وثائق سرية: حوارات عاصفة بين مبارك والبريطانيين بشأن خفض الدعم

الأحد 28 يونيو 2020 03:12 م

كشفت وثائق سرية بريطانية أن زيارة الرئيس المصري الراحل "حسني مبارك" لبريطانيا عام 1988 كانت مثالا على الخلافات القوية خلف الأبواب المغلقة.

وكشفت الوثائق التي حصلت عليها "بي بي سي" بمقتضى قانون حرية المعلومات، أن "مبارك" اشتبك في حوارات عاصفة مع البريطانيين، على أعلى المستويات، بشأن وتيرة الإصلاح الاقتصادي، ومَنْ يحددها.

وأنهى الرئيس الراحل، مستاءً، أحد هذه الحوارات قبل استكمال النقاش بشأن حالة الاقتصادي المصري.

وزار "مبارك" لندن يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني عام 1988، وفي تلك الفترة، واجه الاقتصاد المصري صعوبات كبيرة. وجرت مفاوضات بين القاهرة ونادي باريس بشأن إعادة جدولة ديون مصر.

وقبل أيام من الزيارة، بدأت مفاوضات بشأن الديون المستحقة لبريطانيا لدى مصر. كما شرع صندوق النقد الدولي في إجراء مراجعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الحكومة المصرية.

وكان فريق من الصندوق يتأهب لزيارة القاهرة في شهر فبراير/شباط للضغط لاتخاذ إجراءات أقوى تستهدف تقليص عجز الميزانية، وخفض الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، ولا سيما دعم الوقود بأنواعه.

حينها احتج الجانب المصري، في مقاومته ضغوط الصندوق، بأن الرضوخ لشروط الصندوق سوف يسبب اضطرابات شعبية كتلك التي شهدتها مصر من قبل بسبب رفع الأسعار.

في هذه الأجواء، وضعت العلاقات الاقتصادية بين مصر وبريطانيا على رأس أجندة محادثات "مبارك" في لندن، التي التقى خلالها وزير الخزانة "نايجل لوسون"، بعد لقائه رئيسة الوزراء آنذاك "مارجريت ثاتشر".

قبيل الزيارة، عمًّمَ وزير الخارجية البريطاني "جيفري هاو"، مذكرة سرية على الجهات المختصة في بريطانيا تؤكد إصرار حكومته على تسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، وعلى ألا يقدم المسؤولون البريطانيون أي تعهد لـ"مبارك" بشأن تقديم أي شكل من أشكال المعونات الاقتصادية الإضافية.

وحدد التعميم أهداف بريطانيا بشأن الاقتصاد المصري بأنها "إقناع المصريين بتسريع وتقوية جهودهم لضبطه (يعني إصلاحه) الآن (بما يتفق بالتزامهم تجاه صندوق النقد) من أجل السماح باستئناف برنامج معزز للصندوق ومواصلة هذه الجهود على المدى المتوسط".

ونصحت الوزارة "ثاتشر" بأن "تعبر عن تقدير بريطانيا لتبعات الإصلاح مع التأكيد على أن مصر ليست الوحيدة التي واجهت، وتواجه، هذه المشكلة."

ورغم الإقرار بأن بعض الإجراءات التي يدعو إليها صندوق النقد "ستسبب ألما قصير المدى وبعض الصعوبات السياسية الداخلية"، فإن وزارة الخزانة البريطانية توقعت أن يؤدي هذا إلى "استقرار ورخاء بعيدي المدى".

ويكشف محضر اجتماع "مبارك" و"ثاتشر" أن الرئيس المصري الراحل أصر على أن حكومته مضت في الإصلاح إلى أكبر حد يستطيع الشعب تحمله.

وقال نقلا عن "مبارك": "مصر طبقت إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى خلال العامين الأخيرين، أكبر بكثير من حيث الحجم من أي شيء حققه (سابقه) الرئيس السادات. غير أنه كان يجب عليه ( مبارك) أن يأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يتحمله الرأي العام في مصر".

وأبدى "مبارك" امتعاضه من ضغوط صندوق النقد عليه "كي يفعل أكثر مما ينبغي بمعدل أسرع مما ينبغي"، مضيفا أنه "يجب أن يكون لمصر وقت للتنفس".

وحذر "مبارك" من توابع الاستجابة للضغوط قائلا إنه "لو اتخذ بعض الخطوات التي يطالبه بها صندوق النقد، ستكون هناك قلاقل واسعة تشكل خطراً على الاستقرار ليس فقط في مصر ولكن على نطاق أوسع".

وقال إنه لو قدم تنازلات "سوف تنتكس عملية الإصلاح برمتها".

ولخصت "ثاتشر"، كما نُصحت، موقف حكومتها مؤكدة أن التوازن بين الإصلاح والتهديدات لا يعني عدم إجراء إصلاحات وصفتها بأنها "ضرورية".

قالت "ثاتشر" لـ"مبارك" إن "عليه أن يحقق توازنا بين التهديدات للاستقرار والإصلاحات الضرورية".

وعبرت عن أملها في أن "تتوصل مصر إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد بشأن برنامج (إصلاح اقتصادي) أقوى".

