فرنسا تتبرأ من حفتر وتهاجم فاجنر.. لماذا الآن؟

الخميس 2 يوليو 2020 09:34 ص

بعد أن كانت أكبر داعميه الأوروبيين دبلوماسيا ولوجيستيا، وصمتت عن آلاف القتلى والمجازر التي ارتكبها رجاله، تبرأت فرنسا أخيرا من الجنرال الانقلابي "خليفة حفتر"، لكن بعد ماذا؟ ولماذا الآن؟

فالرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، الذي راهن على "حفتر"، في الدفاع عن مصالح بلاده وشركاتها النفطية في ليبيا، ها هو اليوم على وشك أن يخسر آخر أوراقه.

ففي ندوة صحفية مشتركة مع المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، نفى "ماكرون" بوضوح دعمه لـ"حفتر"، وأعلن عدم رضاه على هجومه على العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019.

وبعد أن واصل هجومه المتكرر على تركيا، التي أجهضت مشاريعه الاستراتيجية في ليبيا، انتقد "ماكرون" لأول مرة روسيا، حليفته "السابقة" في دعم "حفتر"، وشركتها الأمنية "فاجنر"، وأشار إلى أنه تحدث مع الرئيس "فلاديمير بوتين" في هذا الشأن.

وزير الخارجية الليبي "محمد الطاهر سيالة" رد على الرئيس الفرنسي بجملة لها مغزى: "ليت كان ذلك قبل 14 شهرا".

فالزمن هنا يفرق، فقبل 14 شهرا كانت طرابلس تواجه لوحدها معركة البقاء، أمام زحف غادر لمليشيا "حفتر"، استبق مؤتمرا أمميا للسلام، في حين تكتلت عدة دول، بينها فرنسا، خلف الجنرال الانقلابي للإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا.

وإنكار "ماكرون" أن بلاده لم تدعم "حفتر" ولم تؤيد هجومه على طرابلس مسألة تدعو للذهول والاستغراب.

فقبل عام واحد فقط اعترفت باريس أن صواريخ جافلين الأمريكية التي عثر عليها الجيش الليبي بعد تحريره مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) تعود ملكيتها للجيش الفرنسي.

بل زعمت باريس أن تواجد عناصرها في غريان، مركز قيادة عمليات "حفتر" الرئيسي في عدوانه على طرابلس، كان بهدف "مكافحة الإرهاب!"، دون إعلام الحكومة الشرعية أو بالتنسيق معها.

لكن التنسيق جرى مع جنرال انقلابي يسعى للإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا، في حرب دموية ارتكبت فيها الكثير من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية الموثقة، والتي قد تجعل باريس متورطة جنائيا في هذه الجرائم بشكل من الأشكال.

فدور باريس في حرب ليبيا، لا يحتاج كثير جهد لإثباته، فيكفي اعترفات الرئيس الفرنسي السابق "فرانسو أولاند" بمقتل جنود فرنسيين في ليبيا في 2016 خلال أداء مهام عسكرية، وقبله توقيف جنود فرنسيين في تونس تبين بعد التحقيق معهم أنهم فروا من ليبيا حيث كانوا يوفرون الدعم المعلوماتي والتخطيط لمليشيا "حفتر".

  •  حقل الشرارة.. كلمة السر

تأخرت باريس 14 شهرا لإدانة هجوم "حفتر" على طرابلس، و12 شهرا بعد انكشاف أسلحتها في غريان، ولم تدن تورط شركة "فاجنر" الروسية في العدوان على طرابلس طيلة 9 أشهر، فما الذي تغير حتى تتبرأ من حفتر الآن، وتدين "فاجنر" بهذه الحدة؟

السبب الرئيسي المعروف أن "حفتر" هُزم هزيمة ساحقة في حربه على طرابلس، وتراجع شرقا وجنوبا عن دائرة قطرها يتجاوز 400 كلم، و"المنهزم لا صاحب له"؛ لذلك تخلت عنه فرنسا مثلما فعل السودان واليونان وقبلهما إيطاليا.

لكن السبب الحقيقي وراء هجوم "ماكرون" على "فاجنر" وإثارة الأمر مع "بوتين"، هو تحرك مرتزقة "فاجنر" نحو حقل الشرارة النفطي، في أقصى الجنوب الغربي الليبي، بالقرب من مدينة أوباري (نحو ألف كلم جنوب غرب طرابلس)، وسيطرتها عليه الأسبوع الماضي، بعدما كادت وحدات موالية للحكومة الليبية أن تستعيده.

