الأموال الطازجة تغزو مصر.. هل عادت سياسة طبع النقود على المكشوف؟

الثلاثاء 26 مايو 2020 04:48 م

تواصل الحكومة المصرية اتباع أساليب مثيرة للجدل لمواجهة أزمتها الاقتصادية مع استمرار تفشي "كورونا" في البلاد.

فبخلاف اتجاهها للاقتراض الدولي سواء عبر السندات أو عبر المؤسسات المقرضة، تواصل القاهرة طباعة كميات ضخمة من العملة المحلية وضخها في الأسواق لمواجهة مشاكل نقص السيولة.

فالمدقق في العملات المتداولة في مصر يلحظ أن الكثير من العملات من فئتي 100 جنيه و200 جنيه مدون عليها تواريخ تعود لأبريل/نيسان الماضي ومايو/أيار الحالي؛ ما يعني أن الحكومة لجأت إلى طباعة النقود على المكشوف لمواجهة شح السيولة النقدية في ظل تداعيات تفشي "كورونا"، التي أنهكت اقتصاد البلاد الذي يعاني أصلا من استفحال المديونية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وأجبر هذا الإنهاك الحكومة على إطلاق خطة لـ"التعايش مع كورونا" عبر  إعادة فتح الاقتصاد رغم تصاعد أعداد المصابين، والانهيار الذي بدأ يضرب الفرق الطبية، بعد خروج عدد من المستشفيات من الخدمة نتيجة إصابة طواقمها الطبية بالفيروس.

وبذلك تكرر الحكومة ما سبق فعله في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما كشفت بيانات البنك المركزي أن إجمالي النقد الذي تم إصداره وصل إلى 544.7 مليار جنيه، مقابل 480.1 مليار جنيه في الشهر نفسه من عام 2018؛ ما يعني طباعة قرابة 64.6 مليار جنيه لتدبير الاحتياجات المالية خلال عام واحد فقط.

ودأب نظام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" على طباعة النقود منذ وصوله إلى الحكم قبل نحو 6 سنوات، رغم حصوله على مساعدات سخية من السعودية والإمارات والكويت في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس الراحل "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد في 3 يوليو/تموز 2013، لتبلغ قيمة ما تمت طباعته من نقود منذ منتصف 2014 حتى نهاية العام الماضي 2019 نحو 254.9 مليار جنيه.

تراجع الاحتياطات

وبإضافة سعي مصر للحصول على قروض إضافية من مؤسسات دولية بما يزيد على 9 مليارات دولار، وإهدار جزء كبير من احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي في سبيل المحافظة على سعر صرف الجنيه أمام الدولار (رغم تعويم العملة رسميا قبل أكثر من 3 أعوام)، ودعم البورصة بنحو 20 مليار جنيه، عبر شراء الأسهم بدلا من ضخ تلك الأموال للشركات المتعثرة، لدفع رواتب العمال ومنع تسريحهم، يمكن قراءة مؤشرات أزمات خانقة يقبل عليها الاقتصاد المصري، خاصة بعدما انحسر الاحتياطي النقدي بمعدل 8.5 مليار دولار، خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، حيث بلغ، في نهاية الشهر الماضي، 37.037 مليار دولار، مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير/شباط.

وتتمثل الأهمية الكبرى للاحتياطات النقدية في ضمان تدفق السلع الأساسية المستوردة من الخارج لمدة محددة، وتكشف تصريحات مسؤولي الحكومة في مناسبات مختلفة عن أن هذه المدة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وذلك على فرض انعدام كل الموارد الدولارية للبلاد.

وتنفق مصر قرابة 5 مليارات دولار شهريا على الواردات السلعية، بما يعني أن الاحتياط النقدي يكفي بالكاد لتلبية حاجات البلاد لبضعة أشهر مقبلة، بالنظر إلى انهيار مصادر ضخ الدولار في البلاد وفي مقدمتها السياحة وتحويلات المصريين في الخارج.

ورغم أن انخفاض احتياطات النقد الأجنبي لمعظم دول العالم نتيجة تداعيات  فيروس "كورونا" يعد أمرا طبيعيا، لكن عدم تقديم الحكومة تفسيرا دقيقا لحرقها خمس الاحتياطات النقدية خلال شهرين فقط أثار القلق لدى المراقبين للاقتصاد في مصر، خاصة في ظل إعلان "السيسي" عن تخصيص 100 مليار جنيه (6 مليارات دولار تقريبا) لمواجهة تداعيات "كورونا".

ويضاعف هذا القلق أن مصر اتفقت مع صندوق النقد الدولي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، على قرض بلغت قيمته 12 مليار دولار خلال مدة 3 سنوات، وطبقت بسببه إجراءات مؤلمة مست الفقراء ومحدودي الدخل تضمنت تحرير سعر صرف العملة الذي تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، ورفع أسعار الكهرباء والمياه والوقود والنقل بنسب ضخمة.

صورة وردية

وإزاء استمرار سياسة طباعة العملة على المكشوف، من المرجح أن تواجه مصر 3 معضلات اقتصادية خلال الفترة المقبلة؛ أولها هو احتمالية ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري، وهو ما حذر منه الخبير الاقتصادي "هاني توفيق" في حوار أجراه مع الإعلامي "أسامة كمال" عبر قناة الأخير الخاصة على يوتيوب، مشيرا إلى أن "الحكومة تصف الحالة بصورة وردية، لكن لا أحد يصرح بحقيقة الأزمة (كورونا)، أو كيفية التعامل معها وما بعدها".

 أما المعضلة الثانية فهي استمرار تآكل احتياطي النقد الأجنبي وانحسار الموارد المالية الأجنبية، لا سيما من السياحة والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج؛ وهو ما سيدفع الحكومة لزيادة حصيلة ديونها عبر اقتراض المزيد من الأموال من الخارج.

جدير بالذكر أن الدين الخارجي المصري قفز من 109 مليارات دولار إلى 112 مليار دولار في الفترة من سبتمبر/أيلول إلى ديسمبر/كانون الثاني الماضيين فقط.

أما المعضلة الثالثة فتتمثل في زيادة نسبة التضخم جراء عدم وجود غطاء من السلع والخدمات لطبع العملة، وهو ما وثقه صعود نسبة التضخم لأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 5.9% خلال أبريل/نيسان الماضي، مقارنة بـ4.6% في مارس/آذار السابق له.

وارتفعت أسعار الطعام والمشروبات في مصر خلال الشهر الماضي بنسبة 0.9%، فيما ارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة بلغت 2.9%، كما صعدت أسعار خدمات السكن والمياه والكهرباء بنسبة 6.8%، والأثاث والتجهيزات بنسبة 3.3%، فيما قفزت أسعار خدمات الرعاية الصحية بنسبة 11.5%، والنقل والمواصلات بنسبة 12.2%، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

لا أحد يتحدث عن تلك الأزمات في وسائل الإعلام المصرية رغم تواتر تحذير الخبراء منها، ويعني ذلك أنه في الوقت الذي توشك فيه مصر على مواجهة موجة طاحنة شديدة من الأزمات الاقتصادية، تواصل الحكومة المصرية عادتها الأثيرة بإبقاء شعبها في الظلام.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

صندوق النقد الدولي عبدالفتاح السيسي

الأساسات الهشة تحت وطأة الأزمة العالمية.. الاقتصاد المصري خلال وبعد كورونا

34 مليارا في شهر.. قفزة غير مسبوقة في طباعة النقود في مصر