«هافينغتون بوست»: هزيمة «الدولة الإسلامية» مستحيلة من دون هزيمة «الأسد»

الأحد 16 أغسطس 2015 06:08 ص

أكثر من ثلاثمائة ألف قتيل، وأربعة ملايين لاجئ، ما يقرب من ثمانية ملايين مشرد ونازح داخليا، و600 ألف يعانون أشكالا مختلفة من الحصار القاتل، وفي الوقت ذاته هناك الآلاف في السجون يعانون تعذيبا واعتداءً جنسيا وتجويعا. هذا فاتورة جزئية، حتى الآن،  لاستراتيجية البقاء السياسي على قيد الحياة للعشيرة التي تحكم سوريا برئاسة الرئيس السوري «بشار الأسد».

التقارير الأخيرة من المناقشات الدبلوماسية حول دور محتمل للأسد في حكومة وحدة وطنية انتقالية يثير سؤالا ذا صلة: هل يمكن للشخص المسؤول عن هذه الفاتورة المرعبة أن يتم طرح الثقة فيه للقيام بدور المشرف على الترتيبات الأمنية التي تشمل موضوع الحماية المدنية؟

ولكي تتم محاسبة «الأسد» بشكل كامل، يجب على المرء أن يدرج في مراحل عملية الحساب تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي جاء نتيجة الزواج الإجرامي الإرهابي بين تنظيم القاعدة في العراق والموالين لـ«صدام حسين»، حيث يبرز في الصورة ملاطفة النظام غير الشرعي في سوريا والتغاضي عن جرائمه. والنتيجة نزيف سوريا على المستوى الإنساني، وجيرانها متضررين ويعانون من تدفق اللاجئين وما يتعلق بالناحية الإنسانية، وتستضيف الدولة الميتة فيروسا سياسيا قاتلا ينشر أنواع العدوى المختلفة على الصعيد العالمي في الوقت الذي يتم فيه جذب خلايا من جميع أنحاء العالم الإسلامي السني.

وكانت الاستجابة من المجتمع الدولي لهذه الكارثة الإنسانية والأمنية في سوريا غير كافية بالمرة. ويسعى الرئيس «أوباما» إلى "إضعاف ثم تدمير" الدولة الإسلامية. وبعد التركيز أحادي التفكير على تحقيق اتفاق نووي مع إيران قاد الغرب إلى إبعاد نظره عن «الدولة الإسلامية»، بالإضافة إلى جرائم «الأسد» التي تتم بمباركة وتشجيع إيران.

نظرية واشنطن بشأن القضية والتي جمعت بين سوريا وإيران،  حتى في المحادثات الجانبية التي تمت إزالتها جيدا من الحدث الرئيسي النووي،  من شأنها أن تدفع طهران إلى التخلي عن المحادثات النووية والتخلي عن كنز في تخفيف العقوبات والاستثمار الأجنبي المباشر. وعلى ما يبدو؛ لم يخطر للزعيم الأعلى الإيراني أن قادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي سيلحقهم الضرر بسبب دعمه وتأييده للقتل الجماعي في سوريا ودعمه للعائلة التي باتت أفعالها سببا في خلق ملاذ آمن للدولة الإسلامية في كل الشرق السوري تقريبا.

وفي الوقت الذي تطارد فيه طائرات التحالف مسلحي «الدولة الإسلامية» بطائرات عالية الأداء، فإن المتمردين المناهضين للدولة الإسلامية والمناهضين للنظام يسقطون ضحايا البراميل المتفجرة من طائرات النظام فضلا عن هلاكهم بسبب عمليات الحصار القاتلة، وهو الأمر الذي يخلق مساعي تجنيد عناصر تنضوي تحت راية «الدولة الإسلامية» في سوريا وحول العالم كله. وبالتزامن مع ذلك؛ هناك رجال المليشيات الشيعية الذين تقوم إيران باستيرادهم من لبنان والعراق وأفغانستان بهدف العمل في أجزاء من غرب سوريا أملا في الحفاظ على المنطقة كجسر آمنٍ لحزب الله في لبنان. وفي الوقت نفسه؛ فإن الدبلوماسيين الأمريكيين يطاردون نظراءئهم الروس أملا في الحصول منهم على جهود تنهي حكم «الأسد» كما لو كانت تريد موسكو رحيل الأسد أو أنه يمكنها تحقيق ذلك.

