فورين أفيرز: يمكن للعراق الآن انتزاع سيادته من إيران

الثلاثاء 26 مايو 2020 06:30 م

أعلن رئيس الوزراء العراقي الجديد "مصطفى الكاظمي"، في بيان حكومي قدمه للبرلمان في 12 مايو/أيار، عن نية جريئة، وذلك حين أكد خططه "لفرض هيبة الدولة" من خلال وضع الجماعات المسلحة تحت سيطرة الحكومة.

وبالنسبة لمراقبي عراق ما بعد "صدام حسين"، فإن معنى البيان واضح؛ وهو أن الضرر الذي لحق "بمكانة" الدولة يأتي في المقام الأول بسبب الجماعات المسلحة الموالية لإيران، وتخضع لقادة الحرس الثوري الإيراني بدلا من حكومة العراق.

وتعمل المليشيات العراقية المدعومة من إيران مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب سيد الشهداء"، من بين جهات أخرى، خارج الولاية القضائية للدولة العراقية.

وتعد تلك الفصائل جميعا جزء من قوات "الحشد الشعبي"، وهي منظمة عسكرية جامعة تخضع للقيادة العراقية اسميا ولكنها تمثل في الواقع جزءا لا يتجزأ من ممارسة النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة.

وحاولت الإدارات العراقية السابقة الحد من نفوذ الميليشيات المسلحة، لكنها فشلت في نهاية المطاف. وسعى رئيس الوزراء السابق "حيدر العبادي"، الذي خدم في الفترة من 2014 إلى 2018، إلى وضع المليشيات تحت سيطرة الدولة والحد من طموحاتها السياسية.

وطالب المليشيات بجعل إنفاقها شفافا وفصل أجنحتها العسكرية عن السياسية. لكن في النهاية، تفوق السياسيون المدعومون من إيران على "العبادي"، وتغلبوا على بديله "عادل عبدالمهدي"، الذي أصبح رئيسا للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وزاد "عبد المهدي" ميزانية "الحشد" بنسبة 20% في عام 2019، ومكّن المليشيات المدعومة من إيران من توسيع وجودهم في المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك على طول الحدود العراقية السورية، التي انتقلوا عبرها بحرية تقريبا.

وأشار "الكاظمي" إلى أنه يخطط لإنهاء هذا الوضع. وتوحي التطورات الأخيرة في العراق والمنطقة الأوسع نطاقا بأن رئيس الوزراء الجديد لديه فرصة أفضل بكثير مما كان لدى أسلافه لكبح نفوذ الميليشيات، وبالتالي نفوذ إيران.

  • تيار التحول

وشهد العراق انتفاضة شعبية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، في شكل ثورة لم تنجح حتى حملة قمع وحشية في إخمادها، واستمرت حتى هدأت بفعل انتشار فيروس كورونا الجديد في الشوارع.

وكان المتظاهرون في الغالب من الشيعة، واعترضوا بشدة على تدخل إيران في بلدهم. ولإظهار الاستياء المرير الذي يشعرون به تجاه إيران، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، رفع البعض أحذيتهم ضد لافتات "آية الله علي خامنئي"، المرشد الأعلى لإيران.

ولم يكلف الكثيرون أنفسهم عناء تغطية وجوههم. وحصل اللواء "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس آنذاك، على حصته العادلة من الإهانات من المتظاهرين أيضا.

وأدت المظاهرات إلى استقالة "عبدالمهدي"، وللمرة الأولى منذ الإطاحة بـ "صدام حسين" عام 2003، برز التيار القومي المناهض لإيران داخل الشيعة في قلب المشهد السياسي العراقي.

وطالب المتظاهرون بدولة ذات سيادة خالية من التدخل الإيراني، ودعمهم "آية الله علي السيستاني"، أعلى سلطة شيعية في البلاد.

ويتولى "الكاظمي" زمام الأمور مباشرة بعد هذه الأحداث، وبسببها قد يرى رئيس الوزراء الجديد طريقه واضحا للحد من نفوذ إيران في البلاد.

ويعد دور "السيستاني" مهما بشكل خاص. وبالعودة إلى عام 2014، انتزع تنظيم "الدولة الإسلامية" مساحات شاسعة من الأراضي العراقية من حكومة بغداد، وأصدر "السيستاني" فتوى تدعو جميع الرجال القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال في ظل المؤسسات الأمنية للدولة.

وبدلا من ذلك، انتهزت الميليشيات المتحالفة مع إيران الفرصة لإنشاء "الحشد الشعبي"، وهي منظمة عسكرية موازية، بميزانية قدرها 2.16 مليار دولار، و135 ألف مقاتل مسلح.

وكانت المنظمة عنصرا رئيسيا في خطط الحرس الثوري لممارسة نفوذه في العراق وخارجه.

ويسعى "السيستاني" الآن بنشاط إلى تجريد هذه الميليشيات من شرعيتها الدينية. وتحت إشراف أحد المقربين منه، انشقت 4 فصائل شيعية شبه عسكرية تابعة له عن المنظمة، وهي فرقة "العباس"، وفرقة "الإمام علي"، و"لواء علي أكبر"، و"كتائب أنصار المرجعية".

وأعربت تلك الفصائل عن نيتها ​​في أبريل/نيسان لمساعدة الآخرين على القيام بالشيء نفسه. ومن خلال إعطاء الفصائل التابعة له إيماءة للانفصال عن الحشد الشعبي، يسحب "السيستاني" بشكل فعّال تأييده عن الفصائل التي لا تزال موالية للحرس الثوري الإيراني، وهو ما قد يضر بشدة بالشرعية الدينية للفصائل المدعومة من إيران.

