مصر وتفشي وباء المعلومات المضللة في زمن كورونا

الأربعاء 13 مايو 2020 11:38 ص

في وقت مبكر من فبراير/شباط الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من "تفشي وبائي ضخم للمعلومات المضللة" يرافق تفشي "كوفيد-19".

تم إغراق وسائل الإعلام الاجتماعية ووسائل الإعلام التقليدية على حد سواء بمعلومات مضللة وكاذبة حول الفيروس، في حين أن هناك أيضًا مجموعة من المعلومات الخاطئة حول المعلومات الخاطئة نفسها.

للأسف لم تنج مصر من وباء المعلومات الخاطئة هذا، وبما أن هناك جهات تزعم باستخدام الحكومة المصرية لذريعة الأخبار المزيفة كغطاء لفرض الرقابة بشكل عام، يصبح من الصعب للغاية على المواطنين المعنيين تقييم مدى التضليل الفعلي بشكل عقلاني.

ومع ذلك، فإنه في ظل في المناخ الحالي؛ سيكون من الخطأ تجاهل هذه التحذيرات من الأخبار الكاذبة باعتبارها ببساطة الموقف السلطوي المعتاد للنظام.

وهذا يقودنا إلى أسئلة مهمة حول طبيعة ومدى المعلومات المضللة "كوفيد-19" على الشبكات المصرية، مثل: ما هي أنواع المعلومات الخاطئة التي يتم تداولها؟ وهل تستجيب الحكومة بشكل فعال ومتناسب؟

4 أنواع من المعلومات الخاطئة حول "كوفيد-19"

للإجابة على هذه الأسئلة، قمت بجمع وتحليل 69 عينة من المعلومات الخاطئة التي يتم تداولها داخل الشبكات المصرية بين يناير/كانون الثاني، وأبريل/نيسان، وفق ما أوردته منظمة "متصدقش"، وهي منظمة مصرية لتقصي الحقائق.

صنفت كل عينة من المعلومات الخاطئة ووجدت أنها تقع ضمن 4 فئات عريضة:

(1) ادعاءات كاذبة حول الفيروس نفسه، بما في ذلك معلومات عن العلاجات والانتقال واللقاحات.

(2) ادعاءات كاذبة حول رد الحكومة المصرية على الوباء، بما في ذلك السياسات والبرامج العامة.

(3) المحتوى الذي تم وضعه في سياق غير دقيق أو زائف.

(4) نظريات المؤامرة والتضليل.

كانت الادعاءات الكاذبة حول الفيروس نفسه هي الأغلب في العينة، بنحو 39%.

يتضمن هذا النوع من المعلومات المضللة ادعاءات كاذبة حول العلاجات، مثل الادعاء بأن شرب كميات كبيرة من الماء والملح سيقضي على الفيروس وأن الغرغرة بالخل ستقتل الفيروس.

بالإضافة إلى ذلك، زُعم كذبا أن الفيروس ينتقل عن طريق الهواء وأن أشهر الصيف تقضي على الفيروس، كما تم تضمين جميع العبارات الأخرى المتعلقة بالمشورة الطبية المزيفة في هذه الفئة، مثل الادعاء بأن أخذ كميات كبيرة من اللقاحات المضادة للالتهاب الرئوي ستمنع فيروس "كورونا".

النوع الثاني من المعلومات الخاطئة المتعلقة بـ"كوفيد-19" يتعلق بادعاءات كاذبة ومضللة حول استجابة الحكومة للفيروس.

يمثل هذا ما يقرب من 23% من العينة ويتضمن مزاعم مثل قيام الحكومة بإلغاء جميع وسائل النقل العام في عطلة نهاية الأسبوع  إلى جانب مجموعة من المعلومات غير الصحيحة حول تأجيل الدراسة وامتحانات الثانوية.

تشتمل الفئة الثالثة على محتوى حقيقي -مثل مقاطع الفيديو أو الصور- التي يتم وضعها في سياق زائف وتتسم بأنها مختلفة عما هي عليه في الواقع.

تتراوح هذه بين فيديو قديم لأشخاص في بيرو يصلون في الشوارع، ويُدعى خطأً أنهم في إيطاليا خلال ذروة الفيروس التاجي، إلى فيديو مترجم بشكل غير صحيح لـ"أنجيلا ميركل" من عام 2013 يدعي أن ألمانيا قد اكتشفت لقاحًا.

