تسريبات ويكيليكس تثبت أن أمريكا تعرف طويلا عن دعم قطر لحماس ماليا

الجمعة 1 أغسطس 2014 10:08 ص

بوعز بسموت إسرائيل اليوم  1/8/ 2014

إكتسبت إمارة قطر “وبحق” العناوين الصحفية التي حظيت بها منذ بدأت عملية الجرف الصامد. وقد نجحت قطر – وليست هي أكثر من فقاعة غاز مع صوت في الامم المتحدة – في أن تجعل نفسها لاعبة ذات شأن في ساحة الشرق الأوسط. وقد نجح اقتراحها وقف اطلاق النار، على وفق حماس وبدعم تركي في أن يُحمس حتى الامريكيين.

بيد أن المفارقة الساخرة هي أن قطر جزء من مشكلة حماس وليست حلا لها. فالأبعاد الغولية التي بلغتها حماس في المواجهة العسكرية الحالية هي بسبب قطر بقدر غير ضئيل. فدولة المحفظة من الخليج تهتم لا بالنفقة على المتاحف والجامعات وفرق كرة القدم فقط بل على المنظمات الارهابية للاسلام المتطرف ايضا. فهل يضمن ذلك لقطر الحصانة من العمليات؟ هذا سؤال جيد؛ إن الاخوان المسلمين يباركون الآن الدعم القطري لحماس ولم يبق لنا سوى أن نسأل كيف لم ينتبه العالم الى أن مُطفيء الحريق الجديد هو مُشعل حريق ايضا.

يتبين الآن أن التهم التي صدرت هذا الشهر عن القدس لقطر لم تكن بلا أساس. فهناك وثائق سُربت الى موقع “ويكيليكس″ تكشف عن المؤامرات الارهابية الدائمة للامارة التي حولت أموالا طول السنين الى حماس وحزب الله بل الى القاعدة.

في محاضر لجنة التحقيق التي فحصت عن كارثة التوائم وسُربت الى “ويكيليكس″ ورد أن خالد الشيخ محمد الذي يعتبر المخطط الرئيس لعمليات 11 ايلول، زار قطر مع عائلته بعد أن قاتل في البوسنة في 1992. وبعد مكوث قصير في باكستان انتقل ليسكن في قطر بتوصية من الوزير القطري للشؤون الاسلامية آنذاك، وهو من أقرباء الأمير. وفي اثناء مكوثه هناك عمل خالد الشيخ مديرا لمشروعات هندسية في وزارة الكهرباء والماء في حكومة قطر.

وقد حافظ برغم أنه أكثر من السفر الى الخارج للتخطيط لعمليات ونشاط جهادي، حافظ على وظيفته الى أن تم تهريبه في كانون الثاني 1996 الى افغانستان بمساعدة ذلك الوزير القطري، بعد أن قدمت فيه الولايات المتحدة لائحة اتهام بتهمة المشاركة في نشاط ارهابي منه محاولة تفجير أحد برجي التوأمين في 1993. وبحسب الاشتباه حول خالد الشيخ 660 ألف دولار من قطر الى الحساب المصري لمحمد سلامة، أحد المشاركين في التخطيط للعملية. هذا الى أن من دبر العملية المذكورة كان رمزي يوسف إبن أخ خالد الشيخ.

ذُكر في البرقية التي كتبتها السفارة الامريكية في الدوحة في 24 آذار 2009 أن أهمية قطر باعتبارها نقطة مرور في الشرق الاوسط زادت مع انشاء مطار دولي جديد في الامارة. وقدروا في السفارة الامريكية أن تتحول الدوحة الى نقطة عبور لتقنية غير مشروعة. واعتقدوا هناك أيضا أنه يحتمل تعاون بين السلطات القطرية بسبب حقيقة أن أكثر المهربين ليسوا قطريين.

شاركت قطر بحسب وثائق “ويكيليكس″ في ارهاب عالمي لا اسلامي خاصة. فقد ذُكرت في الوثائق حالات هربت فيها كوريا الشمالية تقنيات مختلفة بواسطة شركة الطيران القطرية – وهذا أمر خطير محظور بصورة صريحة بسبب العقوبات الدولية لذلك النظام الدكتاتوري في الشرق الاقصى. وزُعم أن القطريين لم تكن عندهم التجربة المطلوبة للرقابة على هذه التهريبات برغم أنهم يملكون مصادر تمويل لذلك.

