ليبيا.. كيف يبني حفتر قواته بهدوء في فزان؟

الأحد 26 أبريل 2020 06:23 م

قبل عام، شن الجنرال الليبي "خليفة حفتر" هجوما على طرابلس في محاولة للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني الليبية، ما أدى إلى مرحلة من العنف غير المسبوق.

تستمر قوات "حفتر" المسماة بالجيش الوطني الليبي في حصار طرابلس، وبذلك يبقى تركيز العدسات على هذا الأمر، أما فزان، التي تقع في الجنوب الغربي، والتي تُحكم بشكل عشوائي، فقد تم إهمالها منذ فترة طويلة، ويُنظر إليها على أنها ساحة هامشية لديناميكيات الصراع.

ومع ذلك، كانت التطورات هناك ذات صلة كبيرة بالتصعيد في طرابلس، حيث تقدم أدلة حول استراتيجية التوسع لقوات "حفتر".

تضم فزان ما يقرب من ثلث الأراضي الليبية، وتمتلك بعض أكبر احتياطيات النفط والمياه في البلاد وهي بوابة ليبيا إلى منطقة الساحل والصحراء.

ضرب على وتر حساس

في خطوة استراتيجية؛ أرسل "حفتر" قواته من المنطقة الشرقية والوسطى إلى فزان في أوائل عام 2019، وكان الهدف الظاهري هو القضاء على "الخارجين عن القانون والجماعات المسلحة الأجنبية".

ضربت الرواية على وتر حساس بين الجنوبيين الذين يعانون من تفشي الجريمة وضعف الأمن، وفي وقت من عدم الرضا العام عن حكومة الوفاق الوطني، وهكذا رحب الكثيرون بوصول قوات "حفتر".

نجحت العملية إلى حد كبير بسبب اختراق الجيش الوطني الليبي التدريجي للمشهد الأمني ​​في فزان على مدى العامين الماضيين.

استغل "حفتر" السياسة القبلية لصالحه، حيث بنى علاقات مع بعض القادة في المجتمع وساعدهم على تعزيز نفوذهم داخل مجتمعاتهم.

ونتيجة لذلك، أصبح بإمكان "حفتر" الاعتماد على عدد من الجماعات المسلحة المحلية قبل تحركه والاستفادة من إحباط ضباط الجيش الجنوبي من افتقار حكومة الوفاق للقيادة والدعم.

دفع الزخم الناتج عن التقدم السريع الذي حققه "حفتر" وماكينة الدعاية المرافقة له، المزيد من القادة الجنوبيين إلى جانب "حفتر"، كوسيلة لإنقاذ منصبهم أو كسب الأموال من تأييدهم.

جاهدت حكومة الوفاق الوطني لتنظيم هجوم مضاد، معتمدين على الأطراف الهامشية وتعجلوا في اتخاذ القرارات في ظل عدم كفاية القبول المحلي.

في مارس/آذار 2019، انسحبت معظم قوات "حفتر" فجأة من فزان، تاركة الحفاظ على "النظام الجديد" لحلفائها المحليين.

وفي الوقت الذي وجهت فيه قوات "حفتر" كل جهودها للاستيلاء على العاصمة، تحولت فزان بعيداً عن التركيز مرة أخرى.

عند هذه النقطة، كان من الواضح أن عملية فزان كانت بمثابة منصة انطلاق لهجوم طرابلس اللاحق، ما عزز صورة "حفتر" وزوده بمزيد من الرجال.

ظل الاستقرار بعيد المنال في فزان، حيث عادت الميليشيات المحلية للظهور في الشوارع واستؤنف التهريب، كما تصاعدت التوترات العرقية، التي تفاقمت بسبب دخول قوات "حفتر" وتحول الأمر إلى صراع كامل.

إعادة هيكلة المشهد الأمني

لكن يبدو أن استراتيجية "حفتر" في فزان أكثر من مجرد لعب قصير النظر، حيث تشير نظرة فاحصة إلى أنه شرع في إعادة هيكلة المشهد الأمني ​​من أجل تعزيز وجود قواته في جميع أنحاء الجنوب.

عادة ما تستمد الجماعات المسلحة الجنوبية شرعيتها من العمود الفقري القبلي ومدى اندماجها في مجتمعاتها، وقد أعاد "حفتر" تشكيل هذه الجماعات على أساس أولويات الحرب وإضعاف الولاءات الموازية.

تم استيعاب الوحدات الصغيرة في كتائب أكبر بناها "حفتر"، كما تم انتزاع المقاتلين من تشكيلاتهم السابقة وتعديل توزيعهم بطريقة تتعارض مع الأنماط التقليدية للتعبئة.

وبالرغم من تأثر عملية إعادة الهيكلة بديناميكيات القوة الجنوبية، لكنها تُدار أساسًا من الأعلى.

في الوقت نفسه، استثمر "حفتر" في الهياكل العسكرية التي كانت مختلة الوظيفة إلى حد كبير منذ عام 2011، ما أعطى فسحة لضباط الجيش الموثوق بهم.

علامات عدم الرضا

بالتوازي مع المسار العسكري لقوات "حفتر"، صعدت السلطات السياسية التابعة له دورها، فقد سمحت الحكومة المؤقتة بتسليم الوقود إلى فزان، التي كانت محرومة من إمداداتها المعتادة من غرب ليبيا بسبب الحرب وقطع قوات حكومة الوفاق للإمدادات عن المناطق التي تسيطر عليها قوات"حفتر".

