استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (1)

الخميس 27 أغسطس 2015 08:08 ص

في العام 1957، كان العراق يعيش في حالة انتظار استثنائية جداً. وعند هذا المنعطف، كان الجميع ينتظر شيئاً ما. عرفت كل الأوساط السياسية العراقية والمهتمة بالشأن الداخلي الموقع المتميز الذي يشغله البلد في الإقليم وارتباط ذلك بالصراع الدولي ودور المصالح الأجنبية في المنطقة والوطن، ولا سيما صعود الناصرية كمشروع تاريخي لنهوض الأمة، وبداية الانحسار الأوروبي في شرق السويس ومحاولة الولايات المتحدة ملء الفراغ الناتج من ذلك عبر «مشروع ايزنهاور» الشهير.

توصلت قوى المعارضة الوطنية العراقية الى صيغة اتفاق سياسي متكامل، عبَّر عنه بيان «جبهة الاتحاد الوطني»، الذي طرح في آذار من تلك السنة. وقد اطلع عليه معظم المنخرطين في نشاطات المعارضة وأوساط غير قليلة في السلطة الملكية والعديد من ممثلي الدوائر الأجنبية في بغداد، وتحديداً سفارات دول «حلف بغداد» والذي يشكل العراق مركزه الإستراتيجي الخطير في مواجهة المشروع الناصري المتنامي.

في هذا السياق، برزت الى العلن أخبار لافتة ويومية عن نشاطات سرية للكثير من ضباط الجيش العراقي، ووزعت بيانات في شهر أبريل/نيسان تشير الى تسمية «الضباط الأحرار» المرادفة لما حصل في مصر العام 1952.

ويبدو أن الغرب، وبالذات انكلترا وأميركا، توفرت لديه معلومات خاصة حول المسألة تؤكدها وثائق العراق الرسمية. وقد عُقد اجتماع أكاديمي سياسي اجتماعي في لندن وحضرته مجموعة من المنخرطين بالتفاصيل من جامعات خاصة ومتنفذة ومن العراق، وفي مقدمتها الدكتور متى عقراوي رئيس جامعة بغداد الوليدة. كانت الغاية من الحلقة الدراسية تشخيص الأوضاع الملموسة في الوطن ومحاولة معرفة اتجاهات الريح المقبلة.

من الدولة الكردية إلى تدمير العراق

تظهر المقاربة النظرية لطموحات وسلوكيات النخب الكردية في العراق ومنذ بدايات الحركة المسلحة في أوائل القرن المنصرم، متغيرات كثيرة في مسار الأحداث. لقد انتقل التحليل السياسي النفسي ضمن التصور المبدع للعالم الفرنسي جاك لاكان من حالة صارت قديمة الى حالة أخرى فضحتها أحداث الاحتلال الاميركي للعراق.

الفرق اللاهب بين الطورين هو تحول «الوهم» الى تاريخ في المحطة الأولى، وتغير التاريخ الى وهم في الثانية.

الأولى بدأت في «مؤتمر القاهرة» في آذار العام 1921 حين قرر المكتب العربي في وزارة المستعمرات البريطانية وبإشراف ونستون تشرتشل إنشاء الدولة العراقية المعاصرة وإلحاق الكرد فيها واستمرت الى حين سقوط هذه الدولة بالاحتلال الانغلوسكسوني في العام 2003.

والثانية تبدأ من هذا الاحتلال وتستمر الى أن تتبدد هذه الأوهام في مجرى الصراع القائم حاليا في ثلاثة مستويات، الأول الاقليمي والثاني داخل المدار الكردي المزعوم والثالث في قلب العراق العربي.

واذا كان تحليل لاكان، وهو يتعامل مع المجموعات والرموز حين تقع في أخطاء جسيمة وتتمسك بطرق رعناء في تحقيق آمالها السياسية وطموحاتها الشخصية، يسجل العلاقة بين الظاهرة الكردية، ومنها البارزانية، والدولة الوطنية العراقية، فهو يحددها بالمضمون والشكل التالي:

أولاً، «المتخيل» وهو الدولة الكردية التي يجب أن تتحقق، وقد منعتها مصالح الدول الكبرى العالمية.

ثانياً، «الرمزي» وهو الإصرار السياسي ـ الثقافي للنخب الكردية على تحميل العرب، وعرب العراق بالذات، مسؤولية ذلك، وجعلهم العدو الرئيسي للغايات الكردية، والقول بأن الدولة العراقية ساهمت في دفن الطموحات الكردية في رمال الانتكاسات المتتالية للقيادات الكردية المختلفة والمتنازعة في العراق وحتى في تركيا وايران.

ثالثاً، «الواقعي» وهو أن هذه القيادات وفي المقدمة، بارزانية العسكرية، كانت ترغب وما تزال في بناء الدولة ـ السنجق الخاص بها في رقعة جغرافية مرسومة في مخيلتها من العراق، لتشكل البديل التاريخي عن الحلم القومي الكردي العام.

لكن صورة التحليل قد تغيرت بفعل العوامل السياسية المتراكمة والفشل العسكري الذريع لهذه النخب في تحقيق ما تريده، وتحولت الى صيغة جديدة في السياق السابق نفسه، ولكن بمضامين جديدة.

أولاً، في «المتخيل»، الدولة الكردية المنتظرة قد أصبحت في خبر كان، وبات من الضروري العثور على بديل موضوعي متفق عليه وملموس على أرض الواقع، لا سيما بعد الاتفاق الأميركي ـ الإيراني الأخير والهجوم العسكري التركي على «داعش» وحزب اوجلان في نفس الوقت.

ثانياً، في «الرمزي»، هناك ادِّعاء يومي بأن العلاقة مع العراق مؤقتة وأن الطلاق الودي لا بد أن يحدث عاجلا أم آجلا، ومن ثم يظهر أن العمل القائم هو نوع من «تصريف الأعمال» في ظل «العملية السياسية» المنهارة الى أن تفرد بومة «منيرفا» جناحيها وتظهر قيمة الأحداث على حقيقتها. وثمة توجه يشمل الاستيلاء الى أقصى الحدود على الموارد النفطية والامتداد الجغرافي الى كل الاتجاهات.

ثالثاً، «الواقعي»، هناك تحطيم كلي للعراق ومنع نهوض دولته المركزية الوطنية والبوح علناً بأنه قد انتهى الى غير رجعة، وأنه لا مناص من لم شعث القيادات الكردية الموزعة والمتنازعة في الإطار الذي طرحه اوجلان وأعطاه تسمية الكونفدراليات الديموقراطية المتحدة، وهي أكذوبة جديدة من الماركسية الليبرالية المنحطة. ويمكن التوسل والتسول من اميركا لتدبير هذه الأغراض على حساب التمزيق الشامل في العراق وسوريا والمنطقة.

النشاطات السياسية والفعاليات العسكرية

من دون مبالغة، لا بد من التنويه الى أن الوضع الكردي الثقافي السياسي يتضمن خطين متلازمين ومتناقضين في آن واحد. الأول يتمثل بالميل التاريخي الى الانقسام الجغرافي العسكري في القيادة السياسية للنخب في مناطقها المتصلة أو المنقطعة. والثاني يتصل بالميل الإستراتيجي لدى هذه النخب الى الإمساك والتقاتل من أجل الفوز بوحدة العمل العسكري المركزي، بمعونة القوى الأجنبية، والسيطرة الاستبدادية على الأرض والموارد الطبيعية والبشرية، بقيادتها فقط، ويتعدى أحيانا الربوع العراقية الى المناطق المتاخمة في سوريا وتركيا أو ايران.

التعارضات المذكورة تبرز بوضوح في كرونولوجيا التغيرات السياسية عند الاكراد او في السلطة السياسية العراقية. فمنذ العام 1946، حين تأسس «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة الملا مصطفى البارزاني وإلى العام 1964 حين انقسم الحزب الى تيارين، وما زال، البارزاني والطالباني، لم تحقق الحركة المسلحة شيئا في برنامجها السياسي إلا من خلال التغيرات السياسية في البلاد، والتي نضجت من خارج الجهود الكردية بأشكالها كافة.

بل إن اللافت في هذا المجرى أن الانقسامات كانت حاضنة مهمة في تنفيذ بعض المطالب والتي ترتبط بالمصالح الآنية أو التكتيكية للدولة العراقية أو القوى الأجنبية الخارجية. والإنجاز الأول الذي تم في الدستور المؤقت في 27 تموز 1958، بعد صعود البونابرتية العسكرية في انقلاب 14 تموز 1958، لم يكن حصيلة العمل الكردي، بل استناداً الى رغبات بعض الضباط الانقلابيين، وفي مقدمتهم عبد الكريم قاسم.

وقد وقف عملياً معظم الضباط الآخرين ضد المادة 3 من الباب الأول من الدستور المؤقت: «العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن». وعلق الضابط الكردي فؤاد عارف، وهو من شلة قاسم، بأن إصرار قاسم على تصفية البارزاني كان سياسياً وليس «قومياً»، وذلك لأنه يرغب بإنهاء دور العشائر الكردية، تماماً كما أنهى دور محمد العريبي والعشائر العربية في جنوب العراق.

ولم تكن النخب السياسية، ما عدا قيادات الحزب الشيوعي المرتبطة بالاتحاد السوفياتي، بعيدة عن هذا الموقف. وقد عبرت معظمها عن التأييد للتغييرات التي أجرتها حركة 18 نوفمبر/تشرين 1963، والتي أطاحت بحكم «حزب البعث» الأول في 8 فبراير/شباط 1963، في الدستور المؤقت الذي طرحه رئيس الجمهورية عبد السلام عارف في 29 أبريل/نيسان 1964. وتنص المادة 19 من الباب الثالث، «العرب والأكراد مواطنون يقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية».

ومنذ الانقسام في الحركة الكردية المسلحة العام 1964 وحتى انقلاب 17 يوليو/تموز 1968، كان الدور الكردي باهتاً في الحياة السياسية ومؤذياً في عملياته العسكرية، وخاصة في معركة «هندرين» في ربيع العام 1966، والتي كان للعامل الإيراني ـ الإسرائيلي دوراً حاسماً في تراجع الجيش العراقي في حينها.

وكانت الحصيلة التوصل الى اتفاق 29 يونيو/حزيران التافه، والذي صاغه رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز بالضد من آراء كبار ضباط الجيش والعميد عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع. وفي الاجتماع الموسع السياسي ـ العسكري في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1966، في القصر الجمهوري، أدان العقيلي فكرة عبد الرحمن البزاز حول «اللامركزية»، وقال عنها إنها مشروع بريطاني قديم اقترحه المندوب السامي بيرسي كوكس في العام 1921 لعرقة التطور الحر للدولة العراقية المنشودة.

وفي مايو/أيار 1968 سرّب القيادي الشيوعي حافظ القاضي وثيقة داخلية للحزب البارزاني، تشير الى رغبة الملا مصطفى في عقد مؤتمر استثنائي للحزب من أجل اعلان الانفصال عن العراق. وتؤكد الوثائق الخاصة حول العراق أن هذه الخطة البارزانية وتصاعد الحركة السياسية اليسارية في البلاد وجناحها العسكري في أهوار الجنوب، كان لهما الشأن المركزي في الإسراع بتنفيذ انقلاب 17 يوليو/تموز 1968. أما الإنجاز الأهم على صعيد الطموحات الكردية، فهو الذي تم في 11 مارس/آذار 1970 وكان بمبادرة شاملة من حزب «البعث» الحاكم، وقد فاجأ القيادات الكردية، البارزانية المعارضة والطالبانية المتعاونة مع الحكم، ولم يخطر ببالهم ذلك الاتفاق أبداً.

  كلمات مفتاحية

العراق الحركة الكردية المسلحة البارزاني الطالباني حزب البعث الولايات المتحدة مشروع ايزنهاور جبهة الاتحاد الوطني

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (2)

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (3)