صراع مخلوف - الأسد.. هل تطيح الخلافات الداخلية برأس النظام السوري؟

الاثنين 11 مايو 2020 02:05 ص

"أزمة وجودية".. هكذا يصف عديد المراقبين أزمة الصراع الدائر حاليا بين الملياردير السوري "رامي مخلوف"، وابن عمته، رئيس النظام "بشار الأسد"، خاصة مع الدور الكبير الذي يلعبه "مخلوف" داخل النظام منذ صعود "بشار الأسد" إلى السلطة.

ويعد "مخلوف"، المولود عام 1969، هو المستفيد الرئيسي من عملية التحرير الاقتصادي التي قادها "بشار الأسد" بعد أن خلف والده "حافظ الأسد" في السلطة عام 2000، وتسيطر شركاته فعليا على 60% من اقتصاد سوريا، وفق تقرير مؤسسة "غلوبال ويتنس" الصادر العام الماضي.

وتقدر ثروته بما بين 3 إلى 7 مليارات دولار.

بنى "مخلوف" إمبراطوريته الاقتصادية بالأساس عبر "عمليات خصخصة" للشركات المملوكة للدولة، واستثمر في بنوك خاصة جديدة.

ومع سيطرته على شركة الاتصالات "سيريتل"، حاز مركزًا مهيمنًا في سوق الهواتف المحمولة، وأصبح الممول الأكبر للميليشيات الموالية لـ "الأسد"، التي لعبت دورا حاسما في قمع الانتفاضة الشعبية منذ عام 2011.

ولا يمكن لأي شركة القيام بأعمال تجارية في سوريا من دون موافقة "رامي مخلوف" ومشاركته، ولذا فإنه خضع اعتباراً من مايو/أيار 2011، أي بعد شهرين من اندلاع الثورة السورية، لعقوبات من قِبل الاتحاد الأوروبي بسبب دوره في تمويل النظام، قبل أن يتعرض لعقوبات أمريكية مماثلة.

وتعود خلفيات الصراع الدائر حاليا إلى حرب تصفية حسابات بين خال "بشار الأسد" المقيم في روسيا "محمد مخلوف" وابنه المقيم في دمشق "رامي مخلوف"، من جهة، وبين "أسماء الأخرس" (الأسد) زوجة رئيس النظام السوري، من جهة ثانية، إذ تسعى الأخيرة إلى تحدي سيطرة آل مخلوف على الاقتصا السوري منذ تعافيها من مرض السرطان العام الماضي.

 وشمل هذا التدخل وضع "أسماء" يدها على بعض استثمارات "رامي مخلوف"، وعلى رأسها شركتي الاستثمار الخلوي في سوريا "سيرتيل" و"أم تي أن"، وتعيين مديرين تابعين لها، بعد مصادرة الوثائق والدفاتر المحاسبية والحواسب من مقرّ شركة "راماك" بالمنطقة الحرة في دمشق.

ويشير الكاتب الصحفي السوري "عبد الوهاب بدرخان" في هذا الصدد إلى أن خلفية الصراع ترتبط بتكوين العديد من الأشخاص ثروات قبل وخلال الأزمة السورية بتسهيلات من دوائر النظام، "لكن النظام حاليا يحتاج المزيد من الأموال لإدارة الدولة وتمويل العمليات العسكرية" وفقا لما نقلته قناة الحرة الأمريكية.

وترتبط هذه الحاجة بمواجهة النظام صعوبات فورية في تأمين احتياجات البلاد من القمح بعد إفلاسه، مخافة أن يؤدي نقص السلعة الاستراتيجية إلى غضب واحتجاجات في المناطق التي يسيطر عليها، الأمر الذي يرتبط بمصالح روسيا أيضا، كونها المصدر الرئيسي للقمح إلى سوريا.

ولذا يرجح "أيمن عبدالنور"، المحلل والكاتب السوري المقيم بالولايات المتحدة، ورئيس تحرير مجلة "All For Syria"،  شمول استهداف نظام "الأسد" لرجال الأعمال الكبار وليس "رامي مخلوف" وحده.

ونتيجة لهذه التطورات، دخلت المواجهات بين "الأسد" وأسرة "مخلوف منعطفا جديدا"،  إثر احتجاز أموال "رامي مخلوف" بسبب قضية جمركية صغيرة، ما أجبره على الدفع ليتحرر من الحجز.

