جبهة متصدعة ومشروع تقسيم.. ماذا وراء إعلان حفتر نفسه حاكما لليبيا؟

الأربعاء 29 أبريل 2020 12:02 ص

"استجابة لإرادة الليبيين بتفويض القيادة العامة للجيش؛ نعلن إسقاط اتفاق الصخيرات السياسي وتولي إدارة البلاد"..

بهذه الكلمات أعلن الجنرال الليبي، وقائد القوات المسيطرة على شرقي ليبيا "خليفة حفتر" انقلابا جديدا عبر كلمة متلفزة وجهها إلى الليبيين، في 27 أبريل/نيسان، جاءت تالية لمظاهرات هزيلة نظمها أنصاره بطلب منه لتفويضه لتولي السلطة.

ويعيد مشهد طلب التفويض الشعبي وخروج مظاهرات شملت العشرات في مناطق الشرق الليبي إلى الأذهان ذكريات المشهد المصري، حين طلب الرئيس المصري الحالي "عبدالفتاح السيسي"، الذي كان آنذاك وزيرا للدفاع، من أنصاره الخروج للشوارع لمنحه تفويضا لسحق معارضيه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وذلك بعد أيام قليلة من قيادته لانقلاب عسكري أطاح بـ"محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر منتصف عام 2013.

ولكن محاولات "حفتر" استنساخ التجربة المصرية بدت يائسة وهزيلة في ضوء فقدانه لأي دعم شعبي كالذي كان يحظى به "السيسي" والجيش في مصر، وأيضا في ضوء الهزائم الأخيرة التي منيت بها قواته في غرب ليبيا، حيث فقدت سيطرتها على 8 مدن دفعة واحدة خلال نحو 7 ساعات.

ومع بلوغ هذه الهزائم حد الانسحاب الاضطراري من قاعدة الوطية الإستراتيجية إلى مدينة الزنتان في الجبل الغربي، بعد قصف مكثف من الطائرات المسيرة المساندة لحكومة الوفاق على محيط وداخل القاعدة، فإن آخر معقل رئيسي لقوات "حفتر" بالمنطقة قد سقط فعليا، ولا يتبقى سوى السيطرة على ترهونة كي تحكم حكومة الوفاق سيطرتها على كامل غرب ليبيا.

ولما كان اتفاق الصخيرات، الذي وقعته أطراف الأزمة الليبية في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015، هو أساس تشكيل المجلس الرئاسي الذي يقود حكومة الوفاق، فإن دعوة "حفتر" المزعومة لإسقاط الاتفاق وتفويض "المؤسسة التي يرونها مناسبة لقيادة البلاد" يمكن اعتبارها انقلابا تليفزيونيا جديدا من الجنرال الليبي لا يعد هو الأول له، حي سبق لـ"حفتر" أن خرج على شاشات التلفاز في عام 2014 معلنا تعليق عمل المؤتمر الوطني العام وإلغاء الإعلان الدستوري الذي تحكم بموجبه البلاد، قبل أن يشن حملة عسكرية تحت مسمى "عملية الكرامة" للسيطرة على ليبيا بالقوة.

 

تبرير الهزائم

لكن انقلاب "حفتر" التليفزيوني الجديد يبدو مختلفا هذه المرة، حيث يبدو أن "حفتر" يسعى من خلاله لكسب دفعة جديدة إلى شرعيته المتآكلة، خاصة بعد توالي إخفاقاته الميدانية خلال الأسابيع الماضية، وهي إخفاقات أظهرته بمظهر ضعيف، رغم كونه الحاكم الفعلي لشرق ليبيا منذ عام 2014.

كما تعني دعوة "حفتر" أن فتح قنوات سياسية مع حكومة الوفاق لم يعد خيارا على أجندة الجنرال المتقاعد في المرحلة الحالية على الأقل، حسبما نقلت شبكة "سكاي نيوز" عن الخبير في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي "حسان القبي".

