أمريكا والسعودية.. علاقة متأرجحة بين المال والأمن

الجمعة 15 مايو 2020 04:00 ص

منذ تأسيسها بشكلها الحالي عام 1932، ظلّ العالم ينظر إلى السعودية على أنها مركز الثقل للعالم الإسلامي، لوجود مكة المكرمة والمدينة فيها، وأهميتهما وقدسيتهما لدى عموم مسلمي العالم وأصحاب العقائد الأخرى.

وأضافت الاكتشافات النفطية الهائلة ميزة أخرى لأهميتها ونفوذها السياسي والاقتصادي إقليميا ودوليا.

ومنذ ذلك الحين، واجهت العلاقات السعودية الأمريكية الممتدة إلى نحو 75 عاما، سلسلة من التحديات، نجحت قيادتا الدولتين في تجاوزها لضرورات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات، وما تفرضه من مصالح الحيوية لكلا البلدين، وصعوبات استغناء أحداهما عن الأخرى.

ولكن مؤخراً، ظهرت حقائق ومتغيرات أزاحت الصورة النمطية للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي ظلّت سائدة لعدّة عقود، حيث بات النفط السعودي أقل أهمية للولايات المتحدة، التي أصبحت أكبر منتج له في العالم عند 12.9 مليون برميل يوميا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

والعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية، بُنيت على ضمان التدفق الحر الآمن للنفط السعودي طيلة عقود لتلبية الحاجة الأمريكية له، ومؤخراً التعاون في مكافحة الإرهاب، والتعاون العسكري في الحرب الأهلية في اليمن، بالإضافة إلى انسجام سياسات السعودية مع السياسات الأمريكية في المنطقة.

لهذا لم يكن مفاجئاً أن يختار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، السعودية كأول دولة يزورها مُنذ وصوله إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، وقّع خلالها صفقة بقيمة 100 مليار دولار، ثمناً لإمدادات سلاح وخدمات دفاعية، وثانية بقيمة تصل إلى 370 مليار دولار خلال 10 سنوات مقبلة.

ووفقا لتقرير خدمة أبحاث الكونجرس، أبرمت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016.

وأظهرت بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (منظمة دولية مستقلة)، أنّ الإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.9 ترليون دولار في عام 2019.

وشكلت 5 دول ما نسبته 62% من الإنفاق العسكري في العالم لعام 2019، وهي الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والسعودية، التي تراجعت من المرتبة الثالثة عالميا عام 2018، إلى المرتبة الخامسة عام 2019.

وحتى عام 2018، كانت السعودية تحتفظ بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وكانت أكبر مشترٍ للأسلحة والمعدات الأمريكية، أضافة لاستمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.

وإلى وقت قريب، ظلّ "ترامب" يدافع عن علاقة بلاده مع السعودية على الرغم من الانتقادات الواسعة التي تصدى لها في ما يتعلق بمقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، والحرب في اليمن.

ووفقا لتقارير غربية، فإن السعودية تُنفق ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهريا على حربها في اليمن، ما يؤثر على قدراتها في تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة.

ومع عدم وجود أرقام رسمية، فإن بعض التقارير الإعلامية الغربية تتحدث عن أنّ تكلفة الحرب خلال السنوات الثلاث الأولى تعدت 100 مليار دولار، مع خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية.

وتتعرض سياسات الإدارة الأمريكية في علاقتها مع الرياض لانتقادات واسعة من المُشرِّعين في الكونجرس، ومعظمهم من المدافعين السابقين عن الأخيرة، حيث تعتبر الشريك والحليف الأوثق للسياسات الأمريكية في المنطقة.

ومع تفشي وباء "كورونا"، وزيادة حدّة حرب أسعار النفط مع روسيا، وتضرر قطاع النفط الصخري الأمريكي، زادت مستويات الانتقادات من منطلق إن مصالح واشنطن يجب أن تُقدّم على ما سواها، وأن الرياض تسببت بأضرارٍ بالغةٍ للاقتصاد الأمريكي.

وتحدثت مصادر إعلامية أمريكية، الأسٍبوع الماضي عن خلافات سعودية أمريكية حول إنتاج النفط، وعزم الأخيرة، دون الأخذ بالحسبان واقع استمرار التوترات بين السعودية وإيران، سحب حوالي 300 جندي مع بطاريتي صواريخ "باتريوت".

