خبراء إسرائيليون يحذرون من التداعيات الأمنية لضم الضفة

السبت 20 يونيو 2020 06:27 م

بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، فإنه يرى فرصة تاريخية في ضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية المحتلة، وهو الإجراء الذي لطالما طالب به الإسرائيليون اليمينيون، وربما يمنح البلاد حدودا شرقية دائمة للمرة الأولى.

ومن شأن الضم أن يعزز مكانة "نتنياهو" في التاريخ الإسرائيلي. وبالرغم من أنه لم يكشف عن نطاق خطته بعد، فقد وعد بالمضي قدما فيها بدءا من 1 يوليو/تموز.

ولكن مع اقتراب هذا التاريخ، يحذر العديد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين في الجيش والاستخبارات والدبلوماسية بأي ضم أحادي الجانب باعتباره خطرا كبيرا على أمن (إسرائيل) نفسها.

وحذر هؤلاء الخبراء من أن فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي التي يعتمد عليها الفلسطينيون من أجل دولة مستقبلية يمكن أن يشعل انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. وربما يزعزع الأردن المجاورة. كما سيتم استنكار خطوة (إسرائيل) على نطاق واسع باعتبارها غير قانونية، وبالتالي ربما يؤدي بـ(إسرائيل) إلى عزلة دولية.

ويقول هؤلاء إن الضجة الناتجة يمكن أن تصرف الانتباه عن الجهود المبذولة لتكثيف الضغط على الدولة التي طالما صورها "نتنياهو" على أنها أكبر تهديد يواجه (إسرائيل) والعالم، أي إيران.

وقال "عاموس جلعاد"، اللواء المتقاعد في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الذي كان أيضا مبعوثا إلى العالم العربي: "في الجيش، تتعلم في أدنى مستوى التركيز على الجهد الرئيسي. ويعد الاتحاد مع العرب ضد إيران تقدما لا يصدق. لكن بدلا من ذلك، بهذه الخطوة سوف نوحد العالم كله ضدنا".

وحذر القادة العرب بالفعل من أن الضم سيهدد تقدم العلاقات بين (إسرائيل) والدول العربية، التي تعتمد في جزء كبير منها على وجود طهران كخصم مشترك، وهو التقدم الذي تحدث عنه "نتنياهو" كدليل على نجاح سياسته.

وتدعم إدارة "ترامب" الضم من حيث المبدأ، ويعمل العديد من الأمريكيين، بمن فيهم السفير "ديفيد فريدمان"، كجزء من اللجنة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة، التي تعمل سرا لرسم حدود (إسرائيل) الجديدة.

لكن الضم يؤجج الذعر بين الديمقراطيين في الكونجرس، ويعارضه المرشح الرئاسي المفترض للحزب "جو بايدن"، وجميعهم يفضلون حلا تفاوضيا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ولم يرد "نتنياهو" علنا على الانتقادات، في حين قال مؤخرا: "كلما قلتم ما تقولوه الآن، زادت فرصنا في تحقيق أفضل نتيجة".

ووعد "نتنياهو" في الخريف الماضي بضم "غور الأردن" المهم استراتيجيا، وهي خطوة من شأنها أن تخلق حدودا شرقية متاخمة للأردن.

وفي يناير/كانون الثاني، قال "نتنياهو" إنه سيضم نحو 30% من الضفة الغربية، بما في ذلك العشرات من المستوطنات اليهودية القائمة، تماشيا مع الخريطة التي طرحتها "خطة السلام" لإدارة "ترامب".

لكن الإدارة الأمريكية دعت "نتنياهو" منذ ذلك الحين إلى التوصل إلى توافق مع شريكه في الائتلاف وزير الدفاع "بيني جانتس"، الذي عارض التحركات الأحادية.

وأنتجت محادثات الطرفين عددا من بالونات الاختبار، من الضم المتواضع والرمزي إلى حد كبير، إلى أخذ الـ30% من الضفة بالكامل، أو تقسيم الضم على مراحل، وكل ذلك مع القليل من الوضوح.

ورفض الفلسطينيون أي تحرك من جانب واحد باعتباره انتهاكا لالتزامات (إسرائيل) بالحدود التفاوضية المتبادلة بموجب اتفاقات أوسلو.

