لماذا لا تثق الدول العربية في وساطة قطر ؟!

الأحد 3 أغسطس 2014 06:08 ص

فورين أفيرز (بلال صعب - ترجمة الخليج الجديد) - 30 يوليو 2014
 

إن أي متتبع للسياسة الخارجية القطرية خلال العقد الماضي أو كانت لديه فرصة للاطلاع على المادة السابعة من الدستور القطري نسخة 2003 التي تنص على ضرورة ألا تأل البلاد جهدًا في أن تكون بين لاعبي السلام الدوليين يمكنه أن يستوعب أن المحاولات الحالية للدوحة للتواصل بين إسرائيل وحماس ليس أمرًا وليد الصدفة. لقد أضحت عمليات التوسط في الصراعات أفضل منجزات السياسة الخارجية القطرية الحالية، حيث قامت بتوسطات دبلوماسية مشابهة قبل ذلك في اليمن 2007 و2008، ولبنان 2008، والسودان 2009 و2010. 

لقد حمل السياق السياسي الذي يدخل في إطاره التدخلات الدبلوماسية القطرية مخاطر كبيرة ناتجة عن استراتيجيات واسعة. فدور الدوحة الحالي في غزة يأتي وسط في أجواء حرب سعودية – إيرانية بالوكالة تجتاح الشرق الأوسط بأكمله إلى جانب صراع دائر داخل دول مجلس التعاون الخليجي الذي لم يمر في تاريخه بهذا الاستقطاب تشكل فيه قطر طرفًا أساسيًا. وعل الرغم من عدم تغير السياسة الخارجية القطرية، فإنه لا يبدو أنها قادرة على لعب دور جهة التحكيم المحايدة.

يبدو واضحًا أن الدوحة مدفوعة بفكرة أن الوقت الذي يبدو فيه خفوت تأثير القوى الإقليمية التقليدية (مصر والسعودية) يعتبر الوقت الأمثل لتحقيق مكاسب على الأرض على حساب نظرائها أو تتخطاهم في أحسن الأحوال.  ويهدف الدور القطري إلى تدعيم ورعاية نهوض حركات الإسلامي السياسي (لاسيما حركة الإخوان المسلمين وفروعها) التي تنظر إليها الدوحة على أنها أكبر قوى المنطقة السياسية عمقًا وحجمًا، وهو ما ينتج عن توسيع دائرة نفوذها. واستراتيجيتها المعلنة لتحقيق هذا الهدف هو تقديم الدوحة لذاتها على أنها وسيط هام في معادلة أكبر الصراعات التي تشهدها المنطقة.

لمصر والسعودية والإمارات مشكلات حادة مع السياسات الإقليمية لقطر. فبغض النظر عن رؤيتهم للدوحة على أنها وسيط أمين، فإنهم يعتبرونها كذلك لاعبًا دخيلا ومتطفلاً يسعى لتقويض تركيبة المنطقة ومصالحها السياسية والأمنية العليا. يدرك زعيم قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» أن هذه الدول تعتبر الإخوان المسلمين هو التهديد السياسي الداهم، لذلك فإنهم لا يألون جهدًا في  سحقه قدر ما استطاعوا. وهذا هو السبب وراء الإجراءات التي اتخذها للتأكد من عدم عزل قطر دبلوماسيًا: فقام بعقد شراكة مع رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوجان»، وأطلع واشنطون على خططه الدبلوماسية، وقام بترسيخ العلاقات مع طهران وتحسين العلاقات مع عمان. وعلاوة على ذلك، فإن «تميم»، تمامًا كما كان والده، يؤمن بأن العوائد المستحقة على نمط السياسة الخارجية التي يتبناه يفوق مخاطر الانعزال عن اللاعبين الإقليميين الآخرين.

ليست هذه المرة الأولى التي تدخلت فيها قطر في الشأن الفلسطيني. ففي أكتوبر 2006، قامت قطر بالتوسط بين حماس وفتح، على الرغم من تخطي الرياض لها بعد ذلك بعام بتوقيع إتفاق مكة الذي تمخض عنه حكومة الوحدة الوطنية التي لم تدم طويلاً.  بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، قام «خالد مشعل» رئيس المكتب السياسي لحماس بمغادر دمشق التي حل على حكومتها ضيفًا قبل ذلك بأعوام واستقر به المطاف في الدوحة. ومن موقعه هناك، يقوم «خالد مشعل» بالقيام بمهامه في التنسيق للأنشطة السياسية والعسكرية لجماعته في غزة، تحت توجيه وإشراف القيادة القطرية.

