استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأبعاد السياسية في عودة جامع أيا صوفيا

الاثنين 13 يوليو 2020 08:41 ص

الأبعاد السياسية في عودة جامع أيا صوفيا

كان بقاء هذا المسجد متحفاً رمزا لعصر الضعف والتدخلات الأجنبية في تركيا.

عودة المسجد انعتاق من لحظة تاريخية بائسة واستكمال لاستقلال تركيا عن التأثير الأوروبي المهيمن.

انتقال تركيا التدريجي نحو قوة إقليمية قائمة بذاتها جعل إعادة الجامع رسالة للخارج بأن زمن التبعية للغرب قد ولى!

سيمثل مشهد الصلاة الأولى التي توافق ذكرى انقلاب فاشل دعمته العديد من الدول المعترضة على القرار اليوم غصة في حلوقهم!

*     *     *

قبل سنوات زرت كلاً من جامع أيا صوفيا وجامع قرطبة في رحلات مختلفة، في كلتا الزيارتين تملكني نفس الإحساس تكاد تشعر بزوايا المكان تئن بحثاً عن ركع سجود!

تشعر بأنين خفي لمبنى ظل مئات السنين يستقبل المصلين وانتهى به الحال معلماً سياحياً أجوف في إسطنبول، وعادت علامات الكنيسة المطموسة للظهور في المتحف.

وفي قرطبة بني مذبح كنسي يتوسط المسجد وكلا المبنيين تنازعتهما هويات سابقة ولاحقة لكن بغض النظر عن ذلك كله بإمكانك تجاوز كل ذلك الجدل بين التاريخ والسياسة حين تقف أمام المحراب مستحضراً تكبيرات أجيال من المصلين يدخلون تباعاً مستجيبين للأذان يرتفع من مآذن هذه المساجد.

وفي الحالتين بإمكانك تخيل تلك اللحظات التي توقفت فيها الصلاة وأوصدت الأبواب وكيف كان أثر ذلك في قلوب المسلمين، واحد من هذين المسجدين يعود اليوم ويصدح بالأذان، ونسأل الله أن نعيش لنسمع الأذان من مآذن جامع قرطبة الكبير.

وبعيداً عن الجانب الروحي المتعلق بعودة أيا صوفيا مسجدًا جامعًا، أود التوقف عند الأبعاد السياسية لهذا القرار، خاصة وأن ردود الأفعال السياسية عليه جاءت متفاوتة ومتوافقة مع السياق السياسي العام ودون ارتباط بالضرورة بانتماء ديني أو عقائدي.

البعد السياسي الأول للقرار يكمن في أصل تحول المسجد إلى متحف عام 1934، فرغم الصبغة العلمانية المتطرفة لعصر تأسيس الجمهورية والحملة على المساجد في عام 1928 والتي تبعت مجموعة من القوانين العلمانية إلا أن سبباً سياسياً آخر كان الدافع الرئيسي خلف فقدان الجامع صفته كدار عبادة.

في بداية الثلاثينيات واجهت تركيا تهديداً إيطالياً وبلغارياً مع تنامي الفاشية وزيادة التوترات الناتجة عن الخلافات الحدودية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى وكانت مجموعة من دول المنطقة قد بدأت الحوار حول ما سمي لاحقاً حلف البلقان والذي ضم كلاً من يوغسلافيا واليونان ورومانيا وتركيا وهدف إلى تحييد الخلافات بينها والوقوف جبهة واحدة أمام أطماع الدول المحيطة.

وحسب الرواية التي نقلها جلال بايار، رئيس وزراء تركيا آنذاك، فإن رئيس الوزراء اليوناني أخطره بأن تحويل المسجد والذي يعتبره اليونانيون الأورثذوكس كنيستهم الأهم المسلوبة إلى متحف سيمثل بادرة حسن نية ستدفع ببقية الدول المنخرطة في المفاوضات للقبول بانضمام تركيا.