لقاء أكثر سخونة

وكان لقاء "لوسون" بـ"مبارك"، اللاحق للقاء "ثاتشر"، أكثر تركيزا على الاقتصاد، ولذا فكان أكثر سخونة وصعوبة.

ويكشف محضر اللقاء سير النقاش على النحو التالي:

"لوسون": أتابع بشكل خاص مشكلات الاقتصاد المصري. وأدرك أن الحكومة المصرية أمامها مهمة صعبة في تحقيق الإصلاحات الضرورية. كيف يرى الرئيس الموقف؟.

"مبارك": الحكومة فعلت الكثير في السنوات القليلة الأخيرة لإصلاح الضرر في الاقتصاد الناتج عن عدم فعالية الحكومات السابقة خلال الـ 25 إلى 30 عاما الماضية. غير أن الأمر يمكن فقط أن يمضي بوتيرة يقبلها الشعب. لا يمكنك أن تعالج رجلا مريضا بجرعة دواء فوق قدرته على هضمها.

"لوسون": سياسات التعديل (الإصلاح) الاقتصادي في مصر لها، بشكل واضح، أهمية بالغة. غير أنه باستخدام المقارنة الطبية التي اتبعها الرئيس، فإن العلاج بالصدمة يكون مفيدا في بعض الأحيان".

"مبارك" (رافضا): هذا يكون ملائما فقط في بعض الأحيان. ولو فرضت الإصلاحات بمعدل أسرع من اللازم، سوف يثير الناس الشغب، وهذا سوف يؤدي إلى أكثر من مجرد القضاء على أي منافع. وهذه هي تجربة المغرب والجزائر وتونس وزامبيا والسودان وكذلك مصر. الحكومة المصرية السابقة حاولت وفشلت في زيادة سعر البنزين قرشا واحدا. ونجحت حكومتي في زيادة السعر هذا العام بنسبة 100%.

"لوسون": كيف حدث هذا؟

"مبارك": عن طريق شرحي شرحا شاملا للشعب ما هو مطلوب، وبالانتظار لحين حلول الوقت الملائم لتطبيق إصلاح من هذا النوع.

"لوسون": الحكومة المصرية واجهت صعوبات كبيرة لأن أشكال الدعم (السلعي والخدماتي) السابق كان هائلا للغاية والعجز كان كبيرا جدا.

"مبارك": الدعم يبلغ الآن 12 سنتا (أمريكيا) فقط لكل فرد في اليوم. وتم تخفيضه تخفيضا كبيرا للغاية. وسعر الخبز زاد بنسبة 100% في يوم وليلة. وجاء ذلك أيضا بعد ستة إلى سبعة شهور من شرح الأمور للناس.

"لوسون": كيف ترى وصفات صندوق النقد الدولي؟

"مبارك": الصندوق يسعى إلى إصلاحات من وجهة نظر اقتصادية فقط. ولم يأخذ في الاعتبار البعد السياسي. ولو كانت مصر قد اتبعت شروط صندوق النقد الدولي حرفيا، لم يكن يتحقق أي شيء لأن الشعب لم يكن ليقبل أبدا التبعات.

(كان مبارك يشير إلى انتفاضة الخبز التي شهدتها مدن مصرية عدة يومي 18 و19 يناير/كانون الثاني عام 1977 احتجاجا على قرارات خفض الدعم ورفع أسعار عدد من المواد الأساسية. واضطر السادات للتراجع عن القرارات التي كانت استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).

"لوسون": برنامج الصندوق هو ما يعتقد (مسؤولوه) أنه ضروري لإعادة الاقتصاد المصري إلى وضع صحي.

"مبارك": الأمر ربما يكون كذلك من وجهة نظر الصندوق. غير أنني أفْضَل شخص يستطيع أن يُقدر ما يمكن أن يتحمله الشعب المصري.

"لوسون": نأمل في إمكانية التوصل إلى تسوية مع الصندوق. والشروط التي وضعت في وقت سابق ـ والتي لم تلبها مصرـ كانت لينة كي تتناسب مع صعوبات مصر السياسية. وقد تعين على المملكة المتحدة نفسها، في الماضي، أن تلبي شروطا وضعها صندوق النقد الدولي.

"مبارك": فرض مثل هذه الشروط في مصر أصعب. وهناك شيوعيون ومتطرفون يمكن أن يستغلوا الموقف.

وعقب اللقاء، أشارت وزارة الخارجية إلى استياء "مبارك" من الموقف البريطاني وسير نقاشه مع وزير الخزانة.

وفي مذكرة سرية، قال رئيس إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا "علمت للتو أن محاولات وزير الخزانة الخوض في نقاش تفصيلي (بشأن الاقتصاد المصري) مع مبارك قد تم تجاهلها".

وتشير الوثائق إلى أن "مبارك" أنهى النقاش مع الوزير البريطاني متذرعا بأنه يجب أن يغادر لندن متوجها إلى الولايات المتحدة.

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

مارغريت تاتشر وثائق سرية نظام مبارك

صحفية إسرائيلية تكشف معلومات مثيرة عن مقابلاتها مع مبارك

وثائق «تاتشر»: «مبارك» رفض رشوة «صدام» لدعمه في غزو الكويت

وثيقة بريطانية تصف مبارك بالفرعون وتكشف عن تعاون لمراقبة المعارضة