والآن، تسعى قطر للاستحواذ صراحة على الموقع المصري التقليدي في الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويرى مسؤولون مصريون أن حماس رفضت الخطة المصرية لوقف إطلاق النار بسبب حديث قطر عن إمكانية الوصول لاتفاق أفضل من الاتفاق المصري. والآن ترى حماس (وقطر) أنه لا يمكن الوصول لوقف لإطلاق النار ليس من ضمن شروطه رفع الحصار الاقتصادي المفروض من قبل إسرائيل ومصر على القطاع والعودة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليه في الجولة السابقة للحرب في 2012 والتي وعدت بإيقاف صواريخ المقاومة عن أراضي إسرائيل الجنوبية مقابل تسهيل العبور عبر المعابر.

«عبد الفتاح السيسي» قائد الانقلاب العسكري، ومؤسسة الجيش المصري الذين يظهرون العداء لقطر بسبب اصطفافها مع الرئيس «محمد مرسي» لن يقبلوا بأن يمرر الملف الفلسطيني إلى قطر في سلام، خصوصًا في ضوء أحداث غزة التي تجاور الحدود المصرية الشرقية وتؤثر بشكل مباشر في منظومة الأمن المصري. لكن المعركة السياسية التي تخوضها القاهرة ستكون أكثر تعقيدًا بسبب دعم شطر الشعب المصري للإخوان المسلمين وتعاطف جزء أكبر منه مع معاناة الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب فتح المعبر الحدودي بين مصر وفلسطين.

هذه الاعتبارات غلت يد «السيسي» والتي بسببها تعتبر التداخلات السعودية مع قطر نيابة عن مصر في غاية الأهمية. من الصعب بمكان معرفة ما تم بدقة في اجتماع الشيخ تميم مع العاهل السعودي الملك عبد الله في 2 يوليو في جدة، على الرغم من خروج الشيخ تميم بصورة سلبية جدا عن اجتماعه السابق بالملك «عبدالله بن عبدالعزيز» بالرياض منذ عدة شهور. ففي هذا الاجتماع، تم تعنيف وتوبيخ الشيخ تميم وأمره بوقف المساعدات الموجهة للإسلاميين المتطرفين في سوريا وقطع العلاقات مع الإخوان المسلمين في مصر وفي شتى بقاع المنطقة. ومنذ ذلك الاجتماع، خفت الطالع القطري في سوريا مقارنة بالمملكة العربية السعودية التي علا نجمها هناك، على الرغم من عدم حدوث تغير في سياساتها تجاه مصر ودعمها للإخوان المسلمين الذي يرى البعض أنه تم تكثيفه عن ذي أول. (منذ أسابيع، تردد في بعض وسائل الإعلام قيام السلطات الإماراتية بمداهمة خليه تابعة للمخابرات القطرية تحاول إعادة تجميع جمعية الإصلاح المنحلة التي يقال عن انتمائها للإخوان المسلمين)

مصادر مقربة للحكومة السعودية أفادت بأن الاجتماع الأخير بين الشيخ «تميم» والعاهل السعودي حفه اللطف والود. وقيل أن الملك «عبدالله» وفريق الأمن القومي التابع له قالوا في هذا الاجتماع للشيخ تميم أن الحدود المشتركة بين قطر والسعودية على شفا الإغلاق وأن عضوية بلده في مجلس التعاون الخليجي قد يتم تعليقها قبيل القمة السنوية الخامسة والثلاثون للمجلس والتي تستضيفها الدوحة أواخر هذا العام. لكن المؤكد أنهم تناقشوا في أمر غزة وأن موقف الملك السعودي لا يبدو أنه قد تغير حيال غزة حيث أكد أن كل الطرق التي تؤدي للتوسط حول غزة يجب أن تمر عبر القاهرة.

وصف البروفيسور «مهران كامرافا» الذي يشغل منصب الأستاذية في العلوم السياسية في جامعة جورجتاون بالولايات المتحدة دولة قطر قائلا: «دولة صغيرة وسياسات كبيرة». تشعر الدوحة أن الوقت قد حان لتوسيع نفوذها في المنطقة عن طريق تقديم نفسها كوسيط نزيه. لكنه وعلى العكس من عمان، التي تتميز في وساطاتها بعدم الإنحياز على الإبقاء على أدنى مستوى من الحضور الإقليمي والدولي، فإن قطر حسبما يراها غرمائها لا تقوم بأي شيء سوى الانحياز على الرغم من كونها صانعة سلام ناجحة. وترى الرياض وأبو ظبي أن تدخلات الدوحة في مصر وليبيا وسوريا تم تخطيطها لعودة المحادثات باسم الإسلاميين بدلاً من التركيز على حل الصراعات. وهو ما يجعلها مختلفة على كل حال. إن العديد من القوى الشرق الأوسطية مثل السعودية وإيران قد قامت بمثل هذا لفترات طويلة. ولهذا، فإنه يجب على قطر ألا تندهش من الأطراف الأخرى التي تعاملها كغريم يتزاحم من أجل النفوذ بدلاً من أن يرون فيها وسيطًا وليس طرفًا في المعارك.

  كلمات مفتاحية

وفد أمني قطري يتفاوض مع جبهة النصرة في جرود عرسال لتحرير الجنود المختطفين