موجة كورونا الثانية.. إعادة الإغلاق كارثة اقتصادية للدول العربية

الأحد 28 يونيو 2020 04:10 م

ما هو التأثير المتوقع للموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد، والتي تبدو مؤشراتها ماثلة أمام دول العالم؟ يرتكز مضمون السؤال، الذي بات متصدرا لاهتمامات عديد المراقبين، إلى الزاوية الاقتصادية بالأساس، في ظل ما كشفته تداعيات عمليات إغلاق الأنشطة خلال الربع الثاني من العام الجاري.

ويربط مركز الشال للاستشارات الاقتصادية توقعاته بحدوث انتعاش تدريجي عالميا في النصف الثاني من هذا العام بمدى تمكن الحكومات من إعادة فتح اقتصاداتها مع الحفاظ على الصحة العامة، وفقا لما نقلته صحيفة "الراي" الكويتية، وهو ما لا يمكن الجزم به في ظل اضطرار دول مثل ألمانيا إلى طرح إعادة فرض إغلاق جديد أمام موجة تفش ثانية لفيروس كورونا المستجد.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس"، السبت، إنه لا يستبعد الاضطرار إلى إعادة الإغلاق حال حدوث ارتفاع كبير مجددا في الإصابات بفيروس كورونا المستجد، بعدما أعلن رئيس وزراء البرتغال "أنطونيو كوستا"، الخميس الماضي، أنه من المقرر أن تعود أجزاء واسعة من منطقة لشبونة الكبرى إلى الإغلاق لمدة أسبوعين اعتباراً من الأربعاء المقبل، بسبب تسجيل زيادة في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد.

وقال "كوستا" للصحفيين في لشبونة: "الطريقة الفعالة الوحيدة للسيطرة على الجائحة هي الإبقاء على الأشخاص في المنازل أطول فترة ممكنة، مع مراعاة التباعد الاجتماعي وجميع معايير الحماية والنظافة".

وقد حدثت عمليات إغلاق ثانية بالفعل في بعض أنحاء العالم، مثل هونغ كونغ وسنغافورة وثاني أكبر جزيرة في اليابان (هوكايدو)، بعدما أدى تخفيف الإغلاق الأول إلى ظهور الوباء مرة الثانية.

وإذا ما تعمم مثل هذا السيناريو، فإن الاقتصاد العالمي مرشح لتسجيل أسوأ فترة له منذ الحرب العالمية الثانية، لتكون امتدادا للربع الثاني من العام الجاري 2020، حسب توقعات "الشال".

فتأثيرات عمليات الإغلاق على الأداء الاقتصادي للربع الثاني من العام الجاري كانت أكبر مما كان يُعتقد سابقاً، وأظهرت مدى الاضطراب المالي خلال النصف الأول من العام، ما يؤشر إلى أن الاضطرار لإعادة الإغلاق أمام موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد يعني امتداد تأثيرات هذا الربع إلى العام كله.

انكماش عالمي

وفي هذا الإطار جاءت توقعات صندوق النقد الدولي بأن ينكمش حجم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لاقتصادات مجموعة العشرين (المتقدمة والناشئة) بنسبة 4.6% خلال 2020.

وإزاء ذلك، انقسمت طروحات الحكومات حول العالم بين انحيازين، الأول يمثله "ماس" و"كوستا"، ويقوم على تغليب الأولوية الصحية وتحمل مزيد من الخسائر الاقتصادية، والثاني يمثله الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي أعلن مستشاره الاقتصادي "لاري كودلو" الأسبوع الماضي رفضه القاطع لإعادة الإغلاق رغم تزايد الإصابات بفيروس كورونا المستجد بالولايات المتحدة، التي باتت تتصدر دول العالم في عدد الإصابات والوفيات، وفقا لما نقلته شبكة "فوكس نيوز".

وبينما ترتكز المقاربة الأولى على مفهوم حقوقي بالأساس وهو أولوية صحة الإنسان وحياته، ترتكز المقاربة الثانية على التداعيات الكارثية لإعادة الإغلاق الاقتصادي، خاصة في ظل عدم وجود ضمانات لعدم ظهور موجات أخرى من تفشي الفيروس مستقبلا، وبالتالي فإن التصرف الصحيح يتمثل في فصل الاقتصاد عن الأزمة.

لكن الأستاذ في كلية الطب بجامعة جورج واشنطن "جوناثان راينر" يرى أن الولايات المتحدة ستواجه حقيقة قاسية مفادها أن إعادة الإغلاق ربما يكون اضطرارا لا خيارا، خاصة إذا امتلأت أسرة المستشفيات وأسرة العناية المركزة، وفقا لما نقلته شبكة CNN.

وقد شهدت الساعات الأخيرة بالفعل تراجع الكثير من الشركات الأمريكية الكبرى عن خططها لإعادة الفتح أو البيع المباشر للجمهور، ومنها شركة ديزني لاند بولاية كاليفورنيا، التي أوقفت كل خطط إعادة التشغيل التي كان من المقرر أن تبدأ في 17 من يوليو/تموز المقبل، وعملاق التكنولوجيا "آبل"، التي أغلقت الكثير من المحال التي فتحها خلال الأسابيع الماضية، وشركة مايكروسوفت، التي أعلنت، يوم الجمعة الماضي، أنها ستغلق جميع متاجرها، البالغ عددها 83، وستنتقل إلى البيع الإلكتروني فقط.

وتؤكد الشبكة الأمريكية أن الموجة الثانية من عمليات الإغلاق ستكون -في حال تعميمها- أكثر ضرراً من الأولى، مشيرة إلى تقديم أكثر من 44 مليون شخص في الولايات المتحدة طلبات للحصول على إعانات البطالة الأولية منذ منتصف مارس/آذار الماضي.

أزمة مضاعفة

وإذا ما كانت الولايات المتحدة متضررة للغاية من سيناريو الإغلاق الثاني، فإن دول الاقتصادات الناشئة، خاصة العربية منها، تخشى هذا المصير بنسبة مضاعفة، خاصة في ظل مؤشرات على اتساع تفشي فيروس كورونا المستجد في بعضها وخروجه عن أي إمكانية للسيطرة عليه.

وتعد مصر والسعودية والجزائر مثالا نموذجيا لهكذا حالة، إذ أعلنت المملكة، أمس السبت، عن رصد 37 وفاة و3927 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في 24 ساعة، فيما تخطت مصر حاجز الوصول إلى ألف إصابة يومية، وتجاوزت الوفيات 2500 حالة. 

وإزاء هكذا أوضاع، نشر صندوق النقد الدولي تحديثا لتوقعاته لآفاق الاقتصاد العالمي، الصادر في أبريل/نيسان الماضي، ليرجح ركودا عالميا أعمق في 2020، تصل فيه نسبة انكماش الاقتصاد السعودي إلى 6.8%.

واضطرت الحكومة المصرية أمام كلفة الإغلاق الأول إلى مسار قرض جديد وافق عليه صندوق النقد بقيمة 5.2 مليار دولار، ضمن برنامج تنفذه القاهرة لمدة عام، بما يفاقم أزمة الدين الخارجي للدولة، الذي تخطى الـ120 مليار دولار.

ولما قدرت الحكومة الجزائرية خسائر الإغلاق الأول في مايو/أيار الماضي بنحو 7 مليارات دولار، لم يكن أمامها سوى إعلان انخفاض متوقع لاحتياطي العملات الأجنبية في نهاية العام الجاري من 51.6 مليارات دولار، كما هو محدد في قانون المالية، إلى نحو 44.2 مليار دولار، وفقا لما نقلته شبكة "سكاي نيوز".

لكن هذا السحب من الاحتياطي لم يكن كافيا لعلاج تداعيات أزمة كورونا، وإزاء ذلك أصبحت الحكومة أمام الاختيار بين حلين أحلاهما مر، فإما الاستدانة الخارجية أو طباعة النقود، والخيار الأخير تبناه منتدى رؤساء المؤسسات، أكبر تكتل لرجال الأعمال في البلاد، رغم آثاره الجانبية الصعبة.

ولذا يخشى خبراء الشأن الاقتصادي من سيناريو الاضطرار إلى الإغلاق الثاني في البلدان العربية، والذي سيفاقم الكلفة الاقتصادية الثقيلة أصلا، إذ لا سبيل لمواجهته غالبا إلا بمزيد من الإغراق في دائرة الاستدانة الخارجية المفرغة أو إدخال الاقتصاد في أزمة أكبر عبر طبع نقود دون غطاء، بما يفاقم من نسبة التضخم ويشعل ارتفاع الأسعار مستقبلا.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

كورونا هايكو ماس دونالد ترامب صندوق النقد الدولي مجموعة العشرين

كورونا في الوطن العربي.. السعودية تتصدر الإصابات ومصر الوفيات