وحسب المصدر نفسه عند نقل هذا الأمر إلى مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال استحسن الفكرة خاصة وأن إدارة الأوقاف في حينه أبلغته أنها ليست قادرة على ترميم المبنى.

وبالتالي اتخذ مجلس الوزراء قراراً بهذا الشأن وتحول المسجد إلى متحف ووقعت اتفاقية حلف البلقان في نفس العام بمشاركة تركية، وبالتالي ومنذ تلك اللحظة كان بقاء هذا المسجد متحفاً رمزاً لعصر الضعف في تركيا والتدخلات الأجنبية.

عودة المسجد بالتالي تشكل انعتاقاً من تلك اللحظة التاريخية واستكمالاً لاستقلال تركيا عن التأثير الأوروبي المهيمن، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى ظلت تركيا والتي نجحت في منع الاحتلال الأوروبي لمعظم أراضيها تحاول الاتجاه غربا.

وظل الغرب ينظر لها باعتبارها فرسا ينبغي ترويضه، ولكن الانتقال التدريجي لتركيا باتجاه أن تكون قوة إقليمية قائمة بذاتها في العهد الحالي والتوتر الحاصل مع أوروبا وخاصة بعد المحاولة الانقلابية ورفض الدول الأوروبية قبول استقلالية القرار التركي جعل من إعادة الجامع رسالة سياسية للخارج بأن زمن التبعية التركية للغرب قد ولى.

أما على المستوى الداخلي فالبعد السياسي لهذا القرار يكمن في جانبين الأول هو حاجة الرئيس التركي إلى إرسال رسالة بأنه مازال قادراً على اتخاذ قرارات شعبية جريئة تتوافق أكثر مع رغبات قواعده الانتخابية خاصة وأن الجيل الجديد من الأتراك والذي لم يعرف غير أردوغان حاكماً لم يره وهو يقوم بإصلاحاته الكبرى في الشأن التركي بل شهدوه يصارع خصومه بدءًا من قضية (انقلاب) أورغانكون وانتهاءً بصراعه مع حلفاء الأمس.

ويأتي هذا القرار ليعيد رسم صورة أردوغان كمجدد في تركيا، والأمر الآخر هو أن خسارة الانتخابات البلدية في إسطنبول مثلت ضربة للحزب الحاكم وشعبيته ومن خلال إحداث مثل هذا التغيير الضخم في إسطنبول نفسها يعاد إلى الأذهان أن أردوغان بدأ مسيرته بنجاحه في رئاسة بلدية إسطنبول علماً بأن عهده شهد مما شهد ترميم أيا صوفيا بعد أن تعرضت قبته النحاسية لشرخ هدد كل الآثار في المبنى.

وما سيثيره هذا القرار من ضجة إيجابية وسلبية حوله يسحب البساط من محاولة تسويق إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول المنتمي لحزب الشعب الجمهوري وما يقوم به في المدينة.

ردود الأفعال الناقدة لقرار أردوغان من العديد من الحكومات الغربية والشرقية لا يمكن فهمها إلا في سياق رفض أمرين:

- الأول هو أن تحقق تركيا استقلالاً كاملاً في القرار،

- والثاني هو المركزية السياسية الإسلامية لتركيا.

لذلك نجد أن التصريحات لم تأتِ من الدول ذات الأغلبية الأورثذوكسية فحسب بل جاءت من كل من استفاد من التبعية أو الضعف التركي مثل دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية الرافضة لمواقف أردوغان الإسلامية والداعمة للتغيير في المنطقة.

سيمثل مشهد الصلاة الأولى التي تتزامن مع ذكرى الانقلاب الفاشل الذي دعمته العديد من الدول المعترضة على القرار اليوم غصة في حلوقهم نسأل الله أن تطول.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر.

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية

ميدل إيست آي: هل كان أردوغان محقًا في قرار آيا صوفيا؟

للمرة الأولى منذ 88 عاما.. إقامة صلاة التراويح في مسجد آيا صوفيا بإسطنبول