لا توجد رواية واحدة تلتقط بدقة هذه القطع المتباينة من المحتوى الذي يوضع في سياق زائف.

الفئة الرابعة والأخيرة تتعلق بنظريات المؤامرة والتضليل، يهيمن على القطع الموجودة في العينة موضوع واحد: أن الولايات المتحدة مسؤولة عن تخليق الفيروس التاجي.

في 23 يناير/كانون الثاني، نشرت صحيفة "الأخبار" المصرية المملوكة للدولة قصة تشير إلى أن الفيروس التاجي كان سلاحًا بيولوجيًا خلقته الولايات المتحدة.

تضمن المقال أقوالًا لـ"إيجور نيكولين"، الذي يُزعم أنه عضو سابق في لجنة الأمم المتحدة للأسلحة البيولوجية، تشير إلى أن الوباء سببه إطلاق سلاح بيولوجي أمريكي.

حدد فريق "إيست ستارتكوم تاسك فورس" التابع للاتحاد الأوروبي هذه القصة على أنها قطعة من التضليل المؤيد للكرملين.

ظهر "نيكولين" -الذي ليس له ارتباط مؤكد مع الأمم المتحدة- في عدد من البرامج التليفزيونية الروسية الموالية للكرملين ليردد هذا الادعاء، والذي انتشرت عنه التقارير على نطاق واسع.

ظهرت نسخ أخرى من هذه الرواية في وسائل الإعلام المصرية، والتي تم تحديد معظمها من قبل فرقة عمل "إيست ستارتكوم" على أنها معلومات مضللة مؤيدة للكرملين.

يتبع التضليل نمطًا مألوفًا؛ فهو يظهر لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية "آر تي" و"سبوتنيك العربية"، قبل أن تلتقطه المنشورات المصرية، كما نشرت إيران نفس الرواية وبعدها التقطتها وسائل الإعلام المصرية.

بين محاربة التضليل وتسييس الرقابة

أنتج المركز الإعلامي بمجلس الوزراء المصري منذ فترة طويلة "تقارير شائعات" مخصصة لعلاج ما يدعي أنه أخبار كاذبة وشائعات تنشرها الجهات السيئة المزعومة، التي تنسب لجماعة "الإخوان المسلمون" عادة.

تُستخدم تقارير الشائعات هذه عادةً لتعزيز عدم الثقة في وسائل الإعلام المستقلة والاجتماعية وتعزيز الروايات الصديقة للنظام، أما في زمن "كورونا" فقد قامت تقارير الشائعات بتصحيح المعلومات الخاطئة المنتشرة حول الوباء.

بعد فحص تقارير المركز الإعلامي المتعلقة بـ"كوفيد-19" التي صدرت بين يناير/كانون الثاني، وأبريل/نيسان بشكل عام، وجدنا أن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء قام بدور استباقي في تصحيح المعلومات الخاطئة السائدة حول البرامج والسياسات التي تم إطلاقها استجابة للفيروس.

قام المركز الإعلامي أيضًا بتصحيح المعلومات الخاطئة حول الفيروس نفسه بشكل كافٍ، مثل الشائعات حول العلاجات المختلفة لعلاج الفيروس والمعلومات غير الصحيحة حول كيفية انتقال الفيروس، وكلها تستند إلى المعلومات الرسمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية.

ومع ذلك، يمكن تخصيص مساحة أكبر للتعامل مع هذه المعلومات الخاطئة الخطيرة بشكل خاص، نظرًا لانتشار وأضرار هذه الفئة الأخيرة.

كانت الحكومة أقل فعالية في تصحيح محتوى وسائل الإعلام الاجتماعية التي تم وضعها في سياق خاطئ والمعلومات المضللة.

تقارير الشائعات ليست رد الحكومة المصرية الوحيد في مواجهة التضليل؛ فقد أطلقت وزارة الصحة خدمة استجابة تلقائية على "واتساب" مخصصة لتقديم إجابات سريعة ودقيقة على الأسئلة حول فيروس "كورونا".

