خطة التعايش المصرية مع كورونا.. واقعية سياسية أم كارثة صحية؟

الأحد 3 مايو 2020 12:02 ص

"التعايش مع كورونا هو الحل.. ودعكم من الشائعات"، "علماء: كورونا سيعود كل عام.. والحل في التعايش"، "العالم بدأ مرحلة التعايش مع كورونا".. هكذا بدأت وسائل إعلام مصرية مقربة من النظام الحاكم، الترويج لما يعرف بـ"سياسة التعايس" مع الوباء تمهيدا لخفيف لتمهيد إجراءات الحظر واستئناف الأعمال والأنشطة الاقتصادية.

وخلال الأيام الأخيرة، خففت الحكومة المصرية، من إجراءات الحظر، مقارنة بما كان ساريا في مارس/آذار الماضي، وسمحت بفتح المحال التجارية يومي الجمعة والسبت.

ومع بدء شهر رمضان، جرى رفع بعض القيود المفروضة على الحركة، وتقليص حظر التجول الليلي ليبدأ في الساعة التاسعة مساء، بدلا من السابعة، وحتى السادسة صباحا.

وتسجل مصر ارتفاعا ملحوظا في معدلات الإصابة بفيروس "كورونا"؛ حيث أصاب الفيروس خلال 48 ساعة أكثر من 550 شخص وهو أعلى معدل سجلته البلاد منذ بدء تفشي المرض في فبراير/شباط الماضي، ليرتفع إجمالي المصابين إلى 6193 إصابة بينهم 415 حالة وفاة.

خطة التعايش

تستند خطة التعايش التي أعلنتها وزيرة الصحة المصرية "هالة زايد"، قبل أيام، إلى وجود حالة من عدم اليقين حول المدى الزمني لاستمرار أزمة "كورونا" والتي قد تمتد لعدة شهور، وربما حتى لعامين، كما تشير بعض التقديرات.

وتقضي الخطة، التي قد تدخل حيز التنفيذ بعد عيد الفطر المبارك، باتباع كافة الإجراءات الاحترازية اللازمة في مختلف المنشآت، وإعادة تقييم الوضع الوبائي كل 14 يوما.

وتتضمن الخطة، استمرار غلق الأماكن التي تسبب خطرا شديدا لنقل العدوى، واستبدال خدمات التعامل المباشر مع الجمهور بالخدمات الإلكترونية، مع الالتزام بمعايير الوقاية في القطاعات الحكومية، والشركات والمصانع، ووسائل المواصلات، ومنصات النشاط الصناعي والاقتصادي في البلاد.

وتلزم خطة التعايش، كل جهة، بالكشف عن درجة حرارة المترددين على المنشأة، وتوفير غرفة عزل لاستقبال أي مصاب بالفيروس، مع خفض قوة العمل، والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.

وحسب مؤشر الأمن الصحي العالمي، فإن مصر تحتل المركز 87 من أصل 195 دولة، في الاستعداد لمواجهة الفيروسات الوبائية، بينما تحتل المركز 108 في درجة الاستعداد لحالات الطوارئ.

خسائر فادحة

إلى جانب احتمالية استمرار أزمة "كورونا" لشهور طويلة، فإن الخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد المصري، جراء توقف حركة الطيران والسياحة، وغلق الكثير من المصانع والشركات، تضغط بقوة في اتجاه التعايش مع الأزمة، دون النظر بشكل كاف إلى العواقب الصحية الناجمة عن هذا التوجه.

وقد تبنى رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي"، مؤخرا، هذا التوجه خلال ندوة خصصت لبحث مستقبل الأزمة، مؤكدا على ضرورة التعايش مع الفيروس، إلى حين اكتشاف لقاح أو دواء، مشيرا إلى تأثر عدة قطاعات اقتصادية بشدة، وتكبد الاقتصاد الكلي لخسائر كبيرة.

وجراء تلك الخسائر، تقدمت مصر بطلب إلى صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض ضخم بقيمة تتراوح بين 3 إلى 7 مليارات دولار، وفق الإعلامي المصري "أحمد موسى"، المعروف بصلاته بأجهزة أمنية وسيادية.

وفي محاولة للتمهيد لـ"سياسة التعايش"، أعلنت وسائل إعلام مصرية، عن بدء فتح باب الحجوزات أمام عملاء "مصر للطيران" بدءا من يوم 16 مايو/أيار المقبل، لعدد 128 رحلة من مطار القاهرة إلى معظم المدن العربية والعالمية، وكذلك لعدد من الرحلات الداخلية.