ثمة زاوية أخرى دالة في تجاهل "حفتر" للسلطات المدنية التي تحكم "اسميا" شرق ليبيا، وعدم إعلانه، خلال كلمته المتلفزة، الإثنين (27 أبريل/نيسان)، عن تشكيل السلطة الجديدة، وتجاهل موقف رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح" الذي يبدو غير راض عن التصعيد العسكري الأخير وهزائم قوات الجنرال المتقاعد في الغرب الليبي.

تؤشر تلك العوامل إلى أن التوافق غائب بين السلطة المدنية "الاسمية" لشرق ليبيا وبين "حفتر"، إذ يؤكد "صالح" على استحالة الحل العسكري في ليبيا، كما أنه طرح مبادرة سياسية مكونة من 8 بنود، نصت على أن "يتولى كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة اختيار من يمثله بالمجلس الرئاسي المكون من رئيس ونائبين، وذلك بالتوافق بينهم أو بالتصويت السري تحت إشراف الأمم المتحدة".

ونصت المبادرة على أن يسمي المجلس الرئاسي بعد اعتماده رئيسا للوزراء ونوابا له يمثلون الأقاليم الثلاثة لتشكيل حكومة يتم عرضها على مجلس النواب لنيل الثقة، ويكون رئيس الوزراء ونائباه شركاء في اعتماد قرارات مجلس الوزراء، على أن يتم تشكيل لجنة من الخبراء والمثقفين لوضع وصياغة دستور للبلاد بالتوافق، ثم تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تنبثق من الدستور المعتمد الذي سيحدد شكل الدولة ونظامها السياسي.

ويتناقض هذا الطرح مع طموحات "حفتر" فيما يبدو، إذ يتولى بموجبه المجلس الرئاسي الجديد مجتمعاً مهام "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، بما يعني ربما إبعاد الجنرال الليبي عن المشهد في دلالة واضحة على وصول الخلافات بين "حفتر" و"صالح" إلى طريق مسدود، وهو ما ظهر جليا في التهديدات التي وجهها الجنرال الليبي المتقاعد إلى رئيس مجلس النواب بـ"اعتقاله" في حال أصبح حجر عثرة أمام إعلانه إسقاط اتفاق الصخيرات، وتنصيب نفسه رئيساً مستندا على تظاهرات شكلية هزيلة، أشرف معاونون له على تنظيمها أمام منزله بمدينة بنغازي.

يعني ذلك أن تحرك "حفتر" يفتقر حتى للقبول من معسكره الداخلي بشرق ليبيا، وهو ما أكدته مصادر مطلعة كشفت عن أن التهديدات باعتقال "صالح" صدرت في اجتماع ضم كبار قبيلة العبيدات التي ينحدر منها مع مبعوث للجنرال الليبي المتقاعد، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد"، مضيفة أن الاجتماع شهد رداً قويا من القبيلة التي حذرت من المساس برئيس مجلس النواب.

ليس هذا فقط، بل إن جبهة "حفتر" في مدينة "سرت" شهدت صداما بين مؤيدي "حفتر" وبين فلول نظام "معمر القذافي" من قبيلة القذاذفة، الذين رفضوا بدورهم رفع أي صور للجنرال أو الهتاف له أو طلب تفويضه، معتبرين أن المدينة لا تزال معقلا لأتباع القذافي فقط، الذين خرج بعضهم في تظاهرة للمطالبة بتنصيب "سيف الإسلام القذافي" حاكما للبلاد قبل أن يقمعها "حفتر" بالقوة.

وقد أعطى هذا الانقسام دفعة لموقف حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، والمؤسسات الأخرى المنبثقة عن الاتفاق السياسي، حيث دعا المجلس الرئاسي الذي يقوده "السراج" أعضاء مجلس النواب بطبرق (شرقا) للالتحاق بزملائهم في العاصمة طرابلس، لبدء حوار شامل حتى يستمر المسار الديمقراطي، وصولا إلى حل شامل ودائم عبر صناديق الاقتراع، كبديل لمشروع حفتر "الانقلابي".

وبإضافة مؤشرات التصدع الداخلي بمعسكر "حفتر" إلى هزائم قواته المتوالية يمكن اعتبار الانقلاب التليفزيوني الأخير بمثابة محاولة يائسة "للهروب إلى الأمام"، ومحاولة شعل الرأي العام وكسب الوقت للحصول على المزيد من الدعم من حلفائه في الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا.