وردت أسرة "مخلوف" على ذلك بشن حملة إعلامية لـ "فضح" استغلال شركة "تكامل"، العائدة ملكيتها لابن خالة "أسماء الأسد"، "مهند الدباغ"، وهي شركة برز اسمها بعد تعاقدها مع حكومة "الأسد" عام 2016، وحصولها على مبلغ 400 ليرة مقابل كل بطاقة من البطاقات الذكية المستخدمة لتوزيع المحروقات والسكر والأرز والشاي، وأخيراً الخبز.

أيادي موسكو

شملت حملة عائلة "مخلوف" ضد "الأسد" اتهام رئيس النظام "بشار الأسد" نفسه بشراء لوحة بقيمة 23.1 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 30 مليون دولار) كهدية لزوجته، لتزين أحد جدران قصورها.

لكن الجدير بالانتباه أن هذه الانتقادات الموجهة لـ"الأسد" جرى تبنيها من قبل وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوكة لرجل الأعمال "يفغيني بريغوجين" المقرب من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ما قدم مؤشرا على أن حملة "آل مخلوف"ضد "آل الأسد" تجري بضوء أخضر من موسكو.

ويعزز من هذه القراءة عاملين رئيسين، أولهما أن "محمد مخلوف"، والد "رامي مخلوف"، وشقيقه "حافظ" يقيمان في موسكو، والثاني تمثل في نشر "ألكسندر أكسينوك"، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية انتقاذا لاذعا لنظام "الأسد"، على موقع المجلس، جاء فيه: "من الواضح بشكل متزايد أن النظام متردد أو غير قادر على تطوير أسلوب حكم يحد من الفساد والجريمة ويسمح بالانتقال من اقتصاد عسكري إلى علاقات اقتصادية طبيعية".

وإزاء ذلك، أعلن وزير التجارة السوري "عاطف النداف" الشهر الماضي منع الشركة المصدرة للبطاقة الذكية في سوريا من التدخل في توزيع الخبز، فيما قرأه مراقبون بأنه محاولة لإضفاء مسحة من نزاهة شكلية على  نظام لم يكن ليستمر لولا التدخل العسكري الروسي في سوريا.

غير أن حملة الهجوم على "الأسد" بالإعلام الروسي تخطت مجرد انتقاد رأس النظام إلى مستوى طرح "بدائل" له، والترويج لاستطلاع مفاده أن أقل من ثلث الشعب السوري بات يؤيده، في إشارة إلى إمكانية تأييد موسكو لتغيير "الأسد" مستقبلا، ما يعد محفزا مهما لأصحاب النفوذ داخل النظام.

وبذلك تضرب موسكو عصفورين بحجر واحد، حسب تقدير مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان "رامي عبدالرحمن"، وهما: الضغط على "بشار الأسد" والتحكم التام بقراره من جانب، والتحكم برؤوس الأموال في سوريا ووضع يد روسيا على جميع القطاعات الاستراتيجية والحيوية، وعلى رأسها قطاع الاتصالات، الذي تعد شركة "سيريتل"‎ المملوكة لـ "رامي مخلوف" المتحكم الأساسي به، وفقا لما أوردته قناة "الحرة".

مستوى الجديد

ومع مطلع مايو/ أيار الحالي، تطور صراع "مخلوف - الأسد" إلى مستوى الجديد، بعدما بث "رامي مخلوف" تسجيلا مرئيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي يناشد فيه "بشار الأسد" التدخل لإنقاذه من "ظلم الدولة" له، ومطالبتها بمبالغ مالية كبيرة "عن غير وجه حق"، زاعما أنه سيدفع المبلغ حتى لا "يحرج" رئيس النظام، في إشارة إلى إنذار عدة شركات مملوكة له لدفع مستحقات لخزينة النهار، قبل أن يتم اتخاذ إجراءات للحجر عليها.

 

 

وقد ردت حكومة النظام على تظلم "مخلوف"، في بيان أصدرته "الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد"، التابعة لوازرة الاتصالات، في 1 مايو/أيار، أكدت فيه أن المبالغ المطلوب سدادها من ابن خال بشار الأسد "مستحقة للدولة"، وأنها عازمة على تحصيلها.

وفي 3 مايو/أيار، نشر "رامي مخلوف" فيديو ثان ذكر فيه أن قوات الأمن بدأت في اعتقال الموظفين في شركاته المختلفة، مضيفا أنه يتعرض لضغوطات "بطريقة غير مقبولة، وبشكل ليس إنسانيا"، وصفا ما يحدث له بأنه "ظلم واستخدام للسلطة في غير محله"، حسب تعبيره.

وناشد "مخلوف" مجددا "بشار الأسد" ردع الأجهزة الأمنية التي بدأت تتعدى على عائلته معقبا: "يهددوني، إما أن تتنازل على الأموال، أو نسجن جماعتك، فهل يجوز ذلك يا سيادة الرئيس؟".

