استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الـديـن من قيـمـة روحـيـة إلى «صـناعـة» !

الأحد 23 أغسطس 2015 05:08 ص

كل شيء يظل ساكناً وعفوياً وبسيطاً ما بقي على حاله الأصيلة والأولى، يستوي في ذلك الدنيوي والديني، وهكذا هي الأشياء ما لم يركز عليها وتترك على ماهي عليه، إذ تظل جميلة وخيّرة ولا يصدر منها غير الإيجابية والسلام،

في اللحظة التي تخرج فيه الأشياء عن سياقها العفوي الأولي الجانبي فإنها غالباً ما تفقد بريقها ووهجها الذي كان يتشح بالسكينة والدهشة، لتفيض بعد ذلك بالمعرة والعنت مستبدلة بهدوئها ونعومتها حمم النفس البشرية وما تستكنه من بؤس وجهل وطمع وتنافس وكراهية، وغيرها من مواد نفسية رديئة وجدت إمكان خروجها وميدان حراكها وتململها.

غالباً ما يكون خروج الأشياء عن طورها الجانبي العفوي يحمل من المآزق أكثر مما يتبقى من سكون وجمال واتساق وخيرية، وهنا أستدعي أهم ما يسكن في وعينا وهو «الدين»، فلا يمكن لأحد ألّا يجد البون الفارق في نمط إسلامنا قبل عقود قليلة وإسلامنا الذي نحايثه من ناحية البراءة والطهر والمحبة وعمق الإيمان وبساطته، وحجم مساحة المباحات اللامتناهي حينها في مقابل محدودية مساحة المحظورات، إضافة إلى قلة المهجوسين بحراسة الفضيلة والدين، الذين أضحوا راهناً أكثر من رمل عالج.

في الراهن نحن نعيش لحظة تحويل «الدين» إلى صناعة تستثمر اجتماعياً واقتصادياً، وتلك مشكلة تشمل وراءها مآزق نفسية واجتماعية وفكرية عدة، من الطبيعي أن ينتج المجتمع مثلاً نجوماً في الرياضة والفن، لكن ليس من الطبيعي أن ينتج نجوماً دينيين، ذلك أن الدين حال وجدانية تعبدية لا تحتمل هذا التنميط والتأطير، كما هو علاقة فردانية خاصة خالصة بين الإنسان وبين الله مباشرة، وذلك ما يتنافى مع فكرة النجومية على حساب الدين والوجدان.

ثمة خطايا تتماس مع خطيئة تحويل الدين أو التدين إلى صناعة:

«الأولى» تحويل الدين من عليائه وطهرانيته إلى درك الاستثمار المادي، وهذا ما يعارض روح الدين تماماً، حيث قيمة الدين الارتفاع عن وحل المادة وبهرجها والتكاثر فيها إلى ناحية تزكية الروح والوعي، وفصل الإنسان عن المغريات، ووصله بعالم الإيمان.

ومع تحول فئام إلى الصناعة الدينية بتنا أمام طرح ديني مفارق للمعاني والمقاصد العلية، طرح سطحي جاف لا يتماس مع الواقع ولا يعطي إضافة دينية عميقة، تدين غير معني بالإيمان الجوهراني الذي يتجه إلى مخاطبة القلب وتزكيته بالمعاني الخلاقة، ولا هو معني بالقيم الأخلاقية السامية، بل الواقع أننا أمام صناعة دينية تكتفي بالتدين الشكلاني المصمت.

«الثانية» أصبح اللاوعي الاجتماعي يتلقى التعاليم الدينية من الدعاة الماديين، الذين اتخذوا الدين صناعة، بوصفه الدين والحقيقة، وهذا بدوره ما شوه الوعي وأعطى صورة نمطية سلبية عن الدين، ذلك أن هؤلاء الدعاة، بحكم تأثير المادة ونشوة الريادة الاجتماعية وضعف العمق والإرادة الدينية، دعاة جهل وتجهيل، لأن قضيتهم ليست الدين والوعي الخالص أصالةً بقدر ما هي بحث عن الامتيازات المادية والاجتماعية والمزاحمة على الدور الريادي.

«الثالثة» مع تحول الدين إلى صناعة فمن الطبيعي ألا يقبل مستثمروه المزاحمة على مواردهم الاجتماعية والمادية، وذلك ما يدفعهم إلى افتعال وصناعة العدو لحال التوجيس والتخويف للوعي الاجتماعي من المختلف، ليتم الاستئثار بالموارد من دون هذا المختلف (الليبراليين مثلاً).

هذه الممارسة من تجار الضمير الديني خلقت تأزماً اجتماعياً حاداً تمثل بفسططة المجتمع وتحويله إلى فئات متنابذة.

«الرابعة» صناعة التدين دشنت في الضمير الاجتماعي وهم فرادة «رجل الدين» وأنه أعلى نموذج اجتماعي، وقامت بتخويله قيادة المجتمع، بوصفه الأعلم والأحكم بمصالح الناس في الشأن الديني والدنيوي، ما نتج منه ازدراء وتهميش دور النماذج والشرائح الاجتماعية الأخرى، ولعلنا نتذكر كيف تقاطعت أسماء بعيدة عن المنظومة الدينية وهمومها وانتظمت فيها لتتشارك في الصناعة الدينية وما تقدمه من منح وعطايا.

«الخامسة» إدغام الدين في الأجندة السياسية وتوجيهه بمثابة قوة ضد المختلف في المناكفات السياسية، وذلك ما يتنافى مع جلالة وقداسة الدين، الذي لا يجوز استخدامه وتدنيسه في المجال الدنيوي، إذ إن الدين قيمة محايدة ولا يمتلك طيف احتكار خطابه، وذلك ما لا يدركه فئام من النفعيين الدينيين العاجزين عن الصمود فكرياً من دون الاحتماء بمظلة الدين.

«السادسة» الصناعة الدينية أضحت مهيعة للباحثين عن دور اجتماعي، الذي يحتاج إلى إمكانات مضنية، فكان الدين سبيلهم الأسهل والأكثر إغراء مادياً واجتماعياً، ما نتج منه توافد بائسين فكرياً وذهنياً ناحية الساحة الدينية المشرعة لأي وافد من دون أي شروط أو قيود، هذه الشريحة غالباً ما تمارس توزيع الدين بطريقتها السلبية التشويهية، نظراً إلى رداءة تركيبتها المعرفية وحتى الذهنية.

«الحـصــاد»

يجب إبعاد الدين عن التسليع والصناعة، وإعادته إلى عليائه، لما يشمل هذا الوعي المستثمر بالدين من رزايا فكرية واجتماعية ونفسية ومادية لا يستوعبها عموم المجتمع المتورط لا شعورياً مع هذه الفئة الميكافيلية النفعية، حتى يعود الدين ديناً، القنوات الفضائية، على سبيل المثال، التي لم تؤسس على أساس ديني، والديني فيها جانبي اتجه إلى زيادة الزخم الديني نظراً إلى التهافت على تسليع الدين وزيادة الطلب على البضاعة الدينية، وذلك مؤشر على ما بلغت فيه الصناعة الدينية.

* عبد الله النغيمشي كاتب سعودي.

  كلمات مفتاحية

الدنيوي الديني الدين

دراسة: التدين يتراجع بحدة في أمريكا.. والمسيحية تنحسر