خيارات محدودة للأردن أمام خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية

الجمعة 8 مايو 2020 02:51 م

كسائر دول العالم لم تدخر الأردن جهدًا في محاولات احتواء انتشار الفيروس التاجي الجديد وذلك من خلال اتخاذ تدابيرٍ صارمة بما في ذلك فرض الإغلاق التام، وإغلاق الحدود. ويبدو أن تلك الجهود التي تعد من الأكثر صرامة في المنطقة باتت تؤتي أكلها، فحتى نهاية أبريل/نيسان كان لدى الأردن 500 إصابة فقط و9 وفيات، وفي الأيام الأربعة الأولى من شهر مايو/أيار لم تسجل الأردن حالة واحدة جديدة.

ينصب اهتمام الحكومة الآن على محاولة إنعاش الاقتصاد المتعثر، والذي سيتقلص بنسبة 3.7% هذا العام وفقًا لصندوق النقد الدولي، وبدأ الأردنيون في إدراك حقيقة أن تعافي الاقتصاد سيكون بطيئًا ومؤلمًا هذه المرة.

ولكن في خضم مكافحة الأردن للفيروس وتخصيص كل الموارد الممكنة في تلك المعركة كانت المملكة تراقب عن كثب التطورات السياسية في (إسرائيل)، حيث تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي "بنيامين نتنياهو" من عقد صفقة مع منافسه "بيني غانتس"، رئيس ائتلاف "أزرق أبيض"، لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة. تسمح تلك الصفقة لـ"نتنياهو"، بالاحتفاظ بمنصبه لمدة  18 شهرا، ما يفتح الباب أمام ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما في ذلك غور الأردن، في وقتٍ قريبٍ للغاية، قد يكون يوليو/تموز المقبل.

قبل تفشي الوباء كانت الأردن في مقدمة الدول التي ترفض تعهد "نتنياهو" بضم أراضي الضفة، كما أنها رفضت ضمنيًا "صفقة القرن" التي كشف عنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في يناير/كانون الثاني الماضي، وواصل العاهل الأردني "عبد الله بن حسين" محاولاته في حشد دعمٍ إقليمي ودولي لمشروع "حل الدولتين" المستند على مبدأ "الأرض مقابل السلام" بالنحو المنصوص عليه في مبادرة السلام العربية لعام 2002. والتي لم يقبلها القادة الإسرائيليون مطلقا.

في سبتمبر/أيلول الماضي، قال الملك "عبد الله" لشبكة تليفزيون أمريكية إن ضم غور الأردن لن يقتل مبادرة حل الدولتين فقط بل أيضًا يهدد معاهدات السلام بين الأردن ومصر من جهة و(إسرائيل) من جهة أخرى.

تهديد وجودي

بالنسبة للأردن فإن ضم (إسرائيل) للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وكذلك وادي الأردن المهم استراتيجيًا يشكل تهديدًا وجوديًا للمملكة، كما يرى بعض الخبراء والمسؤولين الأردنيين أن ذلك الضم ينتهك معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.

ومن منظور فلسطيني أردني، ستؤدي خطة "ترامب" إلى إنشاء كيان يفتقر إلى السيادة وغير متصل جغرافيا، ويعتمد بالكامل على (إسرائيل) من أجل البقاء. كما أنه يتجاهل حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية، العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية.

فخريطة الدولة الفلسطينية المستقبلية كما يراها البيت الأبيض هي عبارة عن تجمعات تشبه الجبن السويسري لمراكز سكانية فلسطينية منفصلة عن بعضها البعض.

بالنسبة للأردن يثير وأد مشروع حل الدولتين تساؤلاتٍ حول مصير ما يقرب من مليوني لاجئٍ فلسطيني بالمملكة. كما أنه يستحضر مزاعم (إسرائيل) اليمينية المتطرفة بأن الأردن دولة فلسطينية ويهدد ما يعتبره الملك "عبد الله" دوره الموروث كوصيِ على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، بما في ذلك المسجد الأقصى، والذي كان مركزًا للتوترات بين الأردن و(إسرائيل) على مدي السنوات الماضية.

