استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (3)

الجمعة 28 أغسطس 2015 03:08 ص

يقول توماس هوبز إن الأفكار دون السيوف تبقى كلمات. والبارزانية السياسية أمينة للطبعة الآسيوية لهذه المقتطفات الأوروبية. فالتطور المشرقي للجماعات الإتنية، ومنها الكرد، في الوجود القبلي على حدود الدول ـ الأمة في هذه المناطق المترامية، ولاسيما بعد الحرب العالمية الأولى، هو الذي فرض تطور استعمال السيوف الى تنظيمات قبلية مسلحة لقطع الطرق أولاً، ومن ثم تحولها الى ميليشيات عسكرية لخدمة الدول المتصارعة وتأجيرها في الحروب الإقليمية وبعدها في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

هكذا وجدت البارزانية العسكرية في حكم البونابرتية العسكرية ضالتها في تقاسم السيطرة العسكرية على السلطة السياسية والموارد النفطية. لكن حسابات البيدر (الحصاد) الكردي لم تتطابق مح حسابات الحقل البونابرتي العراقي.

وكانت البداية الدموية في دخول القبائل الكردية في الموصل وكركوك العام 1959، وارتكابها للمذابح المروّعة التي اضطرت عبد الكريم قاسم الى الاعتراف بها والتظاهر بالوقوف ضد نتائجها ومحاسبة القائمين بها من دون جدوى. وفي ظل تفاقم الصراع الحاد بين التيارين الشيوعي والناصري، ومعه حزب «البعث»، في العراق والمنطقة، وتطوّره الى حرب أهلية صغيرة، كان للبارزانية العسكرية مجدها في اغتنام الفرصة والإسراع برفع السلاح في سبتمبر/أيلول العام 1961.

وكان الصراع السياسي بين النموذج العراقوي القاسمي والمشروع العربي الناصري هو الواجهة العلنية للحرب الباردة بين المعسكر السوفياتي والمعسكر الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية. وكان الضرر الأكبر جراء ذلك قد أصاب حركة التحرر العربية وفي مقدمتها اعلان الانفصال في الجمهورية العربية المتحدة في ايلول 1961، أي في سياق التمرّد البارزاني.

وفي الإيقاع نفسه احتقنت المفاوضات النفطية العراقية مع شركة نفط العراق وطالب عبد الكريم قاسم علناً في حزيران 1961 برجوع الكويت اليه باعتبارها كانت جزءاً من الممتلكات العراقية العثمانية. وفي تلك الآونة توصل السوفيات الى عقد صفقة مع بريطانيا ـ ماكميلان في برلين في آب 1961 وإقامة الجدار المشهور وتراجع السوفيات قبلها، في أيار 1959، عن اشتراك الحزب الشيوعي العراقي في السلطة السياسية مع قاسم.

كانت اللوحة معقدة ومركبة وتتحمل الكثير من التأملات والغزير من التوقعات. ولكن الشرارة التي ألهبت مخزن المواد المشتعلة في العراق هي الأحداث الدامية في الموصل والانقلاب العسكري الفاشل للعقيد عبد الوهاب الشواف، في 8 آذار 1959، وهو من كبار ضباط البونابرتية العسكرية والطامح إلى موقع قيادي في قبضتها الحديدية.

في دمشق العظيمة خرجت الملايين تندّد بالمجازر وتوجّه الاتهامات المباشرة لكل الدول الكبرى في التآمر ضد المشروع العربي الناصري الصاعد. وقد خطب عبد الناصر في 13 آذار 1959 وأشار بوضوح وبطريقة لا تعطي الانطباع بردود الفعل العاطفية، وإن لم يتجنب اسلوب القدح السياسي الحاد بإشارته الى ان القوى الكبرى كلها تتآمر على العرب والوحدة والعراق، وبأن السوفيات يسعون الى تمتين مواقع عبد الكريم قاسم في بغداد عن طريق أدواته في الحزب الشيوعي العراقي والالتفات بعدها نحو الإقليم الشمالي، سوريا، للجمهورية العربية المتحدة، تمهيداً لخلق «الهلال الخصيب الشيوعي».

