خامنئي ونهاية الحركة الإصلاحية في إيران

الجمعة 8 مايو 2020 08:17 م

تمر الحركة الإصلاحية في إيران، التي كانت واعدة في السابق، بدوامة مميتة. وليس ذلك لأن فكرة الإصلاح فقدت جاذبيتها. على العكس، يتلهف الإيراني العادي اليوم للتغيير السياسي كما كان دائما. ولكن ليس لديه سبب للاعتقاد بأن الإصلاح التدريجي ممكن.

ولا يرتكز هذا التشاؤم فقط على سجل الفشل الطويل لحركة الإصلاح في إحداث تغيير في الواقع، ولكنه يتفاقم أيضا بسبب الحالة الحالية من الشيطنة لقيادة الحركة.

وعندما تم انتخاب الإصلاحي "محمد خاتمي" رئيسا عام 1997، اعتقد القادة الغربيون وأغلبية الإيرانيين الذين صوتوا لصالحه،بنسبة 70% تقريبا، أن الجمهورية الإسلامية قد تكون قادرة على تغيير نفسها من الداخل.

وقد لا تكون هناك حاجة لثورة دموية أخرى كما حدث في عام 1979، أو تدخل عسكري أجنبي، أو أي شيء بينهما.

كان هناك اعتقاد أن الإصلاح السياسي في طهران حتمي ولكنه سيكون تدريجيا. ولاحقا، تبين أن هذا كان مجرد تمني. وبعد أكثر من عقدين، يمارس نفس المرشد الأعلى غير المنتخب "علي خامنئي"، المدعوم بأذرع الحرس الثوري، سيطرة سياسية مطلقة.

ولا تعد قوة صناديق الاقتراع في الجمهورية الإسلامية سوى وهم. وفي هذه الأثناء، بدلا من مواجهة "خامنئي"،يوجه قادة حركة الإصلاح سكاكينهم ضد بعضهم البعض، ما يمهد الطريق للمرشد الأعلى لمتابعة أجندته السياسية بحسب ما يرى.

الإصلاحيون والمعتدلون يقاتلون بعضهم البعض

ولا تدور المعركة داخل المعسكر الإصلاحي والمعتدل اليوم حول الأفكار الجديدة. بل يتعلق الأمر بمن يجب أن يتحمل اللوم على الفشل الذريع.

وكان هناك شخصيتان محوريتان في هذه المعركة، هما الرئيس "حسن روحاني" والرئيس السابق "خاتمي". وبعد 7 أعوام من مساعدة "روحاني" للمرة الأولى على الفوز بالرئاسة، لا يوجد سبب لحركة الإصلاح للوقوف إلى جانب الرئيس الزئبقي الآن، لأنه لم يفعل أي شيء لدفع قضية الإصلاح السياسي في إيران.

وبما أن الشخصيات الإصلاحية نأت بنفسها عن "روحاني"، حيث أعرب الكثيرون صراحة عن أسفهم العميق لدعمهم له في عام 2013، لا يوجد حتى الآن أي اتفاق حول من يجب أن يتولى الوشاح كزعيم لمعسكر الإصلاح.

وهذه هي النقطة التي يظهر فيها اسم "خاتمي" كمنظم فكري للحركة، أو حتى كرئيس محتمل للعودة إلى الواجهة من جديد.

وكان "خاتمي" شخصية خلافية، ليس فقط بين الإيرانيين بشكل عام، ولكن حتى بين القادة الإصلاحيين والمعتدلين.

يرى أنصار "خاتمي" أنه المرشح الأكثر قدرة على الاستمرار في حمل راية الإصلاح السياسي. ومع ذلك، فإن منتقدي "خاتمي" ينظرون إليه على أنه وديع للغاية ويحترم "خامنئي"، وبعيد عن التواصل مع الجيل الأصغر من الإيرانيين الذين لم يكونوا قد ولدوا حتى عندما أصبح رئيسا للمرة الأولى عام 1997.

تعترف الشخصيات الإصلاحية البارزة علانية أنها لم تعد تروق للجمهور. وعلى وجه الخصوص، يُعتقد أن الشباب قد تخلوا عن فكرة الإصلاح التدريجي. وبدلا من ذلك، فإنهم يتجهون بشكل متزايد إلى الرسائل السياسية، التي عبرت عنها في الغالب المعارضة السياسية في الشتات الإيراني الكبير، والتي تتحدث عن عدم إمكانية إصلاح النظام من الداخل، وضرورة استبدال نظام الجمهورية الإسلامية تماما.

ويواصل "خامنئي" تغذية هذا الشعور الغاضب. وفي الانتخابات الأخيرة للبرلمان الإيراني، في فبراير/شباط الماضي، تم منع معظم النواب الإصلاحيين الحاليين والمرشحين الطموحين من الترشح من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه "خامنئي".

مسرحية مستمرة

وبالرغم من إخفاقات الحركة الإصلاحية التي لا لبس فيها، لا يزال القادة الإصلاحيون يدعون أنهم مهمون ويتعهدون باستمرار بالكشف عن توجه استراتيجي جديد في برنامج سياستهم.

ويعد الاعتراف بضرورة "الاقتراب من الناس" اعترافا واضحا من المعسكر الإصلاحي بأنهم فقدوا ثقة الجمهور. وبالرغم من الحديث عن تعديل التوجه الاستراتيجي، فإن حركة الإصلاح لا تتمتع إلا بالسلطة التي يسمح بها "خامنئي".

