كوفيد-19 والأمن البحري في مضيق هرمز

الأربعاء 29 أبريل 2020 01:00 م

في 25 فبراير/شباط، مع تسارع انتشار الفيروس التاجي "كوفيد-19" في أوروبا، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن البعثة الأوروبية للمراقبة البحرية في مضيق هرمز، أو ما يسمى بعملية "أجينور"، وصلت إلى قدرتها التشغيلية الكاملة.

وخرجت عملية "أجينور" في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 كرد أوروبي على الأزمة البحرية في الخليج، بعد الهجمات على 4 سفن تجارية أمام "الفجيرة" في مايو/أيار 2019، وعلى ناقلتين في خليج عمان بعد ذلك بشهر.

وأضاف الانتشار الأوروبي إلى فرقة عمل التحالف الأمريكية "سينتينل"، التي تم إطلاقها مباشرة بعد الأزمة وتحت قيادة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين.

وبالنسبة للشركاء الخليجيين، يمكن قراءة النشر المستمر للقوات البحرية الأمريكية والأوروبية على أنها تدابير طمأنة تشير إلى عزم القوات الغربية على ردع إيران في الوقت الذي تستمر فيه التوترات الإقليمية في الارتفاع، ومع ذلك، جاء الوباء ليتحدى نطاق هذا الالتزام.

تحالفان بحريان غربيان ضد إيران

وبالرغم من أن إيران تعاني بشريا واقتصاديا بسبب جائحة الفيروس التاجي، لا يظهر النظام رغبة في التراجع عن موقفه الإقليمي.

وفي البحر، يحافظ فيلق الحرس الثوري الإسلامي على استراتيجيته التقليدية المتمثلة في مضايقة السفن الحربية الأمريكية في مضيق هرمز.

وفي 15 أبريل/نيسان، أفادت البحرية الأمريكية أن 11 سفينة تابعة للحرس الثوري الإيراني "قامت بنهج خطير وضايقت السفن البحرية الأمريكية".

وتعد هذه الأحداث أحدث الحلقات في سلسلة طويلة من المناورات البحرية من قبل الحرس الثوري الإيراني التي تتبع نمطا حددته العقيدة البحرية الإيرانية، وهو استخدام القوارب الصغيرة في تكتيكات جماعية لمضايقة السفن الأمريكية، لإظهار صورة للقوة العسكرية وتحدي الوجود الأمريكي في الخليج.

وبالمثل، يعرض الحرس الثوري الإيراني بشكل متكرر أسطوله من الغواصات الصغيرة لإثبات قدرة إيران على اعتراض الشحن البحري في الخليج.

كما توجد تكهنات بشأن نشر حديث للصواريخ والقذائف المضادة للسفن في جزيرة "قشم"، في وسط مضيق هرمز.

وبالرغم من أنه تم استخدامها على الأرجح لإجراء تدريبات عسكرية، لكن عرضها على الشبكات الاجتماعية نقل أيضا رسالة مفادها أن الحرس الثوري الإيراني لا يخفض شراعه.

ولا تزال البحرية الخليجية غير مستعدة لمواجهة هذا التحدي الإيراني، حيث كان التعاون البحري بينها محدودا، لهذا السبب يلعب التحالفان الغربيان الموجودان في المنطقة دورا حاسما في ضمان الأمن البحري في هذه المياه المتنازع عليها.

وكانت البعثتان الأوروبية والأمريكية تهدفان إلى ضمان حرية الملاحة، وبالرغم من أن المملكة المتحدة وأستراليا تساهمان في البعثة الأمريكية، فقد أعربت الحكومات الأوروبية عن عدم ارتياحها لأهداف واشنطن.

وذكر المسؤولون والضباط العسكريون الفرنسيون مرارا وتكرارا في محادثات، خاصة أن نهجهم كان مختلفا عن نهج الولايات المتحدة.

ومن وجهة نظرهم، فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يقوم فقط بفرض سياسة أقصى ضغط التي أطلقها البيت الأبيض ضد إيران، في حين يركز التحالف الأوروبي على ضمان المرور الآمن للسفن المدنية.

وخارج الدوائر عبر الأطلسية، تم إغفال هذا الفارق الدقيق إلى حد كبير، وفي الواقع، تصوِّر إيران علنا كلا التحالفين على أنهما يمثلان نفس الهدف المتمثل في الهيمنة الغربية الدائمة في الخليج.

ومنذ البداية، بدا نشر بعثتين تعتمدان معا على قدرات حلفاء "الناتو" مضيعة للموارد الثمينة، ولكن مع التحديات التي أوجدتها جائحة الفيروس التاجي، لم تعد القضية مجرد مسألة تضييع للموارد.

تأثير الفيروس التاجي على الأمن البحري في الخليج

وتعرض أزمة الصحة العالمية تحديات لوجستية كبيرة للعاملين في الخليج مثل أي مكان آخر.

وحتى اليوم، لم يكن هناك أي إشارة عامة إلى مدى تأثر القوات البحرية الغربية في الخليج، لكن القوات البحرية، بشكل عام، كانت من بين أكثر الفئات تعرضا للفيروس.