علاوةً على ذلك، تخشي الأردن من الضغط عليها للقيام بدور إداري مستقبلي على المراكز السكانية الفلسطينية في أعقاب انهيارٍ محتمل للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وبالرغم من حساسية العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة حيث تعتمد الأردن بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، كان الملك "عبد الله" واحدًا من النقاد الرئيسيين لسياسة "ترامب" بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وانتقد الملك "عبدالله" علنًا قرار "ترامب" عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب. كما سارع الأردن بقيادة حملة دولية لجمع الأموال لـ"الأونروا"، الهيئة التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، بعد قرار الولايات المتحدة عام 2018 بقطع تمويلها للوكالة.

تداعيات الوباء الاقتصادية

يواجه الأردن الآن تداعيات اقتصادية لم يسبق لها مثيل جراء أزمة الفيروس التاجي. وتأثرت مكانة المملكة الجيوسياسية بأصداء الوباء في جميع أنحاء المنطقة. فقد ساهم الوباء في انهيار أسعار النفط، مما أضعف اقتصادات دول الخليج وجعل وظائف عشرات الآلاف من المغتربين الأردنيين في خطر، بشكل قد يضطرهم إلى العودة إلى المملكة في حالة خسارتها. كما أن هناك لاعبين إقليميين رئيسيين في المنطقة، (السعودية ومصر)، يكافحان لمواجهة الفيروس.

لذلك هناك مخاوف حقيقية من أن هذا الوباء سيعيد ترتيب الأولويات الإقليمية وسيتم دفع القضية المركزية لفلسطين خارج الصورة.

والسؤال الآن هو ماذا سيكون رد فعل الأردن إذا استمر "نتنياهو" في عملية الضم التي قد تتم في يونيو/حزيران المقبل؟ وهل تستطيع الأردن تحمل تبعات تعليق معاهدة السلام مع (إسرائيل) كما يقترح العديد من المشرعين والناشطين، ما يعني المخاطرة بعلاقات المملكة الاستراتيجية مع واشنطن؟

حتى اندلاع الوباء، كان الاتجاه العام في الأردن لصالح معاقبة (إسرائيل)، وكان الأردنيون يضغطون على الحكومة لإلغاء صفقة الغاز المسال المثيرة للجدل مع شركة إسرائيلية والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات، كما أنهم أشادوا بقرار الملك "عبد الله" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بعدم تجديد اتفاقية تأجير أراضي أردنية لـ(إسرائيل) بموجب معاهدة السلام.

ولا تجمع الملك "عبد الله" و"نتنياهو" علاقة جيدة، فالرجلان ليسا على اتصال منذ سنوات، وليس الأمر سرًا أن كليهما لا يطيق الآخر.

ولكن السؤال الآن هو هل بإمكان الأردن تحمل التحدي وهل ستمضي (إسرائيل) قدمًا في خطتها للضم ومتى؟ فـ(إسرائيل) تعلم أن رد الفعل العربي سيكون فاترًا، في الوقت الذي تعمل فيه العديد من الدول العربية على تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) بشكل مباشر وأحيانًا من جانب واحد.

فقد قام "نتنياهو" بزيارة تاريخية إلى سلطنة عمان في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بدعوة من سلطانها الراحل "قابوس"، والتقي في فبراير/شباط الماضي رئيس المجلس العسكري السوداني "عبد الفتاح البرهان" في أوغندا. وتفاخر "نتنياهو" في يونيو/حزيران 2019 بأن (إسرائيل) لديها اتصالات مع معظم الدول العربية.

رأي واشنطن

قد يكون الأمل في إدارة "ترامب" نفسها، ففي 30 أبريل/نيسان الماضي نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى قوله إن أي ضم إسرائيلي يجب أن يأتي "في سياق عرض على الفلسطينيين بتحقيق دولة تقوم على شروط معينة وظروف وأبعاد إقليمية محددة ودعم اقتصادي سخي".