وكان قاسم يتحدّث علناً عن انبثاق جمهورية فلسطين الخالدة وتحريرها من الاحتلالين الإسرائيلي والمصري. وطالب أيضاً في تصريحاته وخطاباته بتحرير سوريا من الاحتلال المصري وإعادة تطبيق فكرة الهلال الخصيب بنسخة سياسية جديدة ومعدّلة.

لندن وموسكو تتلاعبان بقاسم

لم تكن كلمات الهلال الخصيب قد أطلقت على عواهنها. ذلك أن الوثائق البريطانية حول العراق في تلك الفترة تشير الى أن السفير البريطاني في موسكو باتريك رايلي، قد رفع مذكرة خطيرة الى وزارة الخارجية البريطانية، بتاريخ 21 نيسان 1959، مطعّمة بمساجلات جرت له مع السير همفري تريفليان السفير البريطاني في بغداد، حصيلتها أن الاتحاد السوفياتي لديه خطة متكاملة في إنشاء الهلال الخصيب الشيوعي في المنطقة نواتها العراق وسوريا لاحقاً.

ويبدو من خلال تقارير لاحقة أن السوفيات تراجعوا عن فكرتهم بعد المقايضة مع ماكميلان في برلين، وبأن خروتشوف يعتبر العراق ليس عربياً كاملاً، وقرر معاقبة قاسم بالانعطاف نحو البارزانية العسكرية ومساندتها في إشعال التمرّد العسكري في ايلول 1961، تمهيداً لخلق دولة كردية من المناطق الكردية في تركيا وايران والعراق وقلب الطاولة على الغرب. وتؤكد أوراق الشاي المهرّبة من ضباط ومراتب سياسية سوفياتية مهمة فضحت ملفات المخابرات السوفياتية بعد الانهيار، العملية المخابراتية الكبيرة التي قام بها مدير الـ «كي بي جي» الكسندر شيليبين في تقريره الخاص الى خروتشوف في تموز العام 1961.

الهدف المباشر لبناء الدولة الكردية كان زعزعة مصالح الغرب في المنطقة واقناع عبد الناصر لاحقاً بضم العراق العربي الى الجمهورية العربية المتحدة. وقد نشر المعارض السياسي للبارزانية والكاتب الكردي المعروف، كمال سيد قادر، والذي حاول مسرور بارزاني اغتياله في فيينا، معلومات مفصلة من ملفات المخابرات السوفياتية المعروفة باسم الضابط فاسيلي متروخين حين انشق الى بريطانيا في العام 1992، وكذلك الملفات التي ترجمها السياسي والأكاديمي الروسي فلاديسلاف زوبوك.

وكشفت الاكاديمية المصرية في جامعة الزقازيق، سمر فضل محمد، في أطروحتها «الأكراد تحت حكم عبد الكريم قاسم» تفاصيل النشاط السوفياتي المذكور ودور السكرتير الأول للسفارة السوفياتية في بغداد ناسكوف في تمويل وتسليح التمرد البارزاني.

أما اللولب السياسي المتحرك بين السوفيات والبارزاني وبقية القوى العراقية والعربية، فكان يفغيني بريماكوف مراسل «برافدا» والصحافي المشهور والذي أصبح لاحقاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مديراً للمخابرات الروسية ورئيساً للوزراء في روسيا الحالية. بل إن السفير البريطاني، تريفور ايليس ايفانز، في العراق العام 1968 يؤكد في إحدى الوثائق أن السوفيات استمروا في المعونات المالية للقادة الكرد ومنهم جلال الطالباني عن طريق وكيل لهم عراقي يعمل في الفرع العراقي للشركة العربية المصرية الشهيرة «المقاولون العرب».