وجهان لعملة واحدة

ونادرًا ما تشتبك قوات النظام و«الدولة الإسلامية» مع بعضهما البعض في قتال. وبدلا من ذلك؛ فإنهم يركزون على محاولة اجتثاث البدائل القومية السورية لكل منهما. «الأسد» ونظيره الداعشي «أبو بكر البغدادي» يشتركان في نفس الهدف؛ حيث يريد كل واحد منهما، لسبب خاص به، أن يواجه نظيره على اعتبار أن تكون تلك هي المرحلة الأخيرة، بعد أن يظلا هما الرابحان في نهاية المضمار.

وبالنسبة للأسد، فإن مواجهة «الدولة الإسلامية» بمفردها حلم طالما طال انتظاره، إنه يبحث منذ أمد بعيد عن فرصة تساعده في إجبار الغرب على أن يكون في موقف الاختيار بينه ما هو أسوأ منه؛ ويقصد بما هو أسوأ منه تنظيم «الدولة الإسلامية»، أكبر سفاح في القرن الحادي والعشرين بلا شك. وبالنسبة للبغدادي؛ فإن مواجهة «الأسد» بمفرده، من دون دعم إيراني ولا غربي، من شأنه أن يكون هدية قيمة تساهم في التجنيد بلا سقف وتضم له عناصر أكثر في سوريا وغيرها. إن ذلك قد يدعم أوراق اعتماده كقيادة بين المسلمين السنة الساخطين في جميع أنحاء العالم.

ولو يممنا وجهنا شطر العراق فسنجد أن «الدولة الإسلامية» لديها دائرة واسعة من المواطنين التابعين لها أو المؤيدين؛ السنة العراقيين محرومون من حقوقهم بسبب السياسات الطائفية التي ينتهجها رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» المدعوم من ايران. أما في سوريا، فلا يوجد نفس الأمر للدولة الإسلامية هناك ولا تمتلك مؤيدين طبيعيين. وتقلصت القاعدة الداعمة للأسد في سوريا لتقتصر على أعضاء الأقليات، وعدد قليل من الأنصار السنة، وجميعهم أخذوا رهائن بسبب جرائم حربه وجرائمه ضد الإنسانية؛ فكل منهم يخشى انتقاما بإسقاط براميل القنابل، أو يخشى موت أطفاله جوعا وتعرض النساء للاغتصاب.

سوريا، وليس العراق، هي المكان الذي من الممكن هزيمة التنظيم فيه بكل سهولة، وتسليمه إلى مصير لا يرضاه على المدى القريب. وفي الوقت ذاته؛ لا يمكن هزيمته من الجو، بينما هناك عملية ضخ أكسجين إلى رئة ما هو أسوأ منه؛ أقصد «نظام الأسد».

الحكم الشرعي هو العلاج

الحكم الشرعي، وليس الحرب، هو العلاج النهائي للمرض السوري، والذي أصبح سريعا بمثابة عدوى على المستوى الإقليمي والعالمي. وما زال التدخل الجراحي لم يجدِ نفعا، فالمريض ليس لديه بارقة أمل في النجاة. وفي الوقت الحاضر؛ فإن المعدل الذي تسير به استراتيجية التجنيد والتوظيف والفحص والتدريب والتجنيد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للمتمردين السوريين بهدف محاربة «الدولة الإسلامية» فإنها سوف تحقق هدفها المتواضع ربما مع منتصف القرن. وما هو مطلوب الآن هو عمل قوات برية مهنية بالتزامن مع ضربات طائرات التحالف للقضاء على «الدولة الإسلامية» في سوريا. وفي الوقت الذي تتم فيه عملية تحرير شرق سوريا، يمكن وضع بديل حكومي لعائلة «الأسد»، يعقب ذلك عملية تفاوض سياسي في نهاية المطاف خلق. وفي حالة حدوث ذلك فستوقن «الدولة الإسلامية» أنه ما عاد لها مكان أو ملاذ آمن في سوريا.

