التنافس الخليجي يقترب من قلب أوروبا

السبت 20 يونيو 2020 03:21 م

تزايد اهتمام دول الخليج بشرق البحر المتوسط ​​بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية؛ ما جعل التنافس بينهم أقرب إلى قلب أوروبا، من أي وقت مضى.

تعود أحد أهم أسباب الصدع بين دول الخليج في الإطار الجيوسياسي الأوسع للمنطقة، إلى دور الحركات الإسلامية السياسية، التي تدعمها قطر وتركيا بينما تعارضها السعودية والإمارات.

ينعكس هذا في معركة جوهرية لتشكيل النظام الإقليمي؛ حيث يعد شرق البحر المتوسط ​​ أحد الأماكن التي يتكشف فيها هذا التنافس.

  • جذور الصراع والانحيازات

منذ عام 2011، عملت قطر بشكل وثيق مع تركيا لدعم القوى الثورية المقربة من جماعة "الإخوان المسلمين" في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك تلك الموجودة في مصر وليبيا وسوريا.

أما السعودية والإمارات فقد عارضتا بشدة هذه الجماعات؛ حيث اعتبرتها تهديدا لنفوذها الإقليمي، وكانت الضربة الأكثر خطورة للجبهة القطرية التركية هي استبدال حكومة تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر بقيادة عسكرية معادية للإسلاميين تدعمها السعودية والإمارات في 2013.

أعطى صعود الملك "سلمان بن عبدالعزيز" وولي العهد "محمد بن سلمان" في عام 2015 زخما وتعزيزا جديدا للتحالف السعودي الإماراتي في قمع النفوذ الإقليمي لخصومهم.

نما هذا الصدع خلال أزمة الخليج 2017؛ حيث فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا على قطر. وردا على ذلك، نشرت تركيا قوات في الدوحة دفاعا عن قطر؛ مما جعل هذين الطرفين أقرب إلى بعضهما البعض.

  • العداء التركي الإماراتي

يتجلى صدع رئيسي من هذه المواجهة في الجانب التركي الإماراتي؛ حيث ترى أبوظبي أنقرة خصمها الإقليمي الأساسي، وتعزو تركيا من جانبها محاولة الانقلاب التي جرت في 2016 ضد رئيسها "رجب طيب أردوغان" إلى تدبير إماراتي.

لدى الرياض، أيضا، مجموعة من المشاكل الخاصة بها مع أنقرة، والعكس صحيح، وكان أوضح مظهر لهذا العداء بعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" على يد عملاء سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

أعقبت هذه الحادثة حملة ضغط سياسية دولية منسقة؛ حيث سربت أنقرة بشكل استراتيجي معلومات تشير إلى مسؤولية "بن سلمان" المباشرة عن الجريمة.

لكن هذه الحملة، فشلت في تهميش ولي العهد. ومنذ ذلك الحين، ضاعفت الرياض من الاستراتيجية المناهضة لتركيا بقيادة الإمارات.

وفي أوائل 2020، مع مواجهة المملكة للتحديات الهائلة التي يشكلها وباء "كورونا"، والانهيار المذهل لأسعار النفط، والركود الاقتصادي الناجم عن كلا الحدثين، تحركت الرياض بسرعة لحجب جميع المنافذ الإخبارية التركية الرئيسية في السعودية، متهمة أنقرة بمحاولة استغلال هذه الفترة الحساسة لشن حرب إعلامية ضد قيادتها.

وفي الوقت الذي تعطي فيه الرياض الأولوية للتحديات الداخلية وحرب اليمن، فإن الإمارات تقف في طليعة الاستراتيجية المناهضة لتركيا.

  • جبهة سوريا وليبيا

تتضح كل هذه التوترات في شرق البحر المتوسط​​، من سوريا إلى ليبيا، وفي الجغرافيا السياسية للطاقة المتعلقة بخط أنابيب الغاز المقترح "إيست ميد".

ونظرا لأن تركيا أصبحت أكثر حزما في شمال شرقي سوريا وليبيا، فقد صعدت الإمارات والسعودية مشاركتهما.

أدانت السعودية والإمارات العمليات العسكرية التركية في عفرين عام 2018 وشمال شرق سوريا في عام 2019، حتى أن الإماراتيين والسعوديين عملوا على تعزيز العلاقات مع المنافسين الرئيسيين لتركيا في شمال سوريا، المتمثلين في "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية و"قوات سوريا الديموقراطية"، وذلك عبر التنسيق معهم على المستوى العسكري وتقديم المساعدات والإمدادات المالية. 

كما اتخذت الإمارات مؤخراً خطوة مهمة لإعادة العلاقات مع "بشار الأسد"، تحت ذريعة الدبلوماسية الإنسانية المتعلقة بفيروس "كورونا"، وقد عزز هذا قدرة "الأسد" على مقاومة النفوذ التركي المتزايد في شمال البلاد.

في غضون ذلك، زاد الإماراتيون -وبدرجة أقل السعوديون- من دعمهم للجنرال "خليفة حفتر" في ليبيا؛ حيث اعتبروا انتصاره في البلاد مفتاحًا لمنع تعزيز الحكومة الليبية ذات الميول الإسلامية والمؤيدة لتركيا، وقدمت أنقرة دعما مماثلا للحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، كما دعمت قطر أيضًا الحكومة في طرابلس.

هدأت قطر بشكل كبير من أنشطتها الدولية منذ أن بدأت الأزمة الخليجية، لكنها لا تزال تقدم خلف الكواليس دعمًا حاسمًا للسياسات والأنشطة التركية.