ويعزز هذه القراءة أن جهود "حفتر" تركز حالياً على إبقاء منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية، والواقعة شرق سرت تحت سيطرته، وإعادة تمتين علاقاته مع القبائل التي تسكن المنطقة وتنحدر من أجدابيا.

الموقف الدولي

وفي حين أن "حفتر" كان يعول على حصوله على تأييد من الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا لانقلابه، أو السكوت عنه في أدنى الأحوال، سارعت السفارة الأمريكية بطرابلس إلى رفض إعلان "حفتر" تنصيب نفسه حاكما لليبيا وإسقاط اتفاق الصخيرات.

 لكن صيغة هذا الرفض بدت أقرب إلى مواصلة نهج الولايات المتحدة في "إدارة الصراع" لا تسويته، إذ عبرت السفارة عن أسفها لما وصفته بـ"اقتراح حفتر"؛ لأن التغييرات في الهيكل السياسي الليبي لا يمكن فرضها من خلال إعلان أحادي الجانب.

في المقابل، اكتفى الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على ضرورة الوصول إلى هدنة إنسانية واستئناف المفاوضات السياسية، وهو ما وصفه عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "محمد عماري زايد" بأنه "دعوات جوفاء وبيانات مستهلكة يصدرها الاتحاد كلّما تعرضت قوات حفتر لهزائم"، وفقا لما نقلته قناة الجزيرة.

بينما يرى المحلل السياسي "محمد صالح جبريل اللافي" أن الاتحاد الأوروبي يمهد للإعلان مستقبلا عن تأييده لتولي "حفتر" القيادة، وفقا لما أوردته شبكة "العين".

 وأما الدعم العسكري فيشي به أسلوب "إخراج" انقلاب "حفتر" الجديد، وتعاطي وسائل الإعلام في القاهرة وأبوظبي تحديدا معه، باعتباره ضرورة لإنهاء اتفاق الصخيرات الذي "كان خطوة سيئة أدت إلى تدهور الحالة الليبية وتنكيسها"، حسب توصيف الشبكة الإماراتية.

وقد نوه "عماري زايد" إلى هذا الدور بحديثه عن إرسال الإمارات، ومصر آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر إلى "حفتر" ودفعهما له إلى رفض الالتزام بوقف إطلاق النار الموقع في موسكو يوم 13 يناير/كانون الثاني الماضي.

لكن وضوح الرفض الأمريكي لإعلان "حفتر" نفسه حاكما لليبيا تسبب في انخفاض الثقة الدولية في الأخير، وهو ما ظهر في تعليق مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة "الطاهر السني"، الذي اعتبر أن الجنرال الليبي المتقاعد أراد بإعلانه "التغطية على فشله بتقمص دور فخامة الرئيس فيما تبقى له من نفوذ متهالك" حسب تعبيره.

وعليه فإن جبهة "الوفاق" تراهن على مواصلة انتصاراتها الميدانية من جانب، وسحب ما تبقى من مقبولية لـ"حفتر" في الأوساط الدولية من جانب آخر، فيما يراهن "حفتر" على سيناريو المواجهة العسكرية بعد حصوله على مزيد من الدعم، وإلا فرض خيار التقسيم، أو على الأقل الخيار الفيدرالي في البلاد، والذي هيأ له بشكل كبير من خلال استقطاب القبائل ووعوده لها بتقاسم ثروات النفط.

ولذا يهتم الجنرال المتقاعد بتحصين مواقع النفط الاستراتيجية باعتبارها ورقته الرابحة لفرض نفسه على أي صيغة للحل السياسي مستقبلا، وذلك كخيار مؤقت لحين عودة الفرصة لشن حملة عسكرية جديدة يحقق عن طريقها أحلامه في السيطرة على كامل التراب الليبي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر حكومة الوفاق عبدالفتاح السيسي الصخيرات

ليبيا.. كيف يبني حفتر قواته بهدوء في فزان؟

المفوضية الأوروبية: قرار حفتر بإسقاط اتفاق الصخيرات غير مقبول