وخلال الأشهر القليلة المقبلة، من المحتمل أن نرى تقارير إعلامية إيرانية عن انقسامات داخل المعسكرات الإصلاحية والمعتدلة. وسيتم ذكر أسماء مثل "محمد رضا عارف" و"غلام حسين كاراباش" و"مصطفى كافاكيبيان" كجزء من جهد تشكيل الأجندة الإصلاحية.

ويعتبر هؤلاء من بين أعلى الأصوات في إيران التي تتبنى أفكارا إصلاحية. وقد يكون لهذا الصراع تأثير على توجه الإصلاحيين كمعسكر سياسي، لكن لن يكون لذلك تأثير على سياسات الجمهورية الإسلامية.

ويعيدنا هذا الواقع إلى "خامنئي"، محرك العرائس الرئيسي في الجمهورية الإسلامية. وقد يبحث المرشد الأعلى عن سبل لإقناع العالم بأنه لا يشرف على دكتاتورية ولكن على نظام "ديمقراطي إسلامي"، وقد يضطر إلى إثارة بعض القضايا السياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية عام 2021.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يرغب في إبقاء بعض الشخصيات الإصلاحية البارزة في الانتخابات كدليل على أن الانتخابات تنافسية. وهذه بالطبع خدعة كل مرة.

وقد ينظر "خامنئي" حتى في إعادة "محمود أحمدي نجاد"، الشعبوي اليميني الذي وقف في فترته الرئاسية الثانية (2009-2013) في وجه "خامنئي".

وسيحرص المرشد الأعلى على عدم فوز "نجاد" بالرئاسة، لكنه يعلم أنه حتى مجرد ذكر اسمه قد يعزز الاهتمام بانتخابات عام 2021.

فبعد كل شيء، لا يزال "نجاد" يحتفظ بقاعدة من الدعم الشعبي في المجتمع الإيراني. وآخر شيء يريده "خامنئي" هو أن تفقد الانتخابات الإيرانية مصداقيتها بالكامل، بالرغم من أن هذا قد حدث بالفعل.

ويريد "خامنئي" بشدة أن تحافظ الجمهورية الإسلامية على واجهة "الجمهورية"، أي استمرار إجراء انتخابات عامة يُنظر إليها على أنها تنافسية. وهذا هو السبب في رغبته في رؤية بعض المرشحين المرتبطين بالحركة الإصلاحية، أو المعارضين مثل "نجاد"، على خشبة المسرح.

وبالرغم أن وجود الشخصيات الإصلاحية والمعارضة مرتبط بالعرض السياسي الذي يديره "خامنئي". فقد تم تحدي الخط الأحمر الذي يضعه "خامنئي" أكثر من مرة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك "مطهري" و"محمود صادقي"، وهما عضوان في البرلمان قادا حملة تشكيك في مدى قوة المرشد الأعلى وأثارا مشكلة الفساد المستشري التي غض "خامنئي" الطرف عنها لأعوام.

وتم منع الرجلان من الترشح للبرلمان مرة أخرى. وفي حالة "صادقي"، حُكم عليه بالسجن لمدة 21 شهرا. ولكن إذا لعب كل طرف دوره بشكل جيد، وبدون تجاوز خطوطه الحمراء، فإن "خامنئي" يرى قيمة في الحفاظ على تصور أن هناك سوقا حقيقية للأفكار السياسية، طالما يمكنه تنظيمها والتأكد من أنها لا تنقلب عليه.

وخرجت شائعات في طهران بالحديث عن أن الإصلاحيين قد يطلبون حتى من وزير الخارجية "جواد ظريف" الترشح للرئاسة في عام 2021. وينظر إلى "ظريف" على أنه إصلاحي، وليس لدى الإصلاحيين شخصيات رئيسية أخرى قد يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن المؤكد أن وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" شخصية مهمة ومؤثرة، ويعتبر أقرب إلى المعسكر الإصلاحي. لكنه أيضا جندي مخلص لـ "خامنئي".

ولن يختلف "ظريف" كرئيس عن "روحاني" أو "خاتمي" في احترام رغبات المرشد الأعلى. وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل رئاسة "ظريف" ممكنة، لأنها لا تشكل تهديدا لـ"خامنئي".

وفي الواقع، قد يرحب "خامنئي" بترشح "ظريف" وفوزه لإلهاء الجمهور عن حقيقة أنه مسؤول بغض النظر عن من هو الرئيس.

وفي الوقت نفسه، إذا وافق مجلس صيانة الدستور على "ظريف" للترشح، سيصبح من غير المرجح أن يقاطع الإصلاحيون انتخابات 2021.

سوف يستمر "خامنئي" محرك الدمى الرئيسي الذي يلعب بكل الأوتار. وقد يكون هذا النوع من التمثيلية السياسية كافيا لجعل قادة الإصلاح المفترضين يشعرون بأهمية، بالرغم أنهم فقدوا قاعدتهم منذ فترة طويلة.

المصدر | أليكس فاتانكا - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الرئاسية الإيرانية الإصلاحيون الإيرانيون آية الله علي خامنئي

الانتخابات الإيرانية.. المحافظون يتهيأون لاستعادة السيطرة

إيران.. إيقاف السياسي الإصلاحي مصطفى تاج زادة