إن التحرك بشكل روتيني وبإجراءات تقليدية من شأنه أن يمنح التنظيم فرصة لتثبيت جذوره في الأرض أكثر وأكثر داخل سوريا، وعلينا أن نترقب بعد ذلك عواقب وخيمة لا طاقة لنا بها. وبعد القضاء على التنظيم في سوريا، فإن السبيل إلى عدم ظهوره مجددا أو ظهور ما يشبهه هو وقف العمليات الوحشية التي يقوم «نظام الأسد». ويمكن لإيران أن تنهي ذلك بمجرد أمر. ه

ل يمكن للدول الغربية أن تتحلى بالشجاعة لمواجهة طهران دبلوماسيا فيما يتعلق بتلك النقطة؟ أو أنها سوف تستمر في البعد بنفسها وتجنب الأمر، خوفا من أن إيران سوف تتراجع عن الصفقة النووية التي من شأنها أن تباعد بينها وبين التحرك في مسار التسليح النووي حتى خمسة عشر عاما؟ ويقترح وزير الخارجية «جون كيري» محادثات مع إيران بشأن سوريا قد تبدأ بمجرد الموافقة على الاتفاق النووي. لماذا الانتظار؟ الناس يموتون، والدولة الإسلامية تستفيد.

ومن المستحيل أن تستمر المفاوضات السياسية السورية في الوقت الذي تستمر هذه الفظائع الجماعية. وإذا اختارت إيران إدامة دعمها غير المشروط للقتل الجماعي، والغرب بالفعل عازم على هزيمة «الدولة الإسلامية» في الوقت الذي يسعى فيه لعملية انتقال سياسي من حكم «الأسد» إلى شيء متحضر فلن يكون هناك خيار سوى إبعاده. وفي الواقع؛ فإن الرئيس «باراك أوباما» يمكن أن يثبت الاستعداد والقدرة على الوقوف في وجه إيران في المعركة ضد «الدولة الإسلامية»، وقال إنه قد كسب التأييد في الكونجرس لاتفاق نووي.

إيران والدولة الإسلامية

وإذا فشلت الدبلوماسية، فإن إمكانية إنهاء فظائع الأسد، «البراميل المتفجرة»، الأكثر سوءًا أو حتى إنهائها بالوسائل العسكرية أقل بكثير من تكلفة غزو واحتلال سوريا. وينبغي إعطاء إيران الفرصة لوضع حد لهذه الفظائع بكلمة. وينبغي أيضا أن يطلب من طهران رفع حصار الجوع والسماح بالوصول الكامل إلى السكان المحتاجين من قبل الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة. ربما لن ترغب في أن تفعل مثل هذه الأشياء. ومع ذلك يجب أن تعطى فرصة محدودة الوقت للقيام بذلك.

التظاهر بجعل هناك قضية مشتركة مع إيران ضد «الدولة الإسلامية» خلال المفاوضات النووية قد يكون فكرة شخص ما من باب التكتيكات التفاوضية الذكية. ومع ذلك؛ فإنه في العراق تساعد إيران «الدولة الإسلامية» من خلال تشجيع المليشيات الشيعية بدلا من دعم الحكومة العراقية. وفي سوريا؛ تسبب العميل الإيراني، «بشار الأسد» في خلق ظروف أدت إلى ازدهار «الدولة الإسلامية».

إيران ليست حليفا للغرب في الحرب ضد «الدولة الإسلامية». وفي الواقع فإن مطاردة «الدولة الإسلامية» بالطائرات في الوقت الذي يطلق فيه العنان للأسد ليفعل ما يشاء تتمخض عن نتيجة متمثلة في خسارة الغرب بينما إيران هي الفائز بالتأكيد.

ويدرك القادة الغربيون تماما أن «الأسد» و«البغدادي» هما وجهان لعملة واحدة. ويجب أن يتصرف الجميع على هذا النحو إذا أراد أن «يضعف من قدرات الدولة الإسلامية ومن ثم يقضي عليها» كما هو مخطط، ولا يبقى الأمر مجرد شعار يتردد في الإعلام وفي تصريحات المسؤولين.

  كلمات مفتاحية

سوريا نظام الأسد الدولة الإسلامية الولايات المتحدة بشار الأسد

مركز الدراسات الاستراتيجية: استقرار العراق لا يتوقف فقط على حرب «الدولة الإسلامية»

«الجبير»: لا مكان لـ«لأسد» في مستقبل سوريا وموقف السعودية لن يتغير

«مجتهد»: مخطط مصري إماراتي لإعادة تأهيل «الأسد».. و«بن سلمان» تعهد بعدم المعارضة

«ستراتفور»: مظاهر القوة والضعف التي كشفتها مكاسب «الدولة الاسلامية»

«أردوغان»: «الأسد» و«الدولة الإسلامية» رأسان لـ«كماشة واحدة»

لبنان والأردن وفلسطين الأكثر سلبية تجاه «الدولة الإسلامية» ونيجيريا الأكثر تعاطفا