وعلقت السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية التعاون الأمني ​​مع (إسرائيل) احتجاجا على ذلك، واعتبروا أن (إسرائيل) تنسحب من اتفاقياتها مع الفلسطينيين.

أما عن الخوف الأكثر إثارة للقلق لدى الإسرائيليين فيتمثل في إمكانية إرسال أبنائهم وبناتهم إلى القتال. فإذا انهارت السلطة الفلسطينية، أو رد الفلسطينيون بانتفاضة، فقد تضطر (إسرائيل) إلى إعادة احتلال الضفة الغربية المضطربة عسكريا.

ويقلل مؤيدو الضم من احتمالات تجدد العنف في الضفة الغربية، مشيرين إلى عدم تحقق توقعات مماثلة بعد اعتراف الرئيس "ترامب" بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) وقراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

لكن خبراء الأمن يقولون إن الضم سيكون أكثر استفزازية بكثير، وهو ما يعادل القول بأن الدولة التي يعتقد الفلسطينيون أنهم يبنونها ذهبت مع الريح.

وقال "جلعاد": "في اللحظة التي يبدأ فيها الضم أحادي الجانب، ستفقد السلطة الفلسطينية شرعيتها. وإذا حدث ذلك، عاجلا أو آجلا، فلن يتمكن قادتها من إظهار وجوههم أمام الشارع الفلسطيني. ومن سيدفع الثمن؟ إنهم جنودنا".

ويقول خبراء إن دافعي الضرائب الإسرائيليين سيتحملون العبء أيضا؛ فإذا تم استئناف الاحتلال العسكري الكامل، ستتكلف البلاد المليارات.

ويرفض "يوسي كوبرفاسر"، الجنرال المتقاعد من المخابرات العسكرية، وهو من بين أكثر المؤيدين صراحة للضم، فكرة أن (إسرائيل) ستضطر إلى السيطرة الكاملة على المدن الفلسطينية.

وقال: "هذا هراء. لن نضم نابلس. سيعتني الفلسطينيون بأنفسهم".

لكن إحالة الفلسطينيين إلى الحكم الذاتي في المناطق المحصورة التي شبهها النقاد الإسرائيليون بـ"البانتوستانات"، يمكن أن يغلق الباب أمام دولة قابلة للحياة، ما يجبر (إسرائيل) على الاختيار بين منح الجنسية الفلسطينية لهؤلاء أو تركهم في وضع من الفصل العنصري إلى أجل غير مسمى.

وقال "سلاي مريدور"، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: "إذا اتخذنا خطوات تجعل الانفصال عن الفلسطينيين مستحيلا، فقد نقوض أو ندمر أساس المشروع الصهيوني بأكمله".

ويمكن الشعور بالعواقب في الأردن، الشريك الأمني ​​الرئيسي لـ(إسرائيل)، الذي لديه غالبية سكان من جذور فلسطينية. ويقول الخبراء إن الأغلبية الفلسطينية ستضغط على الملك "عبد الله الثاني" لاتخاذ إجراءات جريئة ضد (إسرائيل) ردا على أي ضم.

وسوف يعزز الضم المخاوف في الأردن من أن الفلسطينيين، الذين حُرموا من دولة في الضفة الغربية، سيحاولون جعل الأردن وطنهم الجديد بدلا من ذلك.

وحذر الملك "عبدالله" الذي ناشد مجلس الشيوخ الأمريكي عبر الفيديو هذا الأسبوع، من "صراع واسع النطاق". ويقول محللون إسرائيليون إنه قد يغلق السفارة الأردنية في (إسرائيل)، وربما يلغي صفقة جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي من (إسرائيل)، أو حتى يحد من التعاون الأمني ​​الذي يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية والسماح بمرور الطائرات الإسرائيلية التي تهاجم أهدافا إيرانية في سوريا.

واستبعد "كوبرفاسر" تأثير أي رد فعل أردني. وقال: "هناك حدود للمسافة التي يمكن أن يقطعوها"، وتكهن بأن اعتماد المملكة الأردنية الشديد على المساعدة من واشنطن سيحد من ردها.

