ماذا وراء مناوشات تركيا وفرنسا في ليبيا والبحر المتوسط؟

الأحد 21 يونيو 2020 09:19 م

ما هي أسباب التوتر العميق بين تركيا وفرنسا مؤخرا؟ وما دلالاته وآثاره المتوقعة؟

يتداول مراقبو الشأن الليبي هذا السؤال بالنقاش حاليا بعدما وجهت فرنسا، التي تدعم قوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" ضد قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، انتقادات شديدة إلى تركيا، واصفة دورها في ليبيا بأنه "عدواني".

وفيما اتهم مسؤول بوزارة الدفاع الفرنسية البحرية التركية بالتصرف بطريقة عدائية تجاه شركائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو" عبر "التحرش" بسفينة حربية فرنسية في البحر المتوسط لمنعها من تطبيق حظر الأمم المتحدة على السلاح في ليبيا، قال مسؤول في الرئاسة الفرنسية إن محادثات ستُجرى خلال الأيام المقبلة تحت مظلة الحلف، تشمل تركيا، لبحث الدور التركي "غير المقبول"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

وفي السياق ذاته، سلط منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" الضوء على بعض التحديات التي تواجه العملية البحرية للاتحاد الأوروبي الرامية لفرض حظر أسلحة أممي على ليبيا "إيريني".

مشيرا إلى أن أفراد العملية حاولوا، الأسبوع الماضي، الاتصال بسفينة شحن ترفع علم تنزانيا ترافقها سفينتان حربيتان تركيتان، غير أن السفينة رفضت الرد، وقال مرافقوها الأتراك إنها تحمل معدات طبية متجهة إلى ليبيا.

وفي المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية التركية، في بيان أصدرته في 16 يونيو/حزيران، أن التصريحات الفرنسية بشأن الدور الذي تقوم به أنقرة تظهر سياسة باريس تجاه ليبيا، والقائمة على دعم "حفتر"، بما يفاقم الأزمة الليبية ويتعارض مع قرارات الأمم المتحدة وحلف الناتو.

وسبق أن أكدت حكومة الوفاق الوطني عثورها على أسلحة فرنسية بيد قوات "حفتر" في أعقاب سيطرتها على غريان منتصف العام الماضي، ما قدم مؤشرا قويا أن فرنسا نفسها تنتهك حظر توريد الأسلحة الذي تدعي أنها تشرف على تطبيقه.

وسبق أن عبر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن تخوف بلاده من تنامي النفوذ الإقليمي لتركيا معربا عن أسفه لصمت الناتو عن الهجمات العسكرية التركية على الجماعات الكردية المسلحة في سوريا، حليفة القوى الغربية، وقال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنّ الناتو بات يعاني من "موت دماغي".

إقليم فزان

وإزاء ذلك، تدور نقاشات مراقبي الشأن الليبي حول وجود 3 اختلافات استراتيجية رئيسية بين تركيا وفرنسا، وأن التطورات الأخيرة في الغرب الليبي وهزائم "حفتر" المتتالية كانت مجرد فتيل تسبب في "إشعال أزمة كامنة بين البلدين.

وتدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني عسكريا بموجب اتفاقية أمنية وقعها الجانبان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما تتجه إلى التفاوض مع موسكو من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع العسكري في ليبيا، على غرار ما جرى في شمالي سوريا، ومن شأن ذلك تقسيم النفوذ الإقليمي في ليبيا بين تركيا في الغرب وروسيا في الشرق أن يعوق جهود فرنسا للسيطرة على الجنوب الليبي.

ويمثل إقليم "فزان" الجنوبي في ليبيا، امتدادا لنفوذ القوات الفرنسية بمنطقة الساحل الأفريقي، من جانب، وخطرا على دول الجنوب الأوروبي من أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي ترى في روسيا عدوا استراتيجيا.