 

 

ويشير هذا الخلاف إلى وجود تصدع في الجبهة الداعمة لنظام "الأسد"، لاسيما في أوساط الطائفة العلوية، التي ينتمي لها رئيس النظام وابن خاله، إذ يرى كثير من أبناء الطائفة "رامي مخلوف" على أنه رجل الخير، نظرا لتحمله فواتير العلاج والمساعدات العينية، بل وحتى رواتب وأجور بعض العسكريين السابقين الذي عملوا معه في مواجهة الثورة.

يفسر هذا هيئة "رامي مخلوف" في تسجيليه المرئيين، إذ كان يجلس أمام "مدفأة" رغم دخول فصل الصيف، حيث اختار تصوير مناشداته المزعومة من منطقة صلنفة السياحية، التي لجأ إليها بعد خلافه مع "الأسد" والتي تنخفض فيها درجات الحرارة بشدة، كونها تقع في أعلى جبال اللاذقية.

ويتمتع "مخلوف" بشعبية كبيرة بين أبناء الطائفة العلوية في هذه المنطقة، ويطلق عليهم بعضهم لقب "الأستاذ"، بما يؤشر إلى أن "مخلوف" أراد توجيه كلمته بالأساس لفقراء وأهالي العسكريين من العلويين الذين قضوا في المعارك دفاعا عن النظام، في رسالة ضمنية مفادها أنه إذا لحق الضرر بشركاته فإن المساعدات التي يقدمها لهم سوف تتوقف، بحسب "عبد النور".

ماهر الأسد

من الواضح إذن أن "رامي مخلوف" بات يمثل تهديدا خطيرا للنظام السوري، حسب تقدير معهد الشرق الأوسط بواشنطن، خاصة في ظل مؤشرات على احتمال وقوف "ماهر الأسد"، شقيق "بشار الأسد" وقائد أهم فرق النظام العسكرية، وعضو اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم،  إلى جانبه، ومن شأن ذلك - إن صح - أن يغير جذرياً من موازين القوى في هرم السلطة السوري.

ومن هذه المؤشرات ما تداوله ناشطون سوريون على شبكات التواصل الاجتماعي حول تاريخ تأسيس صفحة "رامي مخلوف" التي بث منها تسجيليه على فيسبوك، إذ اتضح إنشاؤها أولا باسم "ماهر الأسد" عام 2012، قبل أن تغير اسمها لاحقا إلى "رامي مخلوف".

ويعزز هذه المؤشرات أن "ماهر الأسد" كان حلقة الوصل بين "مخلوف" و"بشار الأسد" طيلة المرحلة السابقة، وهو الشريك الأقوى في الكتلة الاقتصادية والمالية التي يديرها "رامي مخلوف".

ويُعرف "ماهر الأسد" بطائفيته ودمويته، التي ظهرت بوضوح خلال دوره في مواجهة الثورة الشعبية عام 2011.

وبالنظر إلى رصد حركة طيران مروحي غير معهودة على الساحل السوري (معقل أنصار رئيس النظام وابن خاله) خلال الأيام الماضية، وسط حالة احتقان في الشارع على خلفية الأزمة، خاصة في مدينة "جبلة"، مسقط رأس "رامي مخلوف"، ثمة مخاوف من انفجار قد يؤدي إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين.

وكانت سلطات النظام السوري قد بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، بالتحرك لإضعاف القوة العسكرية التي كانت تتبع "رامي مخلوف"، حيث قامت بتفكيك الجناح العسكري لجمعية البستان التابعة له، والتي كان يتبع لها مسلحون يقدر عددهم بنحو 22 ألف شخص.

في ضوء ذلك، يميل مراقبون إلى تفسير المشهد الحالي على أنه تحرك من "مخلوف" و"ماهر الأسد" يهدف إلى تحجيم النفوذ المتزايد لزوجة رئيس النظام داخل الهرم السياسي، ورغم ذلك، يبقى من الصعب التكهن بنتيجة هذا الصراع الذي تشتبك فيه العوامل الداخلية مع التأثيرات الخارجية، ولكن المؤكد اليوم هو أن الخلافات داخل النظام وصلت مرحلة الغليان، وأن غليانها لن تمر مرور الكرام على الأرجح.

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد رامي مخلوف أسماء الأسد الطائفة العلوية ماهر الأسد

ديلي بيست: أسماء الأخرس المحرك الرئيسي لخلافات الأسد ومخلوف

إرهاصات سيناريوهات روسية لمرحلة جديدة بسوريا

سر توتر العلاقات بين الأسد وبوتين