ويعد هذا الحقل أكبر حقل نفطي في ليبيا وقد يصل إنتاجه إلى 300 ألف وحتى 400 ألف برميل يوميا في حالات الذروة، واحتياطاته تبلغ 3 مليارات  برميل.

لكن أهم تفصيلة في هذه النقطة، أن شركة توتال النفطية الفرنسية لها أسهم ضمن مشروع حقل الشرارة، الذي تديره المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، بالشراكة أيضا مع شركات "ريبسول" الإسبانية، و"أو إم في" النمساوية، و"إكوينور" النرويجية.

فعندما تقترب شركة أمنية روسية من حقل الشرارة، الذي يستثمر فيه عملاق النفط والغاز الفرنسي أموالا كبيرة منذ سنوات، فهنا نكون دخلنا "مجال النفوذ الفرنسي" في ليبيا، وهذا سبب غضبة "ماكرون" من "فاجنر".

لذلك اتصل ماكرون بـ"بوتين"، هاتفيا، الجمعة، للتعبير عن إدانته لنشاط "فاجنر" في ليبيا، بينما أبلغه "بوتين" أن "المتعاقدين الخاصين" (مرتزقة فاجنر) لا يمثلون روسيا.

وعلق "ماكرون" على تبرؤ "بوتين" من "فاجنر" بأنه "يلعب على هذا التناقض".

لكن ليس "بوتين" وحده من يلعب على التناقض، بل "ماكرون" يتخبط أيضا في تناقض مريع بليبيا، فكيف يدعم بلد ديمقراطي جنرال انقلابي للوصول إلى السلطة بالقوة العسكرية، وإقامة نظام ديكتاتوري يتوارثه أبناؤه!

كما أن نشاط "فاجنر" في ليبيا منذ سبتمبر/أيلول 2019، لم يثر قلق باريس إلا بعدما وصل مرتزقتها إلى مناطق نفوذها في جنوب غرب البلاد.

  • المربع الأحمر الفرنسي

منذ احتلال فرنسا لإقليم فزان الليبي (جنوب غرب) في 1943، عقب هزيمة إيطاليا ودول المحور في معركة العلمين، خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ظلت تعتبره منطقة نفوذ خالصة لها، حتى بعد استقلال ليبيا في 1951.

فليبيا تقع شمال ما كان يسمى بالسودان الفرنسي (المستعمرات الفرنسية غرب أفريقيا)، وفزان يمثل الامتداد الطبيعي لهذه المنطقة، ومدخلها الشمالي الشرقي نحو أوروبا.

ويكفي الإشارة إلى أن أول دولة تأثرت أمنيا بعد سقوط نظام "معمر القذافي"، في 2011، هي مالي (مركز السودان الفرنسي)؛ حيث سقطت كامل منطقتها الشمالية في يد التنظيمات الانفصالية والإرهابية في 2012.

وحتى بعد تدخل فرنسا بمالي في 2013، إلا أن فزان اتخذته التنظيمات الإرهابية العابرة للصحراء الأفريقية الكبرى قاعدة خلفية لنشاطاتها، ومنطقة للتزود بالأسلحة والوقود والعلاج، ونقطة انطلاق للهجوم على دول الجوار وبالأخص النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، بل حتى ما وراء نهر النيجر.

وتم في منطقة الساحل الإفريقي استهداف مصالح فرنسا واختطاف رعاياها، على غرار اختطاف 5 موظفين فرنسيين في شمال النيجر في 2010، يعمل بعضهم لدى مجموعة أريفا النووية الفرنسية التي تتولى استخراج اليورانيوم من شمال النيجر، غير بعيد عن الحدود الليبية.

لذلك تولي باريس أهمية خاصة لإقليم فزان مقارنة بإقليمي طرابلس وبرقة، سواء اقتصاديا وأمنيا.

ودخول "فاجنر" إلى حقل الشرارة يعني أيضا أن لاعبا أمنيا جديدا غير مرغوب فيه دخل ساحة الصراع بالساحل الأفريقي، التي احتكرتها فرنسا طوال عقود.

وهذا ما يفسر تبرؤ "ماكرون" من دعم "حفتر"، الذي أصبح يهدد المصالح الفرنسية في فزان، والذي تزامن مع إعلان قبائل موالية للجنرال الانقلابي إعادة فتحها للحقول والموانئ النفطية بعد نحو 6 أشهر من إغلاقها.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

الحرب الليبية خليفة حفتر فاجنر فرنسا

مسؤول تركي يحمل فرنسا مسؤولية المقابر الجماعية في ليبيا

تركيا أجبرت فرنسا على الحياد بليبيا بعد دعمها لحفتر المنهزم

إيطاليا ترحب بتشكيل مجلس إقليم فزان في ليبيا