وأضاف الموقع أن السفير الأمريكي لدى (إسرائيل) "ديفيد فريدمان" أخبر مساعدي "نتنياهو" أن "الولايات المتحدة تريد تنفيذ خطة سلام وليس خطة ضم".

ولكن وفقًا لمصادري، بدت الأردن متشككة في ذلك البيان، كما قال مصدر آخر إنه من غير المهم من يقول ماذا في واشنطن في هذه المرحلة.

قال وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في 22 أبريل /نيسان الماضي إن القرار متروك لـ(إسرائيل) حول ما إذا كانت تريد ضم أجزاء من الضفة الغربية أم لا، وأن واشنطن ستقدم وجهات نظرها بشكل خاص إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة. من ناحية أخرى، أخبرني أحد المصادر أن القرار النهائي سيكون لـ "جاريد كوشنر" صهر الرئيس "ترامب" ورئيس فريق السلام في البيت الأبيض.

وتشير المعلومات إلى أن الأردن نصح الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي رفض خطة "ترامب" فور صدورها، بتقديم عرض مضاد وبالتالي إشراك البيت الأبيض وإدارة "ترامب" في مفاوضات جديدة.

وفيما يبدو أن التأخير هو الاستراتيجية التي تبنتها الأردن في الوقت الحالي لمقاومة الأمور التي قد تكون حتمية الحدوث. فإن المملكة تأمل أن تدفع المفاوضات الفلسطينية المحتملة "نتنياهو" خطوة إلى الوراء حتى أواخر هذا العام، أي إلى مشارف الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

كما علقّت المملكة بعض الأمل على فشل "نتنياهو" في تشكيل حكومة قبل الموعد النهائي المحدد وبالتالي انتخابات إسرائيلية رابعة.

في غضون ذلك، تتمسك الأردن بموقفها الرسمي تجاه خطة الضم. ففي خضم أزمة الفيروس التاجي، أجرى وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" عددا من المكالمات الهاتفية في 25 أبريل/ نيسان مع نظرائه حول العالم، بما في ذلك وزراء خارجية روسيا وألمانيا ومصر، وحثهم على الضغط على الحكومة الإسرائيلية الجديدة لعدم المضي في خطتها للضم المقرر.

سيكون اعتراض الأردن ورد فعلها عاليًا وواضحًا إذا ما قرر "نتنياهو" المضي قدمًا في أي شكل من أشكال الضم، سواء كان الضم للمستوطنات الإسرائيلية فقط أو لغور الأردن. وقد يتناسب مستوى رد الفعل مع مدى الضم وما إذا كان يشمل غور الأردن أم لا.

ولكن في أعقاب أزمة الفيروس التاجي، تعلم عمَّان أن لديها مساحة أقل للفعل. لذلك من غير المرجح أن تقوم المللكة بتعليق معاهدة السلام مع (إسرائيل)، وسيكون خيارها الرئيسي ولكنه ليس الوحيد، اللجوء إلى الدبلوماسية، مع العلم أنه لا يمكن التعويل على ذلك الخيار كثيرًا في عالم مثقل بأزمة الوباء.

المصدر | أسامة الشريف/ ميدل إيست إنستيتيوت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بنيامين نتنياهو بيني غانتس أبيض أزرق ضم الضفة الغربية صفقة القرن العلاقات الأردنية الإسرائيلية

سفير أمريكا: جاهزون للاعتراف بسيادة إسرائيل على غور الأردن

وزير: بريطانيا لن تدعم ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية

هآرتس: ضم أراضي الضفة كلمة السر وراء زيارة بومبيو لإسرائيل

توقعات إسرائيلية بتنفيذ الأردن تهديداته حال ضم أجزاء بالضفة 

نتنياهو: الفلسطينيون سيتنازلون ويرضخون لقرار ضم الضفة

تفاصيل مشروع أمني مشترك بين الجيشين الإسرائيلي والأردني