وهذه الوثائق نفسها تؤكد، كما العديد من الأوراق العراقية الرسمية، بأن للسوفيات دوراً مركزياً في ارساء التفاهم مع الرجل الثاني في العراق صدام حسين حول حل المسألة الكردية في 11 آذار 1970، وكيف تعاون صدام مع السياسي العراقي عزيز شريف المعروف بصلاته الحميمة مع السوفيات والملا مصطفى في الوقت نفسه وهو يتمتع بالثقة الكاملة من قبل قيادة عزيز محمد للحزب الشيوعي العراقي. وكان الرجل الثالث في هذه الحلقة هو بريماكوف نفسه.

نهاية الجغرافيا السياسية وبداية التاريخ المختلط

إذا كانت الأهداف الداخلية الواحدة للقيادات الكردية المتعدّدة تبدو أنها تسير في اتجاه واحد من الناحية السياسية من أجل تحقيق التطابق المدهش بين البارزانية العسكرية والمآرب الخارجية، فإن التناقضات الداخلية الحادّة في صفوف الحركة الكردية في المراحل الانشقاقية، تؤدي دائماً إلى الانقسامات الجغرافية وزيادة تسلح كل الأطراف. إنها سياسة تسمين العجول دائماً من أجل ذبحها في الحروب المطلوبة.

إن الانقسامات الجغرافية العسكرية تسير بالتفصيل على هدى الخرائط الاقليمية الدولية في تحديد معالم الطريق في كل حقبة. لكن الانقسام الجغرافي العسكري الأكثر وضوحاً هو في الخط الفاصل بين المنطقة الشمالية التي تسيطر عليها البارزانية السياسية وتشمل اربيل ودهوك، وبين المنطقة الجنوبية والتي يسيطر عليها تحالف الحزب الطالباني مع تنظيم «غوران» وبعض التنظيمات الإسلامية ومركزها السليمانية. وتتقاسم هذه القوى مناطق كركوك وبقية الأراضي المتنازع عليها مع حكومة بغداد.

لقد استمر هذا الوضع منذ اتفاقية واشنطن في سبتمبر/أيلول العام 1998 لوقف الاقتتال البارزاني الطالباني ولاسيما بعد الاستعانة البارزانية بالجيش العراقي في نهاية أغسطس/آب العام 1996. ولم يتمكن الاحتلال الانغلوسكسوني في العام 2003 من توحيد المنطقتين الا بشق الأنفس، حين فرضت عليهما الوحدة الادارية والسياسية في كانون الثاني العام 2006 من أجل إنجاح «العملية السياسية»، والإيعاز الاميركي للكردية المسلحة بالانضباط الكامل ضمن الأجندة الجديدة للاحتلال.

الآن ترتفع مرة ثانية جدران التقسيم الإداري الى سنجقين، حيث تشجع تركيا السنجق البارزاني للمزيد من التوغل في عمق العراق وتفتيته، وتدعم إيران السنجق الطالباني في السليمانية حماية لحدودها الكردية من النشاطات العسكرية ومنعاً لازدياد النفوذ التركي أو تقنينه في العراق.

إن الصراع القائم الآن في الإقليم الكردي حول تجديد رئاسة مسعود البارزاني أو محاولات تغيير الهيكلية السياسية من المضمون الرئاسي إلى الصيغة البرلمانية، هو انعكاس مباشر لتفتت دور البارزانية السياسية في مساعيها الدؤوبة لتقسيم العراق، وهو تعزيز للخلافات السياسية والعسكرية مع حزب أوغلان من جهة، وتعبير عن عجز البارزانية العسكرية، من دون الدعم الجوي الاميركي، في مواجهة مخاطر احتلال «داعش» للسنجق الكردي، من جهة أخرى.

وفي النهاية، يستعيد الاحتلال والنفوذ الأجنبي الملكيات العقارية السياسية لأشباه الرجال والزعامات السياسية المرتبطة بالمصالح الخارجية، بعدما تمت مصادرة حصة الله في هذه اللصوصية العلنية، وطار أدراج الرياح وطن الشعب العراقي المغلوب على أمره.

  كلمات مفتاحية

العراق الحركة الكردية المسلحة البارزاني الطالباني حزب البعث العراقي الولايات المتحدة مشروع ايزنهاور جبهة الاتحاد الوطني

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (2)

الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق (1)