وكانت هذه الفصائل تعاني بالفعل بعد الغارة الجوية الأمريكية التي اغتالت "سليماني" وزعيم قوات الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس" في أوائل يناير/كانون الثاني.

وكان لهؤلاء القادة الكاريزميين دور فعال في تعزيز نفوذ إيران في العراق وتوحيد الفصائل الشيعية في البلاد. وتركت خسارتهما فراغا لم يتمكن العميد "إسماعيل قاآني"، خليفة "سليماني"، من ملئه.

نتيجة لذلك، تحتل الفصائل العراقية الموالية لإيران أضعف موقع لها منذ أعوام، أي في الوقت المناسب لكي يبدأ رئيس الوزراء الجديد في وضع الميليشيات تحت سيطرة الدولة.

ويمكن للرئيس "برهم صالح" أن يكون حليفا قويا لـ "الكاظمي" في هذا المسعى. فقد لعب دورا أكثر نشاطا في السياسة من الرئيس السابق "فؤاد معصوم" عندما حاول "العبادي" إقحام الميليشيات.

حتى أن "صالح" لعب دورا كبيرا في اختيار "الكاظمي"، ما أثار غضب الفصائل الموالية لإيران في أواخر مارس/آذار، عندما رفض ترشيح مرشحها لرئاسة الوزراء. وقال "صالح" إنه يفضل الاستقالة على تعيين شخص في المنصب يرفضه المتظاهرون.

  • إيران على حبل مشدود

وإذا كانت هناك لحظة للعراق للتخلص من النفوذ الإيراني، فقد حان الوقت الآن، ليس فقط لأن الظروف مواتية في العراق ولكن لأنها مواتية في إيران أيضا.

واتبعت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" سياسة "أقصى ضغط" ضد إيران، الأمر الذي أثر على قدرة البلاد على دعم وكلائها الإقليميين.

ووفقا لـ "بريان هوك"، الممثل الأمريكي الخاص في إيران، اضطرت الجمهورية الإسلامية إلى خفض إنفاقها العسكري في الأعوام الأخيرة.

وتدعم الأدلة القصصية هذا الادعاء. ففي مارس/آذار 2019، طلب "حسن نصرالله"، زعيم حزب الله اللبناني، من مؤيديه التبرع بالمال، مشيرا إلى أن المقاتلين المدعومين من إيران يفتقرون إلى التمويل.

وفي فبراير/شباط 2020، ذكر سياسي إيراني رفيع المستوى أن "سليماني" جاء إليه وهو يتطلع لجمع الأموال لوكلاء الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

ولا يعد وكلاء إيران في سوريا على المحك ماليا فقط؛ بل هم أيضا تحت ضغط عسكري من قبل (إسرائيل). وصرح "غادي آيزنكوت"، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، في يناير/كانون الثاني 2019 قائلا: "لقد ضربنا آلاف الأهداف الإيرانية دون أن نعلن مسؤوليتنا".

ومن بين هذه الأهداف؛ المليشيات العراقية التي تنتمي أيضا إلى الحشد الشعبي. وفي أواخر أبريل/نيسان 2020، قال وزير الدفاع "نفتالي بينيت" لوسائل الإعلام الإسرائيلية إن بلاده تكثف حملتها ضد إيران في سوريا؛ فمنذ بداية العام، شنت (إسرائيل) ما لا يقل عن 11 غارة ضد أهداف تابعة لطهران.

مع ذلك، سيكون توقع اختفاء نفوذ إيران من العراق بين عشية وضحاها مجرد سذاجة، لكن الأكيد أن الظروف التي يبدأ فيها "الكاظمي" فترة ولايته هي الأفضل خلال الأعوام الأخيرة إذا ما أراد تقييد يد إيران.

ويمكن لرئيس الوزراء الجديد أن يبدأ بتجميد المزيد من توسع الحشد الشعبي. ثم ينبغي أن يقسم "الكاظمي" المسؤولية بين مختلف القادة عبر التنظيم العسكري.

وعندما كان "المهندس" القائد الوحيد لقوات الحشد الشعبي، كان على اتصال مباشر مع "سليماني"، الذي مارس سيطرة كبيرة.

ويجب على "الكاظمي" هيكلة المنظمة بشكل مختلف، بحيث تكون القيادة مشتركة بين قادة المجموعة، ويجب عليه تعيين بعض الذين يؤمنون بعراق ذي سيادة، من أجل تحقيق التوازن مع القادة الموالين لإيران.

وفي الوقت نفسه، يجب على "الكاظمي" أن يطبق مراجعة فعالة لجعل إنفاق قوات "الحشد الشعبي" أكثر شفافية.

ويجب أن يقيم علاقة عمل جيدة مع الوحدات التي انفصلت عن "الحشد الشعبي" بما يسهل انشقاق الآخرين إذا رفضت الميليشيات الموالية لإيران تنفيذ إصلاحاته.

فسوف تقدم القوة الشيعية شبه العسكرية التي تعمل تحت ولاية الدولة العراقية بديلا للميليشيات الشيعية "المارقة" التي تقودها إيران.

لدى رئيس الوزراء العراقي الجديد الزخم المطلوب. وليس عليه فقط سوى تنفيذ خطته.

المصدر | حامدي مالك/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قوات الحشد الشعبي النفوذ الإيراني

الجارديان: هل يستطيع الكاظمي تخليص العراق من شبح سليماني؟