وهذه الصواريخ كانت واشنطن قد أرسلتها لحماية منشآت نفط سعودية بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت "أرامكو"، منتصف سبتمبر/أيلول من العام الماضي من قبل إيران أو قوات حليفة لها.

ويتساءل مشرعون أمريكيون عن "جدوى الاحتفاظ بنحو 2500 جندي أمريكي في السعودية، ومنظومات دفاع جوي للدفاع عن النفط هناك، في ذات الوقت الذي يعلنون فيه الحرب على نفطنا"، في إشارة إلى الأضرار التي تسبّبت بها حرب الأسعار بين السعودية وروسيا أدت إلى تراجع أسعار النفط الأمريكي إلى "أقل من -37 دولار للبرميل الواحد"، في 11 أبريل/نيسان الماضي، في هبوط غير مسبوق.

ويطالب أعضاء في الكونجرس بتغيير نمط علاقة التحالف الإستراتيجي بين بلادهم والسعودية المسؤولة، في رأيهم، عن الأضرار التي لحقت بقطاع نفط بلادهم.

وفي الحقيقة، فإن الرئيس الأمريكي ربط بين وجود قوات بلاده في السعودية وحرب الأسعار إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المراقبين أن السعودية أرغمت على إعادة النظر في سياساتها النفطية بما يتلاءم مع المصالح الأمريكية، دون المساس بعلاقة التحالف العميقة بين البلدين.

وتتخذ السعودية في الكثير من الأزمات الاقتصادية إجراءات استباقية لتلافي أية مشاكل مستقبلية قد تواجه القطاع الاقتصادي، الذي يعد من بين أقوى اقتصادات العالم.

ووفقا لتصريحات العديد من المسؤولين السعوديين، فإن القرار السعودي يتخذ وفق ما يخدم مصالحها، لا مصالح الآخرين، سواء فيما يتعلق بأسعار النفط أو غيرها.

لكنّ حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الأسابيع الماضية، شكلت منعطفا في موقف "ترامب" من الرياض، والتساؤل فيما إذا كانت بلاده لا تزال في حاجة لحماية النفط السعودي، الذي يباع معظمه الآن إلى الصين ودول آسيوية أخرى، وليس إلى الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين، كما كان عليه الحال سابقا.

وهناك دعوات أمريكية لإعادة تقييم العلاقات بين قوّة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة ودولة تحكمها عائلة لا تشترك معها في قيم الحريات الدينية وحقوق المرأة وحرية التعبير، مع اتهامات متكررة بدعم الإرهاب.

ومع ذلك، يميل خبراء إلى أنّه من الصعب توحيد موقف الكونجرس ضدّ السعودية، حيث لا تزال علاقات الرياض بالبيت الأبيض، في ظل رئاسة "ترامب"، علاقة متينة على الأقل في المرحلة الراهنة.

وفي آخر اتصال هاتفي، الجمعة الماضي، أعلن البيت الأبيض أن "ترامب" والعاهل السعودي جددا التأكيد على قوة الشراكة الدفاعية بين بلديهما، واتفاقهما على أهمية الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية بصفتهما قائدي مجموعتي الدول السبع (الولايات المتحدة) والدول العشرين (السعودية).

وعلى الرغم من وجود مراكز نفوذ مهمة تعمل ضدّ الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقات الأمريكية السعودية، إلاّ أنّ البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية يؤكدان دائما على متانة العلاقات الثنائية وأهمية الشراكة الدفاعية بين البلدين، حتى مع أجواء الخلافات بينهما في ما يتعلق بإنتاج السعودية من النفط.

لكنّه من السابق لأوانه التكهن بتراجع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب خلافات عميقة مع مرونة واضحة في التعاطي مع "الأزمات الوقتية" يبديها كلا الطرفين.

ومع ذلك، من غير المستبعد أن يشهد العالم خلال الأشهر أو السنوات القليلة المقبلة بداية انهيار الشراكة الإستراتيجية الأمريكية السعودية المستمرة منذ أكثر من 7 عقود، والتي ارتكزت على التدفق الآمن للنفط في مقابل الحماية الأمنية.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

السياسة الأمريكية السعودية العلاقات السعودية الأمريكية العلاقات الأمريكية السعودية مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية

و.بوست: كيف ساعد ترامب في إعادة تأهيل بن سلمان بعد مقتل خاشقجي؟

السعودية وأمريكا تطوران جيلا جديدا من الطائرات المسيرة