ميدل إيست آي: هل كان أردوغان محقًا في قرار آيا صوفيا؟

الجمعة 17 يوليو 2020 01:15 م

عندما صلى السلطان العثماني "محمد الفاتح" في "آيا صوفيا" بعد فتح القسطنطينية في 29 مايو/أيار 1453، أشار ذلك إلى تحول في توازن القوى في الأناضول لصالح قوة جديدة شابة، وهي الأتراك المسلمين، الذين خرجوا من آسيا الوسطى.

ولكن بعد 5 قرون، في 1 فبراير/شباط 1935، عندما أعلن "كمال أتاتورك" تحويل آيا صوفيا إلى متحف، كانت نقطة تحول أخرى، حيث كان ذلك بداية عصر الكمالية، والتغريب القسري والعلمنة.

تمزقت سجادة صلاة "آيا صوفيا" الضخمة الثمينة وتم هدم المدرسة الملحقة به التي كانت بمثابة أول جامعة عثمانية، وجرى صهر الشموع الضخمة التي أضاءت قاعات الصلاة، وتم تدمير مئذنة بيازيد الثاني الصغيرة وكان من المقرر أن تحذو بقية المآذن حذوها، لو لم يتبين أنها تدعم القباب، التي كانت ستنهار بعد ذلك، مما كان سيؤدي إلى انهيار الصرح بأكمله.

المشروع الكمالي

كان هذا التحول الذي أصاب "آيا صوفيا" إعلانًا مدويًا لمشروع الكمالية، الذي جعل القضاء على التراث الديني في تركيا أولوية قصوى. ولاحقا، جرى استبدال الخط العربي العثماني لصالح الأبجدية اللاتينية، وحظر الدعوة إلى الصلاة باللغة العربية، وحظر الزي الإسلامي التقليدي، وإغلاق المئات من المساجد والمدارس والأضرحة والأوقاف الدينية، لتستكمل بذلك مظاهر التطرف العلماني الكمالي.

كانت الرسالة واضحة لا لبس فيها: لن يكون هناك تسامح مع التعبير الديني بأي شكل أو شكل ولا حتى مع الطقوس والممارسات العادية الدنيوية

ومن الواضح أن "أتاتورك" في استخدام الشرعية التي اكتسبها بسبب دوره في النضال الوطني لشن حملة ضارية ضد الإرث العثماني للبلاد، لصالح التحديث الذي تفرضه الدولة والعلمنة العسكرية، والطموحات الشخصية.

لاحقا بعد 3 عقود، سعى رئيس الوزراء المنتخب، "عدنان مندريس"، بالرغم من أنه ليس إسلاميًا، إلى وقف هذا الاعتداء الشرس على ثقافة المجتمع وهويته، من خلال إعادة الدعوة إلى الصلاة (الأذان) باللغة العربية، فقد تمت الإطاحة به عبر انقلاب عسكري وحشي، قبل أن يتم إعدامه في سبتمبر/أيلول 1961.

مسار جديد

منذ ذلك الحين، تدفقت الكثير من المياه تحت جسور إسطنبول. ووجد الحراس العسكريون للعلمانية أنفسهم وجهاً لوجه مع حركة الأسلمة التي انبثقت من أعماق المجتمع التركي، من المساجد والأضرحة والمدارس والجامعات.

في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، بدأت هذه الحركة الشعبية الضخمة سريعة النمو تتخذ طابعًا سياسيًا هادئًا. وكان الشاب "رجب طيب أردوغان" نفسه جزءًا من هذه الحركة الصاعدة قبل انتخابه رئيسًا لبلدية اسطنبول، ليبدأ منذ ذلك الحين في رسم مسار مختلف عن مسار معلمه "نجم الدين أربكان".

في ضوء ذلك، من الواضح أن قرار "أردوغان" الأخير بإعادة "آيا صوفيا" إلى وضعها السابق كمكان للعبادة، لا علاقة له في الواقع بالصراع بين الإسلام والمسيحية، أو الكنيسة والمسجد، ولكنه يعد جزءا من التوجه الذي ماجت به تركيا على مدار العقود الأربعة الماضية والذي يدور بالأساس حول رفض العلمنة العسكرية والتغريب القسري من أعلى إلى أسفل.