 

لا يفهمون حتى النهاية

تقول البرقيات إن التعاون بين الولايات المتحدة وقطر على مكافحة الارهاب هو “في مستوى منخفض برغم اتجاه الى التحسن”. وجاء كذلك أن قطر “ستستمر على التصرف مثل شريكة غير دائمة في مكافحة تمويل الارهاب إلا اذا تم تشجيعها على فعل ذلك. وتتحفظ قطر من مكافحة تمويل الارهاب لاسباب لا نفهمها حتى النهاية. ونحن نؤمن بأن قطر تحفظت من مكافحة تمويل مجموعات وعمليات ارهابية لأنها لا تريد أن تشجع هجوم منظمات ارهابية عليها”.

وجاء في برقية ايضا أن قطر بسبب غناها الكبير ومساحتها الصغيرة لن تكون مركزا للمجاهدين، ومع ذلك يستطيع مواطنوها أن يدعموا الارهاب بالمال، وقدرتهم على فعل ذلك تجعل من الصعب على الحكومة أن توقف هذا النشاط.

وتوثق برقية اخرى في 5 آذار 2009 حديثا بين المدعي العام القطري والسفير الامريكي وتتناول وضعا سيظل الجيش الامريكي في قطر بحسبه هدفا للارهابيين. ويُقتبس من كلام السفير الامريكي يقول للمدعي العام الدكتور علي المري، إن لقاءه المخطط له مع وزير القضاء الامريكي سيؤجل الى أن يتم تطوير خطة عمل “فعالة” بين قطر والولايات المتحدة للتعاون على مكافحة الارهاب.  

وتتناول برقية اخرى نبأ في وسائل الاعلام قال إن حكومة قطر مكّنت سجينا سابقا في سجن غوانتنامو من الخروج من قطر وزيارة بريطانيا حيث تم اعتقاله برغم التزامها ألا تأذن له بالمغادرة. وقدروا في السفارة الامريكية في الدوحة أن المدعي العام القطري كان مشاركا في الاذن للسجين السابق جار الله المري، ولهذا ذكروا في البرقية قولهم: “نوصي بحرارة ألا يوافق وزير القضاء (الامريكي) هولدر، على لقاء نظيره القطري… بسبب الاحتمال الواضح لأن تكون الحكومة القطرية أخفت على عمد معلومة عن خروج المري خارج قطر”. وكشف البحث عن أن المري زار بريطانيا مرة اخرى.  

البرقيات كثيرة تشهد كلها على اتجاه واحد هو أن الامريكيين عرفوا بوضوح مشاركة قطر في تمويل الارهاب وأظهروا عدم اكتراث مطلقا برغم المعلومات التي كانت عندهم. وهذا الامر صحيح في فترة ولاية جورج بوش الابن في البيت الابيض، ويستمر في ولايتي براك اوباما. وتشهد برقية تتناول “جمعية الصدقة القطرية” التي تعتبر أكبر منظمة صدقة في الامارة ولها فرع فاعل في اراضي السلطة الفلسطينية، بأنه بعد كارثة التوأمين خلصت وزارة الخزينة العامة الامريكية والـ اف.بي.آي الى استنتاج أنه كانت للجمعية علاقات بالقاعدة وأنها استُخدمت كشركة وهمية لغايات صدقة للمنظمة الارهابية. 

وتوثق برقية اخرى اللقاء بين سفير الولايات المتحدة في قطر، تشيس انترماير، ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وحاشيته في 1 كانون الاول 2005. وذُكر في الحديث لوزير الخارجية التزامه بمساعدة السلطة الفلسطينية؛ وقال وزير الخارجية آل ثاني جوابا عن ذلك إن قطر أرسلت الى الفلسطينيين 100 “مركبة عسكرية”. وذكر القطريون أنهم معنيون بافتتاح بنك في اراضي السلطة وانشاء قطار يصل الضفة بغزة. وذكر وزير الخارجية القطري أنه ينوي أن يزور غزة في كانون الثاني 2006 وأنه ينبغي تمكين حماس من المشاركة في الانتخابات القريبة.

