلة بأن موسكو قد تكون ضاقت ذرعا ببشار الأسد