قيود عسكرية خطيرة أمام الجيش المصري في ليبيا

الأحد 19 يوليو 2020 03:47 م

في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما نجحت حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من الأمم المتحدة في ليبيا، في تبديد المكاسب التي حققتها قوات الجنرال "خليفة حفتر" على مدار أعوام، أصدر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" تحذيرا ناريا أثناء جولة متابعة لقواته المسلحة.

وحذر "السيسي" المتورطين في ليبيا من التدخل العسكري المصري، إذا واصلت حكومة الوفاق وداعمتها تركيا حملتهما.

وفي حديثه عن مثل هذا الاحتمال، قال الرئيس المصري: "إذا اعتقد البعض أنه يمكنهم تجاوز هذا الخط، أقصد سرت والجفرة، فهذا خط أحمر بالنسبة لنا".

وتمثل منطقة الجفرة المركزية مسارا حيويا في غرب ليبيا، وتستضيف قاعدة جوية عسكرية ذات قيمة استراتيجية وكانت أساسية للعمليات العسكرية لقوات "حفتر" ضد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

أما مدينة سرت الساحلية التي تقع بين طرابلس ومعقل بنغازي في الشرق، فهي مفتاح السيطرة على الهلال النفطي الليبي، الذي كان مصدر معركة مستمرة بين الحكومات المتنافسة في البلاد.

ومنذ بداية تدخل تركيا في ليبيا عام 2020، استخدم "السيسي" خطابا قويا ومواقف عسكرية في شكل تدريبات واسعة النطاق للإشارة إلى استياء القاهرة وللتحذير من أنه قد يتدخل إذا تقدمت تركيا إلى المنطقة التي تعتبرها القاهرة حيوية بالنسبة لأمنها القومي.

وفي حين دعمت القاهرة قوات "حفتر" بالسلاح والتدريب والغطاء السياسي لأكثر من 6 أعوام، فقد لعبت دورا ثانويا مقارنة بدولة الإمارات الأكثر حزما، والتي كانت الداعم الرئيسي لحملة الجنرال المارقة.

ومنذ بداية حملة "حفتر" ضد طرابلس، قامت مصر بتمكين وتسهيل العمليات الإماراتية والروسية في ليبيا من خلال السماح لها باستخدام القواعد الغربية للبلاد ونقل الأسلحة عبر الحدود، لكنها لم تلعب دورا عسكريا مباشرا بنفسها.

ومع ذلك، فإن تراجع مكاسب "حفتر"، وتهديد منافس جيوسياسي لدود كتركيا، قد يدفع القيادة المصرية إلى التدخل بشكل مباشر.

ويبدو أن مصر الآن على استعداد لنشر قواتها في ليبيا بالرغم أن ما يمكن أن تفعله هذه القوات بشكل واقعي يبقى مثار جدل.

وفي حين أن حدود مصر مع ليبيا قد توفر لها فرصة لنشر القوات العسكرية في منطقة برقة الساحلية الشرقية في ليبيا، فإن الوصول إلى خط النزاع الغربي القائم بالقرب من طرابلس على بعد أكثر من ألف كيلومتر يعد مهمة صعبة، ما يحد بشكل فعال من مسارات العمل المتاحة للقاهرة.

ويعني التحدي المتمثل في الوصول إلى القوات العسكرية وتشغيلها على طول "الخط الأحمر" بين الجفرة وسرت، والمخاطر المحتملة للتصعيد مع تركيا، أن القاهرة ستسعى على الأرجح إلى تدخل رمزي.

وفي هذا السيناريو، سيتم استخدام القوات العسكرية المصرية لإجبار الأطراف المتحاربة في ليبيا على التفاوض تحت إشراف مصري، بدلا من الانخراط في أي قتال فعلي.

وتفضل مصر أن تترك الدفاع عن سرت والجفرة لحلفائها الإماراتيين والروس، الذين يدعمون "حفتر".

وإذا كانت القاهرة تنوي التحرك نحو خط سرت-الجفرة، فسوف تفرض العديد من التحديات اللوجستية والتشغيلية على الجيش المصري وقواته الجوية.

ومن المرجح أن يلعب هذان الفرعان العسكريان الدور الأكثر أهمية في أي انتشار. وبدلا من تقليد البصمة الخفيفة نسبيا لتركيا، التي ترجع جزئيا إلى القيود الجغرافية وبعد المسافة أيضا، تشير التدريبات في مصر إلى أن أي تحرك إلى جارتها من المحتمل أن تشمل تشكيلات تقليدية خطيرة، والتي تشمل ألوية مدرعة وفرق مقاتلة تكتيكية، والسفن الحربية البحرية.