ومع تعزيز "حفتر" لعلاقته مع "الأسد" تدريجيا -بعد دفع إماراتي مستتر للقيام بذلك ربما- أصبحت أزمتا ليبيا وسوريا مترابطتين.

ويستخدم طرفا الصراع في ليبيا حاليًا مرتزقة سوريين مؤيدين ومناهضين لـ"الأسد"، مما يسلط الضوء على الروابط بين الحربين.

  • الصراع يقترب من أوروبا

بدأت هذه التوترات الإقليمية تؤثر مؤخرًا على الجغرافية السياسية الأوروبية، فقد وجدت الجبهة الإقليمية المناهضة لتركيا غرضًا مشتركًا مع عدد من العواصم الأوروبية التي تختلف مع أنقرة.

عززت فرنسا علاقاتها مع الإمارات، في إطار سعى كليهما إلى إحباط الطموحات التركية في البحر المتوسط، وقرب الهدف نفسه السعودية والإمارات من اليونان وقبرص اليونانية أكثر من أي وقت مضى.

فمع توتر العلاقات بين تركيا واليونان بسبب حقوق التنقيب حول قبرص اليونانية، نما الارتباط الدبلوماسي السعودي والإماراتي مع أثينا ونيقوسيا.

ومنذ عام 2017، شاركت الإمارات في مناورة "انيوكوس" العسكرية السنوية بقيادة يونانية، التي تشمل أيضا الولايات المتحدة و(إسرائيل)، ومنذ عام 2018 انضمت قبرص اليونانية وإيطاليا، مع مشاركة مصر كمراقب.

في الآونة الأخيرة، انخرط الدبلوماسيون البارزون في جولات دبلوماسية محمومة؛ حيث تسابقوا ذهابا وإيابا بين دول شرق البحر المتوسط ​​والخليج.

ففي سبتمبر/أيلول 2019، زار وزير الخارجية السعودي "إبراهيم بن عبد العزيز العساف" قبرص اليونانية؛ حيث أعلن دعم السعودية للسيادة القبرصية ضد الحكم الذاتي من جمهورية شمال قبرص المدعومة من أنقرة.

وفي رد على زيارة لوزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد"، شارك وزير الخارجية القبرصي اليوناني "نيكوس كريستودوليديس"، في منتدى "صير بني ياس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وفي أول اجتماع ثلاثي بين الإمارات واليونان وقبرص اليوناني، ثم سافر "كريستودوليدس" إلى الرياض في يناير/كانون الثاني التالي لمقابلة الملك "سلمان".

التقى وزير الخارجية اليوناني "نيكوس دندياس" بالملك "سلمان" في الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2019، واستضاف وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" في اليونان أوائل عام 2020.

وفي فبراير/شباط، جاء دور رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس"؛ ليلتقي بالملك "سلمان" و"بن سلمان" بالرياض وولي العهد "محمد بن زايد" بأبوظبي.

تعهدت السعودية بتكثيف الاستثمار في اليونان وقبرص، في الوقت ذاته الذي تتطلع فيه الإمارات إلى الأصول الساحلية الخاصة بالبلدين من أجل ممرها البحري الطموح، المصمم لربط البلاد بالبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

وبعد هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت "أرامكو" السعودية، التي يُزعم أن إيران هي التي قامت بها، وافقت اليونان على نشر أنظمة الدفاع الصاروخي الخاصة بها "باتريوت" في المملكة، مع 130 جنديًا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت تركيا صفقة مع الحكومة الليبية في طرابلس لترسيم الحدود البحرية الجديدة بين البلدين، فيما قطع المياه الإقليمية اليونانية.

ومن المرجح أن تؤدي هذه الخطوة -التي شكلت جزءًا من رد تركيا على استثنائها من مشروع غاز إيست ميد- إلى تعميق خط الصدع؛ حيث وقعت اليونان و(إسرائيل) وقبرص اتفاقية المشروع بهدف جلب الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا، متجاوزين تركيا.

لكن الاتفاق يربط أيضاً قضايا شرق البحر المتوسط ​​بالجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط؛ حيث كانت الإمارات واحدة من أكثر المؤيدين صراحة لصفقة "إيست ميد"، وإذا تم تنفيذ الاتفاقية بالكامل، فقد تفقد قطر ما يصل إلى نصف السوق الأوروبية، في حين يمكن للإمارات أن تبني على هذا الزخم لتعزيز التحالف المناهض لتركيا.

أدت جائحة "كورونا" وانهيار أسعار الطاقة إلى استنزاف السيولة وجعل خط أنابيب "إيست ميد" والغاز عامة أقل جاذبية مما كانوا عليه في السابق.

ومع ذلك، تظل أبوظبي ملتزمة بتعزيز تحالفاتها المتعلقة بـ"إيست ميد" وترجمتها إلى إطار سياسي للعمل على الديناميات الإقليمية؛ كما يتضح من قرارها بالانضمام إلى قبرص ومصر وفرنسا واليونان في تبني إعلان مايو/ أيار 2020.

ومثل دول الخليج الأخرى؛ أصبحت الإمارات تنظر بشكل متنامي إلى البحر المتوسط ​​كمنطقة لا تنتمي إلى أوروبا وحدها.

المصدر | المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حصار قطر تداعيات الأزمة الخليجية جمال خاشقجي حرب اليمن

بن زايد ورئيس وزراء اليونان يبحثان أزمتي ليبيا وشرق المتوسط