طعنة في الظهر.. لماذا يشن النظام المصري حملة إعلامية لتشويه صورة الأطباء؟

الخميس 28 مايو 2020 04:36 م

فجأة ودون أي مقدمات، صارت تهم "الإرهاب والانتماء لجماعة محظورة والتحريض على الدولة"، تلاحق أطباء مصر، بعد استقالة عدد من الأطباء احتجاجا على وفاة زملائهم بسبب الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد في ظل تقاعس واضح من الدولة عن تقديم الحماية اللازمة للأطباء.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تسارعت البلاغات للنائب العام المصري، تطالب بإحالة المستقيلين للمحاكمة العاجلة، وسط حملة ضارية تشنها وسائل إعلام مقربة من النظام الحاكم ضد الأطباء تتهمهم خلالها بعدم الولاء للدولة والارتباط بجماعة الإخوان المسلمين.

وتقف مصر على شفا انهيار حاد في القطاع الصحي، مع تسجيل وفاة أكثر من 20 طبيبا وإصابة 350 آخرين، في عدد من المستشفيات الحكومية، في عدة محافظات.

وفاة يحيى

وتسلط ملابسات وفاة الطبيب الشاب "وليد يحيى" (32 عاما)، الضوء على ما تعانيه الأطقم الطبية في مصر، من نقص حاد في مستلزمات الوقاية، والإمكانات الطبية.

وعانى الطبيب المتوفي من إهمال وقصور في توفير الرعاية اللازمة له، مع تجاهل مطالبه بالنقل إلى مستشفى للعزل، وكذلك تجاهل أخذ مسحة منه في وقت مبكر بسبب قرار وزارة الصحة بمنع أخذ المسحات من الأطباء المخالطين للحالات الموجبة في المستشفيات، إلا في حالة ظهور أعراض الإصابة.

اللافت كذلك أن الطبيب الراحل متخصص في أمراض النساء بمستشفى المنيرة في القاهرة، أي ليس له علاقة أو خبرة كافية بمعالجة أمراض الجهاز التنفسي، أو حالات العناية الحرجة.

وكشفت والدة زوجة الطبيب المتوفى، عبر "فيسبوك"، أن "وليد كان قاعد في العزل مع ممرضة مصابة" مؤكدة أن زوج ابنتها ذهب "ضحية للإهمال والواسطة والمحسوبية".

وأسفرت التحقيقات المبدئية التي أجرتها وزارة الصحة بشأن الواقعة، عن وجود بعض أوجه القصور في التعامل مع الحالة داخل المستشفى، دون كشف طبيعة هذا القصور.

استقالة مسببة

وتحمل الاستقالة الجماعية التي قدمها أطباء مستشفى المنيرة، احتجاجا على وفاة "يحيى"، عددا من الأسباب، التي تؤكد تدهور أوضاع القطاع الصحي في مصر.

ويأتي على رأس أسباب الاستقالة "تعنت وزارة الصحة والسكان في التعامل مع الأطباء خلال جائحة فيروس كورونا، وما أصدرته من قرارات تعسفية بخصوص عمل مسحات الـ(PCR)، وإجراءات العزل للأطباء".

واشتكى الأطباء من تعنت "الوزارة في توفير المستلزمات الوقائية للأطقم الطبية، ما أدى إلى زيادة انتشار العدوى بينهم".

كذلك انتقد الأطباء تكليف الكثيرين منهم "في غير تخصصاتهم، دون تدريب أو بروتوكول واضح للتعامل مع حالات فيروس كورونا".

الأخطر من ذلك، ما كشفته الاستقالة عن تعرض الأطباء للتهديد المستمر بالإجراءات الإدارية التعسفية والتهديد الأمني أيضا، إلى جانب التجاهل التام لطلباتهم المشروعة بتوفير حماية أمنية حفاظا على حياتهم، بالإضافة إلى عدم وجود تعويض مادي أو معنوي أو تقدير لجهود الأطباء في مواجهة تلك الجائحة.

ويحصل الأطباء في مصر على بدل عدوى يتراوح بين 19 و30 جنيها (أقل من دولارين)، على الرغم من حصول القضاة مثلا -وهم فئة غير معرضة للعدوى- على بدل يتجاوز 3 آلاف جنيه (نحو 200 دولار).

وتراجع أطباء المنيرة عن استقالتهم في نهاية المطاف بعد قيام وزارة الصحة بتوفير كمية من معدات الوقاية في المستشفى وتعهدها بتوفير أماكن عزل للأطباء، وذلك في اجتماع حضره أحد قادة الأجهزة الأمنية وفقا لما رواه العديد من الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي.