ويمثل هذا النشر تحديات متعددة للجيش المصري، فإن خطوط الإمداد الطويلة تتطلب تشكيلات قتالية لجمع مخزونات وتأمينها ليتم نقلها عند الحاجة بدلا من الاعتماد على إعادة الإمداد المستمرة، نظرا للمسافة بين سرت والجفرة والحدود المصرية الليبية، واحتمال الاستهداف من قبل الطائرات التركية المسلحة بدون طيار.

وسوف يسمح هذا الوضع بهجمات قصيرة فقط، ولكن إذا تم استنفاد الإمدادات، فقد تتعرض القوات البرية المصرية لخطر خسارة كبيرة.

وقد تواجه القوات القتالية البرية المصرية تحديات إضافية وهامة إذا كانت القوات الجوية للبلاد غير قادرة على توفير الدعم الجوي المستمر والحماية من تهديدات الطائرات بدون طيار التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني.

وفي حين أن الطائرات المقاتلة التي تستخدمها القوات الجوية المصرية يمكن أن تصل إلى خط سرت-الجفرة، لكنها في الواقع لا يمكنها القيام بذلك بشكل مستمر، نظرا للمسافة التي يجب تغطيتها والوقت الذي يستغرقه الوصول إلى هذه المناطق من قواعدها الجوية الغربية.

وتعني هذه العوامل مجتمعة أن الوقت المتاح يمكن أن يكون قصيرا، وفي حين كانت هناك اقتراحات من المراقبين بأن القوات الجوية المصرية يمكن أن تستخدم قواعد في ليبيا نفسها، فإن معظم هذه القواعد تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة لدعم المقاتلات المتطورة.

وقد يتطلب الأمر جهدا كبيرا لتزويد الوحدات المتمركزة هناك بشكل جيد. ويفتقر هذا الحل إلى الأمن الذي يوفره العمل داخل حدود مصر.

وكانت الضربات الجوية المصرية على درنة الليبية في 2015 محدودة دائما، إن لم تكن رمزية، ويرجع ذلك جزئيا إلى التحديات الجغرافية وعدم استعداد مصر لإنفاق مواردها العسكرية الشحيحة على حملات في الهواء.

وكما هو الحال في الضربات السابقة، ستريد القوات الجوية المصرية تجنب حرق احتياطياتها من الذخائر الاستراتيجية المعقدة، والشحيحة نسبيا، في استهداف أهداف حكومة الوفاق الأرضية أو شبكات الدفاع الجوي التركية ما لم يكن ذلك ضروريا للغاية.

وقد يقلل هذا السبب الأخير أيضا من أي احتمالات لضربات جوية مصرية عبر خط سرت-الجفرة حيث احتمال سقوط الطيارين وصعوبة إطلاق مهام البحث والإنقاذ القتالية في عمق ليبيا أو أراضي العدو بما يمثل خطرا كبيرا على السمعة، فضلا عن الأضرار المادية الضخمة.

وقبالة الساحل الليبي، قد يتم ردع البحرية المصرية عن العمل ضمن نطاق نظيرتها التركية لتجنب المواجهات المحتملة.

ويمكن لمثل هذا السيناريو تحويل ما كان في المقام الأول معركة بين وكلاء مدعومين من الخارج إلى صراع تقليدي بين خصمين جيوسياسيين.

وبالرغم من إنفاق المليارات على السفن الحربية والبرمائيات، فقد تلعب البحرية المصرية دورا هامشيا في أي انتشار نحو خط سرت-الجفرة، نظرا لاستمرار وجود السفن التركية في المياه الليبية منذ بداية تدخلها.

وقد تمنع سيطرة البحرية التركية على مياه غرب ليبيا نظيرتها المصرية من إنشاء شبكة دفاع جوي خاصة بها، وتعوق قدرتها على ضرب الأهداف البرية عبر سرت، وتجعل أي عمليات برمائية أو هجوم جوي من ناقلات "ميسترال" محاولة محفوفة بالمخاطر.

وفي حين يعتبر البعض الجيش المصري عملاقا نائما، ويتحدث الجميع عن قوته في العالم العربي، لكن صراعاته في شمال سيناء على مدى الأعوام الـ7 الماضية أثارت مخاوف بشأن أدائه وكفاءته بشكل عام.

