قانون قيصر.. ماذا يعني لمستقبل سوريا ونظام الأسد؟

الثلاثاء 16 يونيو 2020 09:52 م

ماذا يعني تطبيق قانون "قيصر لحماية المدنيين السوريين" على نظام بشار الأسد؟ وما أثره السياسي والاقتصادي؟.. يتصدر هذا السؤال اهتمامات مراقبي الشأن السوري مع دخول القانون حيز التنفيذ، في 17 يونيو/حزيران الحالي.

وسبق أن صدق الكونجرس بغرفتيه (النواب والشيوخ) على القانون في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد 3 سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين. وينص على فرض عقوبات على النظام السوري، وكل من يدعمه ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا؛ بهدف الضغط على رأس النظام "الأسد" وحلفائه، ومحاسبتهم على جرائم الحرب التي ارتكبوها في صراع سقط فيه مئات الآلاف من القتلى.

واستعار المشرعون اسم القانون من اسم مستعار لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية انشق عن النظام عام 2013، حاملا معه 55 ألف صورة تظهر الوحشية والانتهاكات في السجون السورية، التي هزت المجتمع الدولي بأكمله.

وفي حين أن النظام السوري يخضع بالفعل لعقوبات من قبل الولايات المتحدة بما يشمل تجميد أرصدة الدولة ومئات من الشركات والأفراد، وحظر تصدير أي سلع أو استثمارات إلى سوريا على الأمريكيين، فإن الجديد الذي يقدمه قانون "قيصر" هو أنه يمنح الرئيس "دونالد ترامب" سلطات أوسع لتجميد أرصدة أي فرد أو طرف يتعامل مع النظام السوري بغض النظر عن جنسيته؛ بما يعني تحويل العقوبات الأمريكية إلى حصار دولي، يشمل حتى الكيانات المرتبطة بروسيا وإيران، وفقا لما أوردته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

ومن شأن هذه العقوبات أن تعمق عزلة النظام السوري وتفصله تماما عن النظام المالي العالمي، كما أنها ستكون كافية للقضاء على أي مشروع روسي لبدء حملة تمويل تستهدف إعادة إعمار سوريا قبل حدوث انتقال سياسي بطريقة ترضى عنها الولايات المتحدة.

  • انهيار اقتصادي

وقد بدأ المردود الاقتصادي لهذا الحصار المنتظر في الظهور محليا؛ إذ تسبب شبح تطبيق العقوبات الجديدة في انهيار العملة السورية (الليرة) مؤخرا، حيث انخفضت قيمتها من 500 ليرة للدولار الواحد، إلى حوالي 2500 ليرة للدولار، ناهيك عن إحجام الكثير من أصحاب الأموال السوريين في الخارج عن استثمار أموالهم في وطنهم.

وإزاء ذلك، بدأت المحلات التجارية في دمشق الأسبوع الماضي في إغلاق أبوابها والاحتفاظ بالبضائع إلى حين تحسن سعر الليرة، فيما اصطف الناس لشراء المواد الغذائية ليكتشفوا بعد انتظار طويل أن هناك كميات محدودة مقررة لكل شخص.

بالنظر إلى أن النظام السوري أَفرغ خزائن بلاده من المال والثروات وبددها كاملة على الحرب التي تشنها على شعبه، يمكن قراءة ملامح أزمة اقتصادية عميقة تلوح في الأفق، وهي أزمة مرشحة للتفاقم في ظل وجود أزمة اقتصادية أخرى في لبنان المجاور، الذي يعد القناة الرئيسية لسوريا إلى العالم الخارجي.

ولأن السياسة بنت الاقتصاد، فإن تداعيات قانون "قيصر" قد تتسبب في النهاية في نشوب موجة جديدة من الاضطرابات السياسية الداخلية في دمشق، وهو ما ظهرت بوادره في التظاهرات النادرة التي شهدتها مدينة "السويداء" المعروفة بولائها لـ"الأسد"، والتي لم تشهد انتفاضة على نظامه في عام 2011.