وعرف الامريكيون ايضا بالعلاقة الساخنة بين قادة قطر وقادة حماس. فقد ورد في برقية في 15 شباط 2006 ذكر لقاء طال ثلاث ساعات بين الامير القطري وخالد مشعل. وعلى حسب ما يقول وزير الخارجية القطري الذي أدى الى الوزير الامريكي أمر اللقاء، تلقى مشعل من الامير محاضرة في السياسة والعلاقات الدولية. وزعم وزير الخارجية القطري أن مشعل قد يُعين رئيسا للوزراء بعد الانتخابات في السلطة الفلسطينية. 

واقتبس من كلام خالد مشعل يقول للأمير القطري إن “الولايات المتحدة ليست عدونا”، ووعد بالتعاون مع أبو مازن وحركة فتح لانشاء حكومة كان يفترض بحسب التخطيطات أن تشمل ايضا امرأة وممثلا للمسيحيين دون ممثلين لحماس. 

وفي برقية في 26 شباط 2006 تم توثيق حديث بين كارين يوز التي كانت في الماضي مديرة مكتب الرئيس جورج بوش الابن، وبين وزير الخارجية القطري وزوجة أمير قطر موزة بنت ناصر. ويحاول الاثنان خلال الحديث أن يُبينا لها أن الولايات المتحدة تضيع وقتها في العراق. “إن ما يجب عليكم أن تجربوه هو البدء بأمر جيد، وعندكم هذه الفرصة في فلسطين. إن ذلك قد يغير صورتكم في العالم العربي. سمعت ما تقولونه في حماس، لكن يجب عليكم (الامريكيين) أن تجربوهم وأن تتيحوا لهم فرصة. إن سمو الامير صديق كبير لحماس ويمكن أن يؤدي هناك دورا كبيرا”. وليس ذلك كل شيء: ففي برقية كتبت في 6 تشرين الثاني 2007 تتناول العلاقات التجارية الصامتة بين اسرائيل وقطر، ذُكرت ملاحظة في البرقية عن التناقض بين العلاقات باسرائيل واستضافة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.

نجحت قطر في اقناع حماس بالمشاركة في الانتخابات – التي فازت فيها وتولت الحكم في غزة – بوعد بدعم اقتصادي للفائزة حماس أو فتح. لكن بعد أن فازت حماس طلبت الولايات المتحدة ألا تحول اليها قطر مساعدة اقتصادية لأنها تعتبر منظمة ارهابية. ورفض الامير الطلب بعد أن وعد مشعل.  

وجاء في برقية امريكية في تلك الفترة سُربت هي ايضا: “اذا نحينا جانبا مواقف الامير الخاصة، فان جزءً كبيرا من القطريين لا يقبلون حقيقة أن حماس منظمة ارهابية، وهم يتابعون منح المنظمة مساعدة”.  

وتتناول برقية في 21 كانون الاول 2009 زيارة رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم آل ثاني لواشنطن. ووعد رئيس الوزراء القطري جهات امريكية بمساعدة السلطة الفلسطينية بل وافق كما جاء في البرقية على أن يُباحث وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون في علاقات الامارة بحماس وفي العلاقات المتصلة بالزعماء التي تراها قطر حيوية لاتيان الشرق الاوسط بسلام مستقر مستمر.  

وبحسب ملاحظة في البرقية، لن يوافق القطريون على قطع علاقاتهم بحماس لأن الامير طلبت اليه ادارة بوش أن يؤيد الانتخابات في 2006 وآمن الامير بأنه من غير الكرامة أن تُعزل حماس بعد أن أقنع قادتها بالمشاركة في الانتخابات التي أيدتها الولايات المتحدة ايضا. وتتناول البرقية ايضا أهمية زيادة التعاون بين الولايات المتحدة وقطر في مجال مكافحة الارهاب، والحاجة الى تأكيد مخاوف الادارة الامريكية من المساعدة التي تعطيها قطر لحماس بواسطة منظمات خيرية.