ويمثل احتمال التدخل في ليبيا تحديا مختلفا تماما عن مواجهة التمرد في سيناء، ويزال هناك احتمال أن تتكشف نقاط الضعف التكتيكية والتشغيلية طويلة الأمد في ساحة المعركة الجديدة.

وقد اتسمت الغزوات العسكرية الأجنبية السابقة لمصر بسوء الأداء. وفي عام 1991، وصف المحللون الانتشار الكبير والرمزي في نفس الوقت، للجيش المصري في الكويت لدعم القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة بأنه متواضع، وأنه كشف عن ضعف في قدرة البلاد على قيادة وحداتها والسيطرة عليها بشكل فعال بعيدا عن الوطن.

وعلى نفس المنوال، أدت مشاركة القوات الجوية مؤخرا في قتال فوق اليمن إلى إرسال الطيارين المصريين للتدريب التكميلي في الإمارات بعد أن أقر الشركاء الخليجيون بعدم خبرة الطيارين المصريين في عمليات التزود بالوقود جوا، وسوء استخدام الذخائر الموجهة، وعدم الانسجام مع وحدات التحكم القتالية الأرضية ضمن عمليات التحالف.

وبالنسبة للعديد من القيادات العسكرية المصرية، يظل التدخل الكارثي في ​​الحرب الأهلية شمال اليمن في ستينات القرن الماضي تجربة تحذيرية أثرت على شهية القاهرة للمغامرات العسكرية الخارجية بالرغم من تركيزها على القوة العسكرية وآثارها الإقليمية.

ويقدم هذا التردد المؤسسي قيدا آخر قد يمنع القاهرة فعليا من تجاوز التدخل الرمزي في ليبيا بشكل تتطلع من خلاله إلى موازنة تركيا.

وكما أوضح "السيسي" في خطابه في يونيو/حزيران، فإن أي انتشار مصري سيبحث بشكل أساسي عن فرض وقف إطلاق النار بموجب خطة السلام في القاهرة، وليس عكس أي مكاسب.

ولا يتناسب هذا التقييم فقط مع الرسائل المصرية وأنماط السلوك السابقة، ولكنه أيضا مرتبط بشكل لا ينفصم بالقيود العسكرية للقاهرة والمخاطر الحقيقية لتدخل مرهق طويل الأمد أو الاحتمال الأكثر إثارة للقلق بالتصعيد مع تركيا، الذي قد يؤدي إلى مواجهة تقليدية وهزيمة محتملة.

وبالنسبة للنظام المصري الحالي، من الأفضل تجنب أي أعمال قد تؤدي إلى مثل هذه السيناريوهات بشكل كامل، خوفا من تشويه الصورة التي صنعها النظام محليا، والتي يستمد منها إحساسا بالشرعية السياسية.

وما يعنيه هذا عمليا هو أن القاهرة قد تكون راضية عن إرسال القوات إلى شرق ليبيا، في حين يبقى خط سرت-الجفرة نفسه محصنا من قبل الإمارات والمرتزقة الروس إذا سعت حكومة الوفاق وتركيا إلى تحقيق المزيد من المكاسب.

مع ذلك، يجب عدم استبعاد التهديدات المصرية أو التقليل من شأنها، نظرا لاحتمال التصعيد وسوء التقدير من قبل الأطراف المتنافسة.

وفي حين كان من المعروف أن القاهرة تعيد رسم خطوطها الحمراء وتعيد تحديد مصالحها في ليبيا، فإن التهديد الجريء بالعمل العسكري من رئيس البلاد، والطبيعة العلنية لموقفه العسكري، يتطلب بعض مظاهر النصر والتأكيد على أن مصالح البلاد ليست في خطر قبل أن يتمكن من تسلق سلم التصعيد بشكل معقول.

وإذا لم تسنح هذه الفرصة، فإن احتمال وقوع اشتباكات في البحر المتوسط ​​بين مصر وتركيا قد يكون نتيجة حتمية لقصور يجبر هؤلاء الأعداء الجيوسياسيين على مواجهة التحديات التي يمثلها بعضهم لبعض دون وجود أي سبل يمكنهم من خلالها بشكل معقول التراجع دون فقدان ماء الوجه أو التخلي عن حملاتهم.

المصدر | معهد أبحاث السياسات الخارجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سرت الجفرة التدخل المصري الجيش المصري الأزمة الليبية

مصر: صبرنا في ليبيا ليس ضعفا وسنحافظ على أمننا بأي وسيلة

النواب المصري يناقش تفويض السيسي بإرسال قوات إلى ليبيا

مخاوف التدخل في ليبيا تدفع الأسهم المصرية للتراجع