ويتوقع مراقبو الشأن السوري، ومنهم "لويز كالاغاهان"، أن لا تستثني هذه التداعيات سكان دمشق، الذين ظلوا لسنوات بعيدين عن الحرب الأهلية التي كانت تجري في مدن بعيدة عنهم، خاصة بعدما بدأوا يعانون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت بشكل غير مسبوق، وفقا لما أوردته صحيفة "التايمز".

ومن شأن هذه الاضطرابات المحتملة أن تدفع نظام "الأسد" إلى مزيد من محاولة توفير "بدائل مالية" لإنقاذ الاقتصاد من التداعي، وهو ما يأتي على حساب رضا حلفائه من أصحاب الأموال في عائلة "الأسد"، وهو أمر ظهر بوضوح في السجال الدائر بين "الأسد" وابن خاله رجل الأعمال "رامي مخلوف" (طالع تقرير الخليج الجديد بشأنه).

ونتيجة لذلك؛ يرى مراسل صحيفة الصحيفة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط "ريتشارد سبنسر" أن "الأسابيع الأولى من تطبيق قانون قيصر ستكون هي أكبر اختبار سيواجهه النظام منذ بداية الأزمة السورية قبل نحو 9 أعوام".

  • أكباش فداء

وفي هذا السياق، لا يستبعد المحلل السياسي "تشارلز ليستر" تجدد الانتفاضة السورية من داخل النظام هذه المرة، عبر انضمام موالية له إلى حراك المعارضة؛ بسبب التردي الاقتصادي من جانب، وتفاقم المظالم والفساد خلال سنوات الحرب من جانب آخر، وفقا لما أورده تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية.

وإذا كان رئيس النظام قد لجأ إلى سياسة "أكباش الفداء" لإبعاد أصابع الاتهام عن شخصه، عبر عزل رئيس الوزراء "عماد خميس" بشكل مفاجئ، الأسبوع الماضي؛ فإن أثر ذلك لن يستمر طويلا، في ظل عدم قدرة حلفاء النظام على دعمه، لا سيما موسكو ، التي تبدو حاليا غير مهتمة بتقوية نظامه، ما زاد من تكهنات المراقبين حول رغبة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في التخلي عن "الأسد".

وفي ضوء ذلك، ليس من المبالغة أن نقول أن قانون "قيصر" سيلعب دورا محوريا في تحديد مستقبل "الأسد" في السلطة. وسيتوقف ذلك على مدى قدرة نظام "الأسد" مستقبلا على تكرار نموذج كوريا الشمالية، عبر عزل سوريا عن الاقتصاد الدولي، وتعزيز مكانتها كمنبوذ عالمي، وتوحيد الموالين له تحت شعور بأنهم جميعا "ضحايا النظام الدولي".

وإذا تمكن رأس النظام من فعل ذلك، فإن فرص بقائه ستكون قائمة، حسب تحليل "بوليتيكو"، وإذا فشل، فإن هيكل الحكم في البلاد ربما يشهد تغييرات جوهرية، وسيكون البديل عن ذلك هو فشل النظام للمرة الأولى في توفير الخدمات الأساسية حتى في العاصمة والمناطق الموالية له، بما يعني فرصا أكبر لاشتعال الحرب، وانهيارا لآفاق الاستقرار.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قانون قيصر بشار الأسد دونالد ترامب عماد خميس النظام السوري

نصرالله: قانون قيصر يستهدف تجويع سوريا ولبنان

الحكومة السورية المؤقتة: قانون "قيصر" سيجبر "الأسد" على حل سياسي

شبح الشلل يخيم على الاقتصاد السوري مع بدء تطبيق قانون قيصر

مأساة.. سوريون يتعرفون على جثث أقاربهم في صور قيصر