 

خطبة الأمير في لبنان

أقلق الولايات المتحدة ايضا الدعم المعنوي الذي استمدته منظمة حماس من الزعيم الديني الشيخ يوسف القرضاوي الذي مكث سنين طويلة في قطر (الى أن عاد الى مصر في 2011). وتتناول برقية في 25 تشرين الثاني 2009 نقاشا تناول الشيخ القرضاوي وجوابا نقله القطريون خطيا يتعلق بتوجه وزارة الخزانة العامة الامريكية. وفي حديث بين السفير الامريكي والوزير القطري حذر الامريكيون من ضرر قد يصيب البنك الاسلامي والقطاع الاقتصادي في قطر بسبب دعم القرضاوي الذي كان مشاركا في قطاع الاعمال في الامارات، لحماس. وحاول السفير الامريكي أن يقنع الحكومة القطرية بفصل القرضاوي عن قطاع الاعمال، لكن الوزير القطري ذكر أن القرضاوي “لا يعمل مثل ارهابي” وفرّق بين الرقابة على القرضاوي أن يعبر عن موقفه وبين نقل الرسالة “غير الصحيحة فيما يتعلق بالمعايير المالية”. ويؤمنون في الولايات المتحدة بأنه كانت للقرضاوي علاقات بالقطاع المصرفي في كل ما يتعلق بنقل دعم مالي الى حماس.

لا تغيب ايران ايضا عن دائرة ارهاب قطر. ففي برقية في 19 تشرين الثاني 2009 يوجد تطرق الى نية قطر دفع علاقاتها بايران قدما التي تشاركها في حقل غاز من أكبر الحقول في العالم. “نتوقع أن تستمر قطر على دعم لاعبات اشكاليات كحماس وحزب الله وسوريا مع محاولاتها تقوية علاقاتها بالولايات المتحدة وجاراتها، وأنها ستستخدم قناة “الجزيرة” وسيلة غير رسمية للسياسة الخارجية القطرية”، كُتب في تقدير الوضع الامريكي.

وعلى حسب البرقيات، منعت قطر تدخلا دوليا مضادا للارهاب في حالات كثيرة. ففي ذات مرة وبطلب من الكويت في اثناء ولايتها في مجلس الامن، صد القطريون الفحص عن ثلاثة رجال اموال لمنظمات ارهابية. وصدت قطر كذلك مع روسيا الاشتغال بشأن عضو حزب البعث السوري الذي اشتبه فيه أنه نقل اموالا الى القاعدة بسبب الحساسيات السياسية للعلاقات بسوريا كما يبدو.

وتتناول برقية تثير الاهتمام على نحو خاص في 22 آب 2006 زيارة الامير القطري للبنان بعد حرب لبنان الثانية. وشارك الامير بعد زيارة المناطق التي قصفتها اسرائيل في جنوب العاصمة بيروت، في مؤتمر صحفي مع الرئيس اللبناني لحود قال فيه: “الشعب اللبناني والمقاومة اللبنانية أحرزا أول نصر عربي وهو شيء كنا نتمناه”. وعبر الامير عن معارضة امكانية نزع سلاح حزب الله لأن ذلك سيجعل لبنان هدفا سهلا لاسرائيل “ولا يخطر هذا بالبال”، كما قال الامير.

نجحت قطر الى أن كانت عملية الجرف الصامد على الاقل في أن تراوغ في لعبتها المزدوجة. وقد نجحت خلال سنين في أن تستضيف دبلوماسيين اسرائيليين فيها، وعملت في موازاة ذلك على اغلاق سفارة اسرائيل في موريتانيا وانشأت علاقات وثيقة – سياسية واقتصادية – بحماس. وهي إمارة تنجح في أن تكون على علاقات حسنة بايران والولايات المتحدة على التوازي. فهل يبدو هذا غريبا؟ إن وثائق “ويكيليكس″ المسربة تبرهن على أن ذلك ليس غير منطقي تماما.

  كلمات مفتاحية

«ويكيليكس» ينشر 60 ألف برقية دبلوماسية سعودية ضمن نصف مليون وثيقة مسربة