وبحلول منتصف أبريل/نيسان، قدرت وزارة الدفاع الأمريكية أن أكثر من 100 بحار يصابون بالعدوى يوميا.

وتم الإبلاغ عن نحو 36% من الحالات بين البحارة داخل القوات الأمريكية، ولدى الولايات المتحدة 26 سفينة حربية على متنها حالات حتى الآن.

ويوضح الجدل المحيط بقضية حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت" الخسائر التي لحقت بالبحرية الأمريكية جراء الفيروس.

وتواجه القوات البحرية الأوروبية تحديا مماثلا، وفي منتصف أبريل/نيسان، كشفت وسائل الإعلام الفرنسية أن ألفا و46 على الأقل من أصل ألف و760 بحارا على متن حاملة الطائرات "شارل ديجول" أصيبوا بعد رحلة في البحر الأبيض المتوسط.

وتقدم السفن الحربية السيناريو العنقودي المثالي للفيروس، حيث لا يمكن لطاقم السفينة وركابها تنفيذ تدابير إبعاد اجتماعي في مثل هذه المنصات المحصورة.

وبالنظر إلى الوضع الحالي للوباء، أجلت الولايات المتحدة ومعظم حلفائها الأوروبيين نشر القوات في المستقبل خارج مهامهم الأساسية.

وفي 12 مارس/آذار، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية حظر سفر ساري المفعول حتى نهاية يونيو/حزيران، وسوف يؤثر ذلك بشكل مباشر على العمليات في الخليج، حيث يؤثر الحظر على عدد وإيقاع عمليات نشر الوحدات الأمريكية بالخارج.

وتؤثر سياسات عدم السفر أيضا على القوات البحرية الأوروبية، ويمكن أن تشكك بسرعة في القدرة التشغيلية للبعثة الحالية في الخليج.

وتعتمد العملية التي تقودها فرنسا على العديد من المساهمات الأوروبية، مثل البحارة البلجيكيين والدنماركيين والهولنديين والألمانيين والإيطاليين والبرتغاليين، ولديها قوات أصغر متاحة عبارة عن فرقاطتين حتى الآن، ما يجعلها أكثر عرضة للتعطل اللوجستي.

وعلى المدى الطويل، قد تتعرض البعثات البحرية الغربية في الخليج أيضا لتدقيق مالي أوثق، ويوجد شعور متزايد داخل الجيوش بأن ميزانيات الدفاع سوف تتقلص حتما بسبب الركود العالمي الناشئ.

ومع انخفاض الموارد، سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التفضيل بين الأولويات في التزاماتهم الدولية.

وفي حالة القوات البحرية الأوروبية، التي بالكاد خرجت من فترة التقشف التي أعقبت الأزمة المالية لعام 2008، من غير المرجح أن يكون تأمين مضيق هرمز على رأس أولويات ما بعد الفيروس التاجي.

ولكن حتى بالنسبة للبحرية الأمريكية، إذا كان لا بد من اتخاذ قرارات صعبة، فإن الأمن البحري الخليجي سيكون أقل أولوية في ظل مواجهة التحديات التي تفرضها الصين.

ويمكن أن يتفاقم ذلك مع أسعار النفط التي تصل إلى قاع تاريخي، ما يعني إحباط الالتزام العسكري بالمنطقة.

ولا تزال هذه السيناريوهات مجرد تخمينات، لكنها تؤثر على كيفية إدراك طهران لعزم القوات البحرية الغربية في الخليج، ويمكن قراءة تدهور الاستعداد العسكري الناجم عن الوباء المستمر كفرصة للقيادة الإيرانية لتحدي الوضع الراهن في مضيق هرمز.

وبشكل ملموس، قد يؤدي تآكل القدرات الغربية إلى قيام الحرس الثوري الإيراني باختبار استجابة القوات البحرية الأمريكية والأوروبية من خلال زيادة عمليات المضايقة.

لكن سياسة حافة الهاوية الإيرانية في مضيق هرمز يمكن أن تؤدي أيضا إلى تفاقم مستوى عدم الثقة المرتفع بالفعل بين طهران وواشنطن.

وبعد أسبوع من الحادثة الأخيرة بين البحرية الأمريكية والحرس الثوري الإيراني، غرد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بأنه "أمر البحرية الأمريكية بتدمير جميع الزوارق الحربية الإيرانية التي تتحرش بالسفن الأمريكية في البحر".

وفي اليوم التالي، رد الجنرال "حسين سلامي"، رئيس الحرس الثوري الإيراني، بتوجيه تعليمات لسفنه، قائلا: "إذا أرادت وحدة عائمة أو قتالية من البحرية تعريض أمن سفننا المدنية أو الحربية للخطر، يجب استهداف تلك السفينة أو الوحدة العسكرية".

وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن يخطئ الحرس الثوري الإيراني في تقدير رد الفعل الأمريكي ما يؤدي إلى مواجهة بحرية عن طريق الصدفة، ومن المؤكد أن الاشتباك البحري في وسط جائحة ما سيدفع المنطقة إلى مصير مجهول.

المصدر | جان لوب سمعان | معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مياه الخليج العربي الأمن البحري فيروس كورونا تداعيات كورونا

ما تحتاجه البحرية الأمريكية والإيرانية لتجنب التصعيد في الخليج