أزمة رجاء الجداوي

زاد من حدة الجدل والاستياء بين الأطباء خاصة وفي الشارع المصري بشكل عام، حالة الاهتمام الحكومي المتزايد بالممثلة "رجاء الجداوي" (82 عاما)، التي تواصلت ابنتها مع وزيرة الصحة شخصيا بمجرد ظهور الأعراض لها، لتقوم الوزيرة على الفور بتوفير سيارة إسعاف لها ونقلها إلى جناح مميز في مستشفى العزل.

وامتد الاهتمام الحكومي الفائق بـ"رجاء الجداوي" إلى أخذ عينات من جميع المخالطين لها من فريق عمل مسلسل "لعبة النسيان" الذي كانت تشارك في بطولته، رمضان المنقضي.

وعلقت الصفحة الرسمية لصوت أطباء مصر، على "فيسبوك"، قائلة منتقدة التناقض الشاسع بين تعامل الحكومة مع "رجاء الجداوي" وتعاملها مع الطبيب "وليد يحيى" رغم أن الأخير أصيب خلال عمله في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء.

 

حملة ممنهجة

أمام الحرج البالغ الذي سببته واقعة وفاة "يحيى" للحكومة المصرية، مقابل الاهتمام البالغ بـ"رجاء الجداوي"، سارعت وسائل إعلام مقربة من أجهزة أمنية إلى إطلاق حملة تشويه وتهديد للأطقم الطبية.

وتركزت الحملة التي تشنها صحف حكومية وخاصة، على اتهام الطبيب المتوفي بالانتماء لجماعة "الإخوان" التي تصنفها السلطات "إرهابية"، منذ عام 2013.

ونشرت عدة صحف صورة لـ"يحيى" زاعمة أنه يرفع علامة "رابعة" (إشارة إلى المجزرة الشهيرة التي ارتكبت بحق أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي أغسطس/آب 2013)، لكن زملاء الراحل ردوا بأن الصورة تعود لحفل انتهاء السنة الرابعة خلال دراستهم بكلية الطب، وأن الطبيب نفسه كان يرفع علامة النصر.

ونشرت صحيفة "الدستور" (خاصة)، عدة منشورات على "فيسبوك" زعمت خلالها انتماء "نانسي النفيلي"، حماة الطبيب المتوفي، لـ"جماعة إرهابية".

وزعمت صحيفة "الأهرام" (مملوكة للدولة)، انتماء طبيب مستشفى المنيرة المستقيل "محمود طارق"، إلى جماعة الإخوان، واتهمته بالتواصل مع جهات إعلامية أجنبية للتصعيد ضد بلاده.

وتحت عنوان "استقالتك شهادة خيانتك"، شنت اللجان الإلكترونية التابعة للنظام، حملة ضارية ضد الأطباء، ودعت إلى فصل المستقيلين، وسحب تراخيص مزاولة المهنة منهم، ومحاكمتهم بتهمة الخيانة.

وتقدمت وكيلة لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، النائبة "مايسة عطوة"، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة، زعمت خلاله "وجود مخطط إخواني لضرب الأطقم الطبية، والتحريض ضد الدولة المصرية".

وتقدم المحامي المصري المثير للجدل "سمير صبري" ببلاغ عاجل للنائب العام ضد أحد الأطباء المستقيلين، مطالبا بتقديمه للمحاكمة العاجلة.

كذلك تقدم "صبري" ببلاغ آخر ضد الدكتورة "منى مينا" عضوة مجلس نقابة الأطباء سابقا، اتهمها خلاله بـ"نشر أخبار كاذبة وتحريض الأطباء على الانقسام والإضراب".

مقابل ذلك، أطلق الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وسوما لدعم الأطباء منها  (#متضامن_مع_أطباء_مصر) و(#إقالة_هالة_زايد) و(#إضراب_الأطباء).

واتهمت نقابة الأطباء المصرية، وزارة الصحة بالتقاعس والإهمال، في حمايتهم، مؤكدة أنها ستلاحق جميع المتورطين بهذا التقصير الذي يصل لدرجة "جريمة القتل بالترك".

وفيما يبدو، فإن الأطقم الطبية في مصر تخوض اليوم معركتين في آن واحد، الأولى ضد فيروس قاتل، والثانية في مواجهة حملة تشويه حكومية ضارية، والأخيرة ربما تكون الأخطر كونها تعد طعنة في الظهر لخط الدفاع الأول ضد الوباء.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نقابة الأطباء الأطباء الأطباء المصريين كورونا

مصادر: سانوفي العالمية تفصل مديرتها بمصر بعد إساءتها للأطباء

تشكيك وترحيب.. الجدل مستمر بين أطباء مصر حول إقالة مديرة سانوفي