وكان "نتنياهو" قد أبهر الإسرائيليين بنجاحه في الغزو الدبلوماسي في العالمين العربي والإسلامي. وشن حملة ضد مشروع إيران النووي وطموحاتها في سوريا ولبنان والعراق. ونجح في تهميش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني داخل المجتمع الدولي.

لكن الضم يمكن أن يفسد الكثير من هذا التقدم الدبلوماسي في لحظة، كما يحذر النقاد.

وحذر دبلوماسي إماراتي رفيع المستوى الإسرائيليين من أن الضم سيعكس جهود (إسرائيل) لتوطيد العلاقات مع بلاده والعالم العربي الأوسع.

وأصدرت مجموعة من الدول بيانات تعارض الضم، وسافر وزير الخارجية الألماني إلى القدس الأسبوع الماضي لحث (إسرائيل) على عدم المضي قدما في هذه الخطة.

وقال "جوزيب بوريل" منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الخميس، إن الضم سيكون له حتما عواقب وخيمة على علاقة الاتحاد مع (إسرائيل).

وحذر السفير "مريدور"، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، من إلحاق الضرر بعلاقات (إسرائيل) بالأغلبية الساحقة من دول العالم، مضيفا: "صحيح، العلاقة مع الرئيس ترامب مهمة وجيدة، ولكن هل ينبغي لنا أن نضع كل بيضنا في سلة واحدة؟".

وقال إن الضم سيشكل مشكلة فورية لمبعوثي (إسرائيل) ودبلوماسييها، عن طريق حرمانهم من أقوى ردودهم على الأسئلة المتعلقة بالقهر الطويل للفلسطينيين.

وقال: "كانت الإجابة الأسهل التي يمكن أن يقدمها أي دبلوماسي إسرائيلي على مر السنين: نحن على استعداد للتفاوض، لتقديم تنازلات، لكن الجانب الآخر يرفض. هذه أصول نفقدها إذا بدأنا الضم من جانب واحد".

وبالنسبة لـ"كوبرفاسر"، ليس الهدف من الضم توسيع أراضي (إسرائيل) فحسب، بل جعل الفلسطينيين يدركون أنهم سيخسرون لرفضهم التعامل مع (إسرائيل) على أساس خطة إدارة "ترامب".

وقال: "قبل ذلك، كنا بحاجة إلى موافقة الفلسطينيين على أي خطوة. لكن في هذا النموذج الجديد، من الآن فصاعدا، ليس للفلسطينيين حق النقض".

وقال "كوبرفاسر" إن ضم "غور الأردن" هو أفضل ما يعبر عن هذا النهج الجديد. ويريد الفلسطينيون غور الأردن كبوابة إلى العالم العربي، بينما يعتبر الإسرائيليون السيطرة عليه غير قابلة للتفاوض لأسباب أمنية.

واعترف "كوبرفاسر" ببعض المخاطر الدبلوماسية، وأعرب عن أمله في أن يتم العمل على الحد منها. لكنه قال إن الأهم هو عدم تفويت "فرصة ذهبية" يمكن أن تتبخر بهزيمة "ترامب" في نوفمبر/تشرين الثاني.

ويرى حتى معارضي الضم الفرصة السانحة. واعترف "عوديد عيران"، السفير الإسرائيلي السابق في الأردن، وأحد المعارضين للخطوة، بما أسماه "اصطفاف النجوم" لصالح الضم، مع وجود رئيس أمريكي يكرس جهوده لدعم (إسرائيل)، وتفشي الوباء، والركود الاقتصادي، والاضطرابات التي تحول الانتباه الإقليمي للمسائل المحلية بدلا من القضايا الجيوسياسية.

قال "عيران": "إن الأمر كسيارة كهربائية رولز رويس بنصف الثمن، وعليك فقط إعادة شحنها مرة واحدة في الأسبوع. من منا يمكنه رفض هذه الصفقة؟"

المصدر | ديفيد هالبفينجر - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ضم الضفة الغربية غور الأردن بنيامين نتياهو صفقة القرن

يوسف العتيبة: الضم الإسرائيلي قد يشكل انتكاسة خطيرة للتطبيع

هنية يدعو العرب والمسلمين لمواجهة خطط ضم الضفة

سفير أمريكي سابق: مخطط الضم يدفع المشروع الصهيوني للهاوية