نفوذ المتوسط

ويعد النفوذ البحري بالبحر المتوسط المصلحة الاستراتيجية الثانية محل الصراع بين أنقرة وباريس، خاصة بعدما أفادت وكالة "رويترز" بأن أنقرة وحكومة الوفاق الليبية تبحثان إمكانية استخدام الجيش التركي لقاعدتي الوطية الجوية، ومصراتة البحرية.

وفي حين تعد الوطية من بين المواقع الإستراتيجية التي سيطرت عليها قوات الوفاق في الآونة الأخيرة، فإن "مصراته" تمثل مفتاحا مهما للهيمنة على مناطق النفوذ جنوبي البحر المتوسط.

ومن شأن زيادة تركيا لنفوذها في البحر المتوسط أن يضعف الوضع الاستراتيجي لأوروبا بشكل عام ولفرنسا بشكل خاص.

ورغم ذلك، فإن فرنسا لا يمكنها الاعتماد على إجماع أوروبي في مواجهة تركيا، إذ ترتبط بروكسل وأنقرة بعلاقات اقتصادية وطيدة، وفقا لما نقلته فضائية "TEN" عن المحلل السياسي "مناف الكيلاني".

النفط والغاز

ويأتي ملف ثروة النفط والغاز كثالث أضلاع مثلث التوتر بين أنقرة وباريس، حيث تعتقد باريس أن وجود تركيا في ليبيا يشكل خطرا على مصالح شركات النفطية الفرنسية في البلاد وعلى رأسها "توتال"، خاصة في ظل التنافس على عمليات التنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط، وتوقيع الحكومة التركية اتفاقية مع حكومة الوفاق للتنقيب داخل الحدود البحرية الليبية.

وقد جرى توقيع هذا الاتفاق بواسطة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ورئيس حكومة الوفاق "فايز السراج"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنه واجه رفضا من قبل اليونان وعدد من الدول المعنية بالحدود البحرية في تلك المنطقة، بينها فرنسا.

وفي هذا الإطار، اتهم بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية الأسبوع الماضي كلا من تركيا وروسيا بالتواطؤ معًا للسيطرة على ثروات منطقة المتوسط.

وأعلن الفريق "تييري بوركهارد"، رئيس هيئة أركان القوات البرية الفرنسية استراتيجية لتعزيز الجاهزية الحربية لفرنسا في غضون السنوات العشر المقبلة، مشدداً على ضرورة "استعداد أوروبا عسكريا"، وفقا لما أوردته صحيفة "لوموند".

وفي تقريره المعنون بـ"الجيش الفرنسي يتصور اشتباكات مستقبلية بين الدول"، أشار "بوركهارد" إلى أهمية الإسراع في تجهيز الجيش الفرنسي لمواجهة التحديات التي يفرضها المشهد العالمي، معتبراً أن أوروبا باتت محاصرة بـ"سباق عسكري غير مقيد"، مشيرا على وجه الخصوص إلى الوضع في ليبيا، حيث لا يبعد موقع الصراع الجديد كثيراً عن فرنسا وأوروبا.

ووفق هكذا تصور، فإن النزاع في ليبيا سيلعب دورا حاسما في رسم خارطة النفوذ الإقليمي، وتخشى باريس أن تكون أحد الخاسرين في هذه الخارطة الجديدة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حكومة الوفاق فائز السراج إيمانويل ماكرون

تركيا تهاجم فرنسا بسبب ليبيا: سياستها قاتمة وغير مفهومة

ماكرون: تركيا تمارس لعبة خطيرة في ليبيا

تركيا توقف 4 من مواطنيها بتهمة التجسس لصالح فرنسا

رئيس برلمان تركيا يتهم ماكرون بجر ليبيا للفوضى بدعمه حفتر

سفير تركيا بباريس: فرنسا تتجاهل انتهاكات الإمارات ومصر في ليبيا

التنافس حول ليبيا.. لماذا يحتدم الصراع بين تركيا وفرنسا في البحر المتوسط؟