من خلال تفحص تصريحات "أردوغان" العامة وخطاباته قبل أن يصبح رئيس بلدية إسطنبول، لا يسع المرء إلا أن يرى الإشارات المتكررة إلى "آيا صوفيا". وبالرغم من أنه أعرب في كثير من الأحيان عن تردده في تغيير وضعها، خوفًا من أن يتم ذلك في لحظة غير دقيقة، فإن هذه الخطوة كانت موجودة إلى أجندته منذ زمن طويل.

ومثلما كان الإعلان عن تحول "آيا صوفيا" إلى متحف يرمز إلى القطيعة مع الماضي العثماني لتركيا ويؤكد  على صعود العلمانية الغربية، فإن إعادته كمسجد يعني استعادة البلاد لطريقها، توافقها مع ماضيها العثماني القريب.

تحولات متناقضة

يأتي هذا في الوقت الذي يحتدم فيه صراع الشرعية في جميع أنحاء المنطقة بين مختلف القوى. ففي السعودية، انتقل الحاكم الفعلي، ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، من الوهابية التي تفرضها الدولة إلى نموذج عدواني للتغريب الذي تفرضه الدولة، في تناقض حاد مع وضع البلاد كوصي على الحرميت الشريفين مكة والمدينة.

في مصر المجاورة، فقد الأزهر، الذي كان ذات يوم مركزًا قويًا للإسلام السني، كل نفوذه ومصداقيته. ويُنظر إلى شيوخه الآن كمسؤولين عينتهم المخابرات العسكرية لإضفاء الشرعية على سياسات الرئيس "عبدالفتاح السيسي".

كما أن العداء الشديد تجاه الإسلام السياسي الذي يشترك فيه البلدان (إلى جانب الإمارات) دفعهما إلى العداء تجاه الإسلام نفسه.

في غضون ذلك، كانت تركيا تسير في الاتجاه المعاكس: مؤكدة أوراق اعتمادها كزعيم للإسلام السني ومستثمرة في صورتها الرمزية بوصفها وريث الإمبراطورية العثمانية.

وبالرغم من أن إعادة "آيا صوفيا" إلى طبيعته كمسجد هو شأن تركي محلي، فقد تردد صدى ذلك في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وأشاد أنصار "أردوغان" به كزعيم مسلم قوي مقابل الملوك والرؤساء العرب الضعفاء الذين ينظر إليهم على أنهم متواطئون في الكثير من معاناة المسلمين من أجل المحافظة على حكمهم الفاسد المستبد.

بعد القرار الأخير بشأن "آيا صوفيا"، علق العديد من المسلمين على أن أولئك الذين غضبوا من هذه الخطوة لم يتأثروا بتحويل المساجد إلى كاتدرائيات، وتدمير ومصادرة مئات الآثار الإسلامية الأخرى في إسبانيا والبلقان وإيطاليا وروسيا والهند وأجزاء أخرى من العالم. في نظرهم، كان هذا مجرد تجسيد آخر للنفاق الغربي والمعايير المزدوجة.

لذا على الرغم من جميع الهجمات ضده في وسائل الإعلام الغربية والعربية، يبدو إلى الآن أن "أردوغان" قد فاز في سباق الشرعية.

المصدر | سمية الغنوشي/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أيا صوفيا

رسائل «الفتح الثاني»: آيا صوفيا بوابة إردوغان إلى «العالميّة»

اليونان تعليقا على قرار تركيا بشأن آيا صوفيا: تافه وغير ضروري

الددو: قرار إعادة آيا صوفيا مسجدا صائب شرعا

الكرملين يعرب عن ارتياحه من تصريحات تركيا بشأن آيا صوفيا

تركيا تعتزم تغطية الرسومات على جدران آيا صوفيا أثناء الصلاة

الأبعاد السياسية في عودة جامع أيا صوفيا

حاكم الشارقة يطالب بإعادة مسجد قرطبة بإسبانيا للمسلمين