كذلك أعلن رجل الأعمال المصري البارز، "نجيب ساويرس"، عودته للعمل من مكتبه ابتداء من الأحد 3 مايو/أيار الجاري، مع اتخاذ كافة التدابير الاحترازية للوقاية من الفيروس، متسائلا: "ماذا سنفعل لو لم يظهر اللقاح أو الدواء أبدا؟".

مناعة القطيع

ووفق خبير الفيروسات المصري، الدكتور "محمد عادل"، فإن سياسة "مناعة القطيع: سيجري تبنيها في مصر بشكل ضمني حتى لو لم تعلن الحكومة عن ذلك، بعد أن أصبح التعايش مع الفيروس "حتميا" نظرا للآثار الاقتصادية التي خلفها على كافة المجالات.

ويرى "عادل" في تصريح نقلته شبكة "سبوتنيك" الروسية، أن الفيروس سوف يستمر في الانتشار لعدة أشهر مقبلة لحين تكوين مناعة لدى المصريين ضده، أو اكتشاف لقاح للقضاء عليه.

ويساند ذلك التوجه، التقارير المتداولة حول أن "كورونا" قد يظهر مجددا في موجات أخرى، وقد يعاود مهاجمة المتعافين منه، ما يعني استمرار أزمة الفيروس لمدة طويلة، وضرورة التعايش مع الوضع الجاري.

ويطرح خبراء ضرورة الربط بين إجراءت الحظر والإغلاق التام ومعدلات الإصابة، مشيرين إلى إمكانية عودة بعض الأنشطة بشكل تدريجي، على أن يتم التراجع عن ذلك في حال ارتفاع معدل الإصابات مرة أخرى.

ويرى خبراء اقتصاد ورجال أعمال أن أعداد الموتى نتيجة الانتحار أو الجريمة حال انهيار اقتصادات الدول، قد تفوق أعداد ضحايا الفيروس المحتملين مع عودة العمل ورفع الحجر الصحي.

الإفلاس أو الموت

تخبرنا المعطيات السابقة أن "سياسة التعايش" هي النهج الذي اختارت الحكومة المصرية تبنيه في مواجهة الأزمة بهدف وقف الخسائر الفادحة، وإعادة إنعاش الوضع الاقتصادي من جديد.

ويمكن إرجاع تبني مصر لهذا النهج أيضا إلى عدم قدرة الدولة فعليا على الوفاء باحتياجات العمالة غير المنتظمة، والتي يتجاوز عددهم عشرين مليون عامل، بحسب التقديرات.

وحال استمرار إجراءت الغلق والحظر، ستزداد وتيرة تسريح العمال في شركات القطاع الخاص، وهو ما ينذر باضطرابات اجتماعية في البلاد.

وبالنظر إلى تصريح رجل الأعمال المصري "حسين صبور"، في بدايات الأزمة، حين طالب بإعادة الناس إلى العمل فورا حتى لو مات بعضهم كي لا تفلس الدولة، فإن هذا المنطق الذي يقدم الأعمال على حياة الناس يبدو أنه وجد آذانا صاغية لدى نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي".

لكن تبقى المخاوف من أن يكون ثمن خطة التعايش تلك هو أرواح الآلاف من المصريين، خاصة مع احتمال انهيار المنظومة الصحية في البلاد، والنقص الحاد في المستلزمات الطبية والدوائية.

تواجه السلطات المصرية، إذن، معضلة للاختيار بين خيارين كلاهما مر، الأول استمرار الحظر والإغلاق وتحمل التبعات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك بهدف حماية أرواح الناس، والثاني هو إعادة النشاط الاقتصادي مع فرض التزام صارم بالتدابير الوقائية، لكن هذا الخيار يبقى مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد تنتهي بارتفاع كبير في عدد الإصابات والوفيات في صفوف المصريين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا إصابات كورونا خسائر كورونا تداعيات كورونا مكافحة كورونا

مصر تتعايش مع كورونا.. توجيه للسيسي وقرار للسياحة

مصر تعلن وصولها مرحلة ذروة انتشار كورونا

مصر تضع خطة تعايش مع كورونا تطبق على 3 مراحل

عمرو أديب يستنكر إنهاء الإغلاق وسط ارتفاع الإصابات بكورونا