ويتم تزويد البنوك الجنوبية بالنقد من الشرق، لتعويض عمليات التسليم من البنك المركزي في طرابلس.

وبعد الاعتراض في البداية على انتخابات البلدية التي أجريت برعاية حكومة الوفاق الوطني العام الماضي، أعلنت الحكومة المؤقتة مؤخرًا عن ميزانيات كبيرة للبلديات الجنوبية، على أمل أن ينأى المسؤولون المحليون عن حكومة الوفاق الوطني.

كما دأبت الحكومة المؤقتة على تدريب وتجهيز قوات شرطية لمساعدة وزارة الداخلية الخاصة بها.

ومع ذلك، تظهر علامات من عدم الرضا على السطح، وقد تؤدي الأزمات المستمرة إلى تآكل الدعم الشعبي للمعسكر المؤيد لـ"حفتر"، وتسبب خلاف بين الحكومة المؤقتة ونواب الجنوب بشأن أموال الجنوب المفقودة في إثارة غضب واسع.

عبر رئيس "حركة غضب فزان" - وهي شبكة شعبية ذات قاعدة دعم واسعة - عن غضبه من الحكومة المؤقتة "الغائبة التي تخدم الشرق فقط"، وفي المقابل أشار إلى أن رئيس وزراء حكومة الوفاق "فايز السراج" وعد بصندوق تطوير بقيمة مليار دينار  في ديسمبر/كانون الأول 2018 لكن لم يتحقق شيء من هذا الأمر.

لا يزال معظم الجنوبيين غير قادرين على الوصول إلى الوقود المدعوم، حيث إن شبكة التوزيع الشرقية مثقلة بالأعباء، والشرق بالكاد لديه ما يكفي لتغطية الطلب الخاص به، وبالتالي يواصلون دفع أسعار السوق السوداء.

تداعيات بعيدة المدى

يعتبر توسع قوات "حفتر" في فزان سلاحا ذي حدين؛ حيث يتوقع الجنوبيون أن تقوم هذه القوات بتعزيز الأمن وكبح جماح الجماعات المسلحة، وفي الوقت نفسه، تتسبب رعاية قوات "حفتر" لمزيد من المجموعات والميليشيات المسلحة في توفير فرصة لهذه الميليشيات للإفلات من العقاب وتعزيز مصالحهم الخاصة.

وتعتبر العلاقة بين قيادة قوات "حفتر" ومؤيديه القبليين ليست ذات اتجاه واحد، ولكنها تقوم على المنافع المتبادلة والمقايضات، وقد يكون لهذا تداعيات مجتمعية بعيدة المدى، سواء بالنسبة للقبائل، أو الفروع القبلية، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي والسياسي على حساب جيرانها.

هناك مخاوف من أن إعادة "حفتر" لمسؤولي الأمن في عهد "القذافي" يمكن أن تأتي على حساب استمرار التمييز الهيكلي تجاه الأعراق غير العربية وإحياء آليات السيطرة الاجتماعية السابقة، كما أن عودة المقاتلين الجنوبيين من الخطوط الأمامية الشمالية من المرجح أن تؤجج التوترات.

أثبت "حفتر" من خلال أفعاله في فزان، وفي الشرق في وقت سابق، مهارته في التعامل مع المشهد المحلي، وإعادة تنشيط الشبكات الخاملة وإشراك الفئات المضطهدة.

ويشير ذلك لاستراتيجيته الحالية المتمثلة في تجنيد المزيد من المجوعات في الشمال الغربي للمساعدة في توليه للسلطة، ومع ذلك، فإن هذه الاتجاهات منوطة بمسار النزاع.

وفقًا لمصادر محلية، انحازت العديد من الأطراف الجنوبية إلى قوات "حفتر" لأنهم في ظل هذه الظروف، رأوا أنه في موقع الصدارة للسيطرة على البلاد.

لكن دخول تركيا في الحرب عزز موقف حكومة الوفاق الوطني، وإذا أجبر "حفتر" على التراجع عن طرابلس، فقد يخسر مكانه في فزان أيضًا، حيث يمكن سحب الدعم القبلي، ويمكن استبدال القادة المؤيدين لـ"حفتر".

أما إذا عزز "حفتر" مكاسبه، فإن السؤال الأوسع هو ما إذا كانت عمليات إعادة الهيكلة وإعادة التنظيم الجارية يمكن أن تمهد الطريق لإصلاح أعمق للقطاع الأمني، حيث غالبًا ما يتم استخدام الشعور الوطني الذي يدعي "حفتر" أنه يمثله، كعلاج للمصالح القبلية والمحلية الضيقة التي تقود الصراع في ليبيا.

ومع ذلك، فإن طبيعة قوات "حفتر" واعتماده على مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة ذات الأجندات المختلفة تشكل عقبة أمام انخراط القوات تحت قيادة مركزية.

المصدر | فاليري ستوكر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حكومة الوفاق الوطني الليبية خليفة حفتر قوات خليفة حفتر

مسؤول أوروبي يحمل حفتر وداعميه مسؤولية الأوضاع في ليبيا

أمريكا ترفض إعلان حفتر تنصيب نفسه حاكما لليبيا

الوفاق: إعلان حفتر يؤكد ضرورة دحر انقلابه

جبهة متصدعة ومشروع تقسيم.. ماذا وراء إعلان حفتر نفسه حاكما لليبيا؟

إيطاليا ترحب بتشكيل مجلس إقليم فزان في ليبيا