توفر الخدمة إحصاءات عن تفشي المرض ومعلومات دقيقة حول الوقاية وإجابات للأسئلة الشائعة، كما يقدم "مركز معلومات كورونا" على "فيسبوك" حصريًا التحديثات والمحتوى من وزارة الصحة المصرية.

على الرغم من هذه الجهود، لم تكن الدولة المصرية محصنة أمام تسييس وباء المعلومات المضللة.

ففي نهاية مارس/آذار، نفى المركز الإعلامي مراراً ادعاءات بوجود نقص في معدات الحماية الشخصية للعاملين في الرعاية الصحية، وتم تخصيص أكثر من تقرير للمركز لتبديد هذه الشائعات، كما تمت تغطية التفنيد على نطاق واسع في الصحافة المملوكة للدولة التي تسيطر عليها الدولة.

في غضون ذلك، أفاد المنفذ الإعلامي المستقل "مدى مصر" أن عددًا من المستشفيات الحكومية يعاني من نقص في معدات الحماية الكافية، وبعد يومين من قيام المركز الإعلامي بإنكار النقص، حذرت النيابة العامة من العقوبات القاسية لنشر أخبار كاذبة عن الفيروس والتي تصل إلى 5 سنوات من السجن و 20 ألف جنيه.

كما تم تكرار نفس الممارسات السابقة بحظر المواقع الإلكترونية واعتقال المواطنين بتهمة نشر أخبار كاذبة، كرد على المعلومات المضللة المزعومة عن الفيروس التاجي.

أمر المجلس الأعلى لتنظيم وسائل الإعلام بحجب موقعين على شبكة الإنترنت، كعقاب على نشر أخبار كاذبة حول "كوفيد-19"، كما تم إغلاق 6 صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ما زُعم بأنه "ترويج للشائعات" حول الفيروس.

في 12 مارس/آذار، قُبض على 3 أشخاص بتهمة نشر أنباء كاذبة تتعلق بالفيروس التاجي على "فيسبوك"، وأمر المجلس الأعلى بإغلاق 4 صفحات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي في 9 أبريل/نيسان، كما تم إصدار أمر حظر آخر ضد موقع على شبكة الإنترنت يسمى "شورى"، حيث اتهم الموقع بإسناد تصريحات كاذبة لوزيرة الصحة كانت "مهينة للصيادلة المصريين".

في حين أن هناك الكثير من المعلومات المتاحة حول عدد الاعتقالات والمواقع المحجوبة، لم يصدر المجلس الأعلى للإعلام أي تفاصيل محددة حول محتوى "الأخبار المزيفة" التي أدت إلى هذه العقوبات.

"كورونا" كغطاء للقمع

يشير هذا -في أفضل الأحوال- إلى نقص حاد في الشفافية في العملية التي تقوم فيها بمراقبة المنصات، بينما في أسوأ الأحوال، يشير هذا إلى أن المعلومات الخاطئة عن فيروس "كورونا" تستخدم كذريعة لدوافع أخرى.

الشفافية ضرورية لضمان استجابات فعالة ومتناسبة، خاصة عندما يتم تقليص الحقوق والحريات من أجل الاستجابة بفعالية لأزمة تاريخية.

لا تقوم الاعتقالات الفردية بشيء يذكر لوقف سيل المعلومات المضللة، وإنما بدلاً من ذلك، تنتهك بشكل صارخ حق المواطنين الأساسي في حرية التعبير.

على الرغم من وجود عدد لا يحصى من البرامج المكرسة بجدية لمكافحة المعلومات المضللة المؤذية، لكن حملات الرقابة والقبض غير المتناسبة التي تشنها الحكومة، تفسد صورة النجاح التي من المفترض أن تعكسها مثل هذه البرامج.

على الدولة المصرية أن تلتزم تجاه مواطنيها بفرض الرقابة على المعلومات الخاطئة الضارة، خاصة في سياق مثل هذه الأزمة التاريخية في الصحة العامة.

ومع ذلك، يجب أن تكون الاستجابات متناسبة، وقائمة على واقع التهديد وغير ملوثة بدوافع سياسية.

المصدر | جوي شيا | معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا خسائر كورونا مكافحة كورونا

إصابات كورونا في مصر تتجاوز 10 آلاف