كيف توظف الحكومات الخرافات الشعبية حول كورونا؟

الأربعاء 29 أبريل 2020 07:20 م

توفر الأوبئة فضاءا خصبا لترويج الخرافات حول أساليب الوقاية أو الشفاء من الأمراض، استنادا إلى معتقدات شعبية زائفة، غير أن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) كشفت عن ظاهرة جديدة خلال الأسابيع الماضية، وهي توظيف المسؤولين في عدد من الدول لهذه المعتقدات والخرافات في سياساتهم، ما أثار جدلا واسعا حول مدى أخلاقية هذا الأسلوب ونجاعته.

ومن البخور في إيران، إلى روث الأبقار في الهند، مرورا بالكونياك في كينيا، وأشباح الأرواح الحبيسة في إندونيسيا، تروج بعض الأنظمة الحاكمة للخرافات عمدا في كثير من الأحيان، ما استدعى في بعض الحالات تدخلا من منظمة الصحة العالمية.

وتعود هذه الطريقة في مكافحة الوباء إلى معتقدات بعض المسؤولين أنفسهم أو علاقاتهم بزعماء تيارات تروج لأساطير غير علمية، في محاولة للحصول على تأييد قطاعات شعبية واسعة على نحو ما جرى في الهند.

أبقار مقدسة

ويعد "سوامي تشاكراباني مهراج" أحد أبرز الأمثلة على ذلك، إذ يترأس منظمة "هندو مهاسابها" الهندوسية، التي تأسست قبل قرن من الزمان، ويقوم معتقدها أساسا على تناول بول البقر وروثها.

وقد اعتبرت المنظمة جائحة كورونا فرصة لترويج معتقدها، وروجت لخرافة مفادها أن الأبقار "ستوقف تأثير فيروس كورونا المعدي"؛ لأن "الشخص الذي يهتف بتحية لإله هندوسي ويمسح جسده بروث البقر لن يؤثر فيه الفيروس" حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن "مهراج"، الذي تجمعه صلة أيدولوجية قوية برئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي".

انعكست تلك الأفكار على خطابات "مودي" الموجهة للشعب الهندي بشأن مكافحة الوباء، حيث استخدم الرقم "9"، ذي الرمزية المقدسة في الأساطير البوذية والهندية، لإقناع المواطنين بخطورة كورونا وضرورة مكافحته بالمكوث في المنازل.

وفي اليوم "التاسع" من الحجر الصحي، خرج رئيس الوزراء الهندي ليوجه خطابا إلى مواطني بلاده، مدته "9 دقائق"، في تمام "الساعة التاسعة" صباحا، يطلب فيه منهم إطفاء أضواء بيوتهم لـ"9 دقائق" في تمام الساعة "التاسعة" مساء.

اتبع ملايين الهنود تعليمات "مودي" بدقه، وبذلك استثمر رئيس الوزراء "رقم الشعوذة" المعروف في الثقافة العامية كوسيلة للوصول إلى أكبر عدد من الناخبين، في البلد البالغ عدد سكانه مليار و300 مليون نسمة، خاصة بعدما مني حزبه "بهاراتيا جاناتا" بهزيمة ساحقة في الانتخابات المحلية التي أجريت بالعاصمة نيودلهي في فبراير/شباط الماضي.

كونياج وقائي

حكاية مماثلة وقعت فصولها في كينيا، حين وزع حاكم العاصمة نيروبي "مايك مبوفي سونكو" زجاجات مشروب الكونياك الكحولي على الفقراء، في 16 أبريل/نيسان، بدعوى أنه يحمي من فيروس كورونا.

ونشر "سونكو"، المعروف بشغفه بارتداء الحلي الذهبية كبيرة الحجم وارتجال أغاني الراب، صورا على وسائل التواصل الاجتماعي لزجاجات تحمل علامة تجارية شهيرة للكونياك وسط أكياس تمتلئ بالمواد الغذائية، زاعما أن "الأبحاث التي أجرتها منظمة الصحة العالمية أكدت أن الكحول يلعب دورا رئيسيا جدا في قتل أي نوع من الفيروسات".

 

 

لكن منظمة الصحة العالمية ردت على "سونكو" بالتأكيد، في بيان، على أن شرب الكحوليات لا يقي من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن الإفراط في تناول المشروبات الكحولية "يمكن أن يكون ضارا بالصحة، حتى أنه يضر بنظام المناعة في الجسم".

وإزاء ذلك، شدد المتحدث باسم الحكومة الكينية "سايروس أوجونا" على أن "العلم لم يثبت أن الكحول يتيح الحماية من كورونا"، وحذر الساسة من استغلال الجائحة في أغراض دعائية، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

بخور للتعقيم

وفي إيران، تداول ناشطون وصحفيون، في 22 أبريل/نيسان، مقاطع فيديو لسيارة جوالة تابعة للحرس الثوري، وهي تبث "البخور" لتعقيم الشوارع كإجراء جديد في مواجهة كورونا، رغم عدم ثبوت أي علاقة حول تأثير أنواع البخور المختلفة على الفيروس.

ويظهر الفيديو معمما إيرانيا يجلس في خلفية السيارة، وبيده بخور ينشره في أرجاء شوارع مدينة جويبار في محافظة مازندران شمالي إيران، متوسلا بالإمام الغائب لدى الشيعة "المهدي" من أجل مكافحة فيروس كورونا.

ويعبر فيديو المعمم عن مركزية خاصة لـ "البخور" في المعتقد الشعبي الإيراني في مواجهة الأوبئة، وهو ما بدا واضحا في قيام ممرضة إيرانية بمستشفى في ذات المحافظة (مازندران) باستخدام مبخرة لتطهير المشفى الذي تعمل فيه من فيروس كورونا.

 

 

مبادرة بوكونج

أما إندونيسيا، فأخذ التوظيف الرسمي للمعتقد الخرافي فيها طابعا جماعيا في حادثة مثيرة وقعت في سراغن، إحدى قرى جزيرة جاوة، وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية.

وفوجيء سكان القرية قبل أسبوعين بظهور "أشباح" ترتدي لباسا أبيض اللون يشبه الكفن في شوارعها بين اللحظة والأخرى، ما أثار الذعر فيما بينهم لأيام إلى أن توضّحت حقيقة الأمر.

ولم يكن هؤلاء الأشباح سوى متطوعين انتشروا في الشوارع على شكل دوريات، آملين في أن يسهم ظهورهم في هيئة "بوكونج" في إجبار السكان على البقاء في منازلهم، والالتزام بالإجراءات الاحترازية، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

و"بوكونج" اسم لشبح مشهور في إندونيسيا وماليزيا يُقال إنه روح شخص ميت محاصر في كفنه، وعادة ما يظهر في الأعمال الدرامية متشحا برداء أبيض كالكفن وبوجه شاحب، بينما يحيط سواد الكحل بعينيه.

ويؤكد "أنجار بانكانينجتياس"، قائد فريق الشبان المتطوعين، أن مبادرة "الأشباح" قائمة على التنسيق مع الشرطة، وأن الهدف الأساسي منها هو إرسال رسالة "غير تقليدية" تروج للتباعد الاجتماعي في ظل تفشي الفيروس.

 

 

لكن عندما بدأت تلك الأشباح في الظهور هذا الشهر كان لها تأثير عكسي، فبدلاً من أن تبقي الناس في منازلهم أخرجت بعضهم ممن لديهم فضول لرؤية هذا "الظهور" النادر.

ورغم ذلك، لم يتراجع منظمو المبادرة، واكتفوا بتعديلها عبر تنظيم دوريات "بوكونج" على نحو مفاجئ.

ليس هذا فقط، بل إن المسؤولة الإقليمية بالقرية "كوسدينار أوتونغ يوني سوكواتي" قررت إخافة المخالفين للتباعد الاجتماعي في الشوارع من خلال التهديد بعزلهم داخل "منزل مسكون" بالأرواح، وفقا لما أوردته وكالة "فرانس برس".

وكلفت "سوكواتي" المسؤولين المحليين بإيجاد منازل مهجورة تصنف على أنها "مسكونة"، وهو مفهوم حاضر بقوة في التقاليد الإندونيسية، وأودعت 5 أشخاص في الحجر داخلها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا

علاج كورونا في مصر.. إعلام الخرافة ينشط لإخفاء الفشل الحكومي

كورونا